الخميس: 2006.10.26

خيري منصور


هناك نبوءة سوداء لفيكتور هوجو صاحب رواية البؤساء، سخر منها معاصروه، وهم يعولون على المستقبل باعتباره المجال الحيوي لتحرير الإنسان من خلال التطور العلمي، لكن ما قدمه المستقبل بالنسبة لهؤلاء كان أنكى من نبوءة هوجو، فالظلم تضاعف عدة مرات، وكذلك الفقر الذي أصبح بحاجة إلى إعادة تعريف، وفق ديناميات الاستهلاك، التي تدفع معظم الناس إلى ما دون خط الفقر.

وما فعلته السلطات الفرنسية، خصوصاً المتعلقة بمطار شارل ديجول قبل أيام يعتبر عيّنة من تلك النبوءة المتشائمة، فقد تم اقصاء عدد من العرب عن وظائفهم وهم يعولون مئات الأبناء، وانقطاعهم عن العمل يعني تشريدهم، أحد هؤلاء الموظفين الذي استيقظ من النوم على قرار الفصل من الوظيفة، قال إنه عربي ومسلم واسمه محمد، ويصلي، لكنه ليس متطرفاً وليست له أية علاقة بأي تنظيم راديكالي داخل فرنسا أو خارجها.

وأضاف، ان طرده من عمله في المطار سيكون سبباً كافياً لطرده من كل المجالات الأخرى، وهكذا عبر من غير قصد عن مأساة جان فالجان بطل رواية البؤساء لفيكتور هوجو، فقد حكم عليه بعد الخروج من السجن أن يبقى أسير بطاقة صفراء تمنعه من العمل والانخراط في الهيئة الاجتماعية، وباختصار تجعله منبوذاً، وملقى على الرصيف.

إن عشرات الموظفين العرب في مطارات فرنسية هم الآن ldquo;جان فالجانrdquo; حتى لو كانت البطاقات التي يحملونها خضراء أو حمراء أو برتقالية، فهم غير مرغوب فيهم لأسباب مبهمة وغائمة ولا ترتكز إلى قرائن أو حيثيات تبرر هذا الاقصاء القسري عن العمل، وبالتالي التجويع مع سبق الاصرار والترصد.

ونحن نعلم على الأقل من خلال موروثنا العربي الاسلامي أن قطع الأرزاق يصبح أحياناً أخطر من قطع الأعناق، لأنه قد يؤدي إلى الضياع وبالتالي اقتراف اخطاء تندرج في خانة الجرائم.

وقبل يومين فقط من فصل هؤلاء الموظفين العرب من عملهم في مطارات فرنسية، طردت معلمة عربية في لندن من عملها كمدرسة لأنها أصرت على عدم خلع النقاب، لكن المحاكم البريطانية حسمت الأمر وأعادت المعلمة إلى مدرستها وتلاميذها وجلبابها أيضاً.

فهل سيحدث هذا في فرنسا؟ وهي الأجدر من شقيقاتها الأوروبيات في العدل والمساواة لأنها تلح بشكل دائم على شعارات ثورتها ودورها في التنوير.

ان فولتير وجان جاك روسو ومونتسكييه وكل اليعاقبة والموسوعيين يتقلبون في قبورهم لأن ما يجري حولها هو على النقيض من القيم التي دفعوا حياتهم وأعمارهم وحرياتهم من أجل إرسائها.

ما الذي سيفعله جان فالجان العربي في رواية جديدة قد لا تحمل اسم البوساء، لكنها رواية الشقاء بامتياز، ومطاردة كائنات لا ذنب لها غير ما تحمله من ألوان وأسماء وعقائد.

ان هذه الوقائع التي تبدو متباعدة، وأحياناً عابرة تلتئم في سياق بالغ التعقيد والخطورة، بل التهديد للبشرية بالعودة إلى المربعات الأولى، يحدث هذا في زمن حوار الثقافات، والرد المتحمس على أطروحة صراع الحضارات ليؤكد بأن ما يقال ليس هو الحقيقة كلّها، وكأن هناك لغة علنية للتسويق الاعلامي ولغة سرية تحرض على المزيد من الصراع والتنابذ، والاقصاء المتبادل.