الجمعة: 2006.11.17


د. بهجت قرني

قد يعترض البعض على صياغة العنوان بهذه الطريقة، على أساس أن ما يقرر أحوال الخليج هو في المقام الأول أمور الخليج من سكان وحكام وتطورات اجتماعية.

وبالرغم من صحة هذا القول، فإن العنوان له ما يبرره:
1- إن الولايات المتحدة هي حالياً أقوى قوة خليجية بسبب قواتها العسكرية الكبيرة في العراق، وقواعدها العسكرية في دول خليجية أخرى، وبسبب شركاتها واستثماراتها، وتفاعلاتها المنتظمة مع هذا الجزء من العالم.
2- إن فوز quot;الديمقراطيينquot; بالسيطرة على الكونغرس يرجع إلى أسباب متعددة، أهمها سياسة الإدارة الأميركية في العراق، ولذلك فقد يكون من المتوقع الإسراع بخطط للانسحاب الأميركي المباشر والسريع من بلاد الرافدين. وأقصد بكلمة quot;مباشرquot;، انسحاباً منظماً للقوات، ولكن واشنطن ستحاول الإبقاء على نفوذها في العراق بطرق أخرى.
وهذا التمييز بين أشكال الحضور الأميركي في المنطقة هو أمر مهم، لأنه يتعرض لمقولة قد تبدو منطقية في سياق التاريخ الطويل للسياسة الخارجية الأميركية، وهي مقولة تتكرر الآن كما يرى جانب من المفكرين العرب النابهين: أي أن هزيمة السياسة الأميركية في العراق، كما تُبيّن نتيجة الانتخابات، قد تدفع بهذه القوة العظمى إلى الانعزالية في سياستها الخارجية. والحقيقة أن متابعة هذه السياسة على مرِّ التاريخ، تبيّن أنها تمر بأطوار تتراوح بين الانعزالية والانطواء الداخلي من ناحية، والتوسع الخارجي النشط من ناحية أخرى. وبالطبع يكون الانطواء عادة، بعد نكسة أو هزيمة خارجية، كما هو الحال في العراق حالياً حيث تواجه الولايات المتحدة تجربة شبيهة بتجربتها في فيتنام. ورغم أن هذا التفكير منطقي، بل تؤيده كثير من الشواهد التاريخية، فإنني أرى أن هذا لن يحدث في منطقتنا، بل قد يقل أو يختفي الحضور الأميركي المباشر، لكن أميركا لن تعود إلى الانعزالية فيما يتعلق بمنطقة الخليج والشرق الأوسط عموماً، وذلك لثلاثة أسباب على الأقل:
1- أن احتياجاتها واحتياجات حلفائها البترولية ستستمر بل وستتزايد، وبالتالي فأهمية منطقة لا تزال تحتل المكانة الأولى فيما يتعلق بتصدير هذه المادة كما تمتلك أكبر حصة من الاحتياطي العالمي.
2- أن الوضع الجيوستراتيجي لهذه المنطقة، في المواصلات والممرات العالمية، سيظل مهماً بل قد يزداد أهمية، خاصة في نطاق ما يسمى quot;الحرب على الإرهابquot;.
3- أن إسرائيل تستمر في أن تكون مكوّناً أساسياً من السياسة الخارجية الأميركية، وذلك ليس فقط بسب مساعي اللوبي الصهيوني النشط داخل الولايات المتحدة، ولكن أيضاً بسبب توافق الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية مع رؤية قطاع كبير من دوائر الحكم والصفوة على اختلاف أنواعها في داخل أميركا نفسها. وفي الواقع لن تتأثر وضعية إسرائيل كثيراً بفوز quot;الديمقراطيينquot;، خلافاً لما قد يحدث في العراق.
إذا لم تكن نتيجة الانتخابات النصفية الأميركية هي العودة إلى الانعزالية، بل واستمرار الحضور الأميركي، وإن بصورة أخرى، فأين إذن المشكلة بالنسبة لمنطقة الخليج تحديداً؟
المشكلة تكمن في أن السياسة الأميركية في العامين القادمين -أي حتى الانتخابات الرئاسية ووصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض- قد تكون سياسة عرجاء يشوبها الانقسام الحاد والتردد والصراع الداخلي والمجادلات غير المجدية بين quot;الديمقراطيينquot; وquot;الجمهوريينquot;، وذلك لإحراز نقاط هنا وهناك بدلاً من المنفعة العامة في حماية مصالح واشنطن أو حلفائها المقربين، وبعضهم في دول الخليج. والدليل على وجود هذا الخطر هو إسراع أولمرت إلى القيام بزيارة واشنطن كي يتأكد من عدم تأثر الأولويات الإسرائيلية في سياق التردد وحتى الفوضى التي قد تعصف بدوائر القرار في هذه الدولة الأعظم.
ولذلك وجب على مجتمعات الخليج الاستعداد لهذا الاحتمال القادم، وتخطيط السياسات لمواجهته. فهل من المنطقي أن تترك دول الخليج موضوع المفاوضات حول القدرة النووية الإيرانية في يد الآخرين، أميركيين كانوا أم أوروبيين، في حين أن دول الخليج العربي هي أقرب المقربين والمتأثرين بهذا الموضوع؟ وإذا كانت المبادرة الخليجية في هذا النطاق ضرورية، فبأي صورة، وعلى أي مستوى وفي أي اتجاه؟