عبد الرحمن الراشد
قبل فترة قريبة كتب أحدهم جازما يقول: انسوا المحكمة الدولية، فقد صارت في مهب الريح، وأن جريمة اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان السابق، ستطوى كما حفظت عشرات الجرائم السياسية الأخرى.
ولكن ها هي المحكمة وقد بثت فيها الروح دوليا ولبنانيا، مع إصرار من معظم الأطراف الرئيسية على ان تمضي في طريقها المرسوم. بالتأكيد طريقها صعب منذ ارتكاب الجريمة في فبراير(شباط) 2005؛ فالمحقق الدولي الأول اضطر للاستقالة والفرار من لبنان، والبلاد دخلت في حرب مدمرة مع إسرائيل، ولم يعثر بعد على شاهد واحد مهم يتجرأ على الوشاية بالفاعلين.
وبعد ان تبين ان المحكمة آتية لا ريب فيها، أكد وزير لبناني أن فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء الحالي، تلقى تهديدا هو الآخر صراحة بالاغتيال ان وافقت حكومته على الطلب الدولي بالمحاكمة.
لا أحد يجهل عواقب توجيه اتهامات لأطراف سورية أو لبنانية التي جوبهت بالتهديد والتخوين والتزوير مثل اصدار كتاب او اثنين يحاولان تفسير الاغتيال وتبرئة الجانب السوري، اتضح انهما مدفوعا الثمن. ولو أن المتهمين في القضية قرأوا جيدا مسار دعاوى لوكربي لتوصلوا الى نتيجة مفادها انه مهما طال الزمن لا مفر من المحاكمة، ولا بد من التعاون الدولي؛ فالتصعيد يعقد أوضاعهم كما التهديد لا يخيف المجتمع الدولي. ليبيا بعد سنوات من الممانعة تعاملت أخيرا بواقعية وغيرت سياستها الى التعاون بدل المواجهة، وقدمت تنازلات كانت ضرورية من أجل طي الملف وإنقاذ ليبيا.
سورية في وضع يزداد صعوبة مهما حاولت إخفاء ذلك بالاستهزاء بالمطالبات الدولية. وسبب الصعوبة انها خسرت علاقاتها المهمة مع مصر والسعودية بسبب استعدائها غير الضروري للبلدين، وفقدت كل نفوذ خارجي يمكن ان يساندها بسبب التصعيد المستمر في الموضوع الفلسطيني، وكذلك في توريط حزب الله في الحرب مع اسرائيل، واستمرار التوتير في لبنان.
نحن أمام مشهد مسرحي مقلق يتنامى مع الوقت بسبب عجز دمشق عن فهم العقلية الدولية لما سيحدث لاحقا مهما اغتالت او فجرت او عطلت سياسيا. سيستمر التحقيق وستعقد المحاكمة وستبدأ الملاحقة. وهنا مهم أن نلخص الحقائق الماضية، وهي ان الاميركيين رغم اخفاقاتهم في ادارة الصراعين في افغانستان والعراق، فأول فعل نجحوا فيه هو إسقاط طالبان وطرد laquo;القاعدةraquo; وإسقاط نظام صدام حسين. وكانت تلك أهون المسائل في المواجهات. ولهذا السبب كانت الدول العربية تحاول مساعدة سورية على الابتعاد عن طريق الفيل الاميركي حتى لا تداس وتنتهي كأفغانستان والعراق. ومحاولة اقناع القيادة السورية بألا تراهن على من راهن عليه الملا عمر والرئيس صدام حسين، معتقدين أن المصلحة الاميركية هي في عدم إسقاط النظامين لأسباب اقليمية مهمة، وكان ذلك صحيحا، لكن الحقيقة ان واشنطن أسقطتهما خبط عشواء.
[email protected]
التعليقات