إدوارد وونغ

هل العراق في حرب أهلية اليوم؟ رغم أن إدارة بوش تلحُّ على النفي، إلا أن عدداً متزايداً من المتخصصين والزعماء والمحللين السياسيين الأميركيين والعراقيين يرون أن الاقتتال الدائر في العراق يستوفي الآن شروط التعريف النمطي لـquot;الحرب الأهليةquot;.
يقوم التعريف الأكاديمي السائد على معيارين، أولهما أن تكون المجموعات المتناحرة من نفس البلد وتتقاتل من أجل السيطرة على الوسط السياسي، أو على دولة انفصالية، أو من أجل فرض تغيير كبير على المشهد السياسي. أما الثاني، فيقول إنه ينبغي أن يكون مجموع من قُتلوا 1000 شخص، مع سقوط 100 قتيل على الأقل في كل جانب.
ولئن كان المصطلح عموماً فضفاضاً بحيث يمكنه أن يضم أشكالاً عديدة من النزاعات، فإن أحد أطراف الحرب الأهلية يكون دائماً تقريباً حكومة ذات سيادة. وعليه، يرى بعض الأكاديميين اليوم أن الحرب الأهلية بدأت عندما نقل الأميركيون السيادة إلى حكومة عراقية معينة في يونيو 2004. وهو ما حوَّل الحرب ضد الأميركيين رسمياَ إلى حرب مجموعات متمردة تسعى إلى استعادة السلطة لفائدة السُّنة الذين فقدوا امتيازاتهم في مواجهة حكومة عراقية يقودها رئيس الوزراء يومذاك إياد علاوي، ويهيمن عليها الشيعة بشكل متزايد.
هذا في حين يقول آخرون إن الحرب الأهلية بدأت هذا العام فقط، بعد أن فجَّر قصفُ مزار مقدَّس لدى الشيعة في سامراء سلسلةً من عمليات القتل الانتقامية التي حصدت أرواح المئات من الأشخاص خلال خمسة أيام، ولم تتوقف بعد.
والواقع أن العديد من حركات التمرد والحروب الطائفية أو العرقية تعد أيضاً حروباً أهلية، ومن أمثلة ذلك ما جرى في فيتنام ولبنان. ويرى أكاديميون آخرون أن الحرب الأهلية العراقية تتوفر في الآن نفسه على عناصر حركة التمرد ndash;إذ يسعى طرف إلى الإطاحة بما يعتبره حكومةً غير شرعية- وحرب طائفية ndash;حيث يسيطر الشيعة على الحكومة ويعارضها السُّنة.
ويتركز الصراع الأهلي في العراق بوضوح في المناطق المختلطة حيث يعيش السُّنة والشيعة معاً، والتي تضم مدن بغداد والموصل وبعقوبة. أما في إقليم الأنبار، ذي الأغلبية السُّنية، فإن الجزء الأكبر من أعمال العنف موجه ضد القوات الأميركية. والحقيقة أن مناطق واسعة من العراق لا تشهد أعمال عنف كثيرة، غير أن تلك المناطق متجانسة نسبياً وسكانها قليلين.
لكن في المقابل، ثمة بعض المؤرخين الذي يختلفون مع تعريف الحرب الأهلية، على هذا النحو، ومع ما إن كان ينطبق على العراق. وفي هذا الإطار، لا يرى quot;جون كيغانquot;، الكاتب البريطاني المتخصص في تاريخ الحروب، سوى خمس حالات تاريخية واضحة على quot;حرب أهليةquot; بحصر المعنى، بدءاً بالحرب الأهلية الإنجليزية في القرن السابع عشر وانتهاء بالحرب اللبنانية في القرن العشرين. أما معاييره، فتتمثل في ضرورة سعي المجموعات المتصارعة إلى السلطة الوطنية، وأن يكون لهذه المجموعات زعماء يعلنون ما الذي يقاتلون من أجله، ويشتبكون في معارك ساحاتها محددة مع ضرورة ارتداء المقاتلين لبدلات. وبناء على ذلك يخلص في مقال بعدد ديسمبر من مجلة quot;بروسبيكتquot; إلى أن العراق لا يعيش حرباً أهلية الآن.
من جانبه، شدد quot;سكوت ستانزيلquot;، المتحدث باسم البيت الأبيض، مؤخراً على أن النزاع العراقي ليس حرباً أهلية، مشيراً إلى أن الزعماء العراقيين يتفقون مع هذا التقييم. وكان quot;توني سنوquot;، المتحدث الرئيسي باسم جورج بوش، أقر الشهر المنصرم بوجود العديد من المجموعات التي تحاول إضعاف الحكومة، إلا أنه نفى وجود حرب أهلية لأنه quot;من غير الواضح أنهم ينشطون في إطار قوة موحدة. ولا يوجد زعيم يمكن تحديده بوضوحquot;. غير أن أن quot;جوزيف بِايدنquot;، quot;الديمقراطيquot; بـquot;مجلس العلاقات الخارجيةquot; التابع لمجلس الشيوخ، قال في سبتمبر المنصرم، ما منطوقه: quot;إنه لابد من إيجاد حل سياسي لإنهاء الحرب الأهلية في العراقquot;.
وبين هذا الرأي وذاك يقول quot;ديفيد لايتينquot;، الأستاذ بجامعة ستانفورد: quot;لماذا علينا أن نشغل بالنا بطريقة تعريف الحرب الأهلية إذا كنا جميعاً متفقين على أن العنف غير مقبولquot;، مضيفاً: quot;ثمة علماء يدرسون الحروب الأهلية ويفهمون ديناميتها وكيف تنتهي عموماً. وهذا البحث ضروري لأمن بلدناquot; وهذا هو الأهم.

مراسل quot;نيويورك تايمزquot; في بغداد