أحمد برقاوي

إذا عدتَ، أيها القارئ العزيز، إلى معاجم اللغة العربية لمعرفة معنى «يجب»، فإنك ستقع على دلالات كثيرة لهذا الفعل المشتق من الجذر «وجب».

والمتابع للحوارات والنقاشات والشجارات التي تجري بين مثقفين مختلفي المشارب على الشاشات التلفزيونية، يستمع إلى ترديد كلمة «يجب» مرات عدة.

فعندما نقول: يجب الالتزام بقانون السير، فهذا أمر مرتبط بالقانون، وعدم التزام الفرد به يعرّضه للعقوبة.

من طبيعة البشر أن يتصوروا عالماً أفضل من عالم لا يرضون عنه، حتى إذا كانوا راضين فإنهم يطمحون إلى الأفضل.

هب أن شخصاً أخلاقياً قال في حلقة نقاش: يجب التغلب على واقع الفقر في الدولة (سين) الذي تصل نسبته إلى 90% وصمت بعد ذلك..

لنفترض بأن هذه الدولة (سين) عاشت صراعات، وما زالت تعيشها، ومواردها محدودة، وبنيتها التحتية مدمرة.. إلخ. إذن فالنقاش العلمي المنطقي لا يستقيم إلا في السؤال الأهم الذي يتعلق بالممكن القابل للتحقق بعد دراسة الشروط الموضوعية.

وأسوأ فعل «يجب» هو ذاك المتعلق باستعادة بنية ماضية عفا عليها الزمن، بشروطها وناسها وقيمها وخطاباتها.

إرغام الحاضر على أن يعود إلى ماضٍ لا يعني سوى أن الماضي هو المستقبل، والعقل الذي يرى مستقبلنا في ماضينا عقل لا يفكر لا بقوانين الحياة ولا بجديدها، ولا بمنطق الزمن الواقعي وما هو عليه من تطوّر يتجاوز ما كان، ويخلق غايات جديدة دون توقف.

هذا لا يعني أن ننكر على الناس حقهم في الآمال والأحلام، فهذا ليس بمقدور أحد أن يفرضه، لكنّ هناك فرقاً بين أحلام الفرد التي تظل وقفاً عليه، وأحلام المجتمع والوطن ونخبته السياسية والفكرية والاقتصادية والعلمية.