عبد الرحمن الراشد


أليس غريبا على الآذان أن نسمع حكومة حماس تعلن أمس انتقادها الفصائل الفلسطينية قصف إسرائيل بالصواريخ لأنه يخرق هدنتها مع حكومة إيهود أولمرت التي بدأت في السادسة صباح أمس بتوقيت غزة؟ غريب حقا. أية هدنة تتحدث حماس عنها وهي التي كانت تصف كل هدنة مع العدو بالخيانة، وتعتبر كل صاروخ يطلق عملا مقدسا لا يجوز انتقاده، وأنها ترفض المساومة والتعامل مع إسرائيل.

المتحدث الرسمي لحماس قال إن حماس اتفقت مع إسرائيل على إيقاف هجماتها الصاروخية مقابل أن تنهي الأخرى عدوانها.

أليس هذا هو النفاق السياسي بعينه؟ ثمنه هذه المرة غالٍ جدا، أربعمائة قتيل فلسطيني قضوا بسبب سياسة حماس التي دمرت البنية الحكومية وجوعت الناس وفتحت الباب للعدوان والاغتيالات الإسرائيلية. النتيجة اليوم هدنة لحماية إسرائيل من الصواريخ والعمليات الانتحارية.

إن استغرابنا ليس مسألة تشفٍّ، ونحن نرى انقلاب المفاهيم عند حماس، لكنها محطة تستوجب التوقف والتأمل والمحاسبة، أو على الأقل السخرية. روجت حماس الى أن ما فعله الرئيس الراحل ياسر عرفات خطيئة بالتعامل مع إسرائيل ومهادنتها، وخونت كل من سار في هذا الطريق وأعطت لنفسها الحق الديني والوطني والأخلاقي برفض وقف إطلاق النار مع العدو من حيث المبدأ والممارسة.

إن تغيير حماس لموقفها يبدو عملا تكتيكيا مؤقتا حتى تحصل على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين بعد أن مر على أسر الجندي الاسرائيلي أربعة أشهر تلاه دمار غير مبرر في الجانب الفلسطيني. ولكن إذا كانت التنازلات، مثل حماية إسرائيل من الصواريخ، تجوز لحماس، فلماذا رفضتها لمن سبقها؟ فقد دأبت حماس على استنكار قيام فتح، عندما كانت هي الحكومة، بالتوقيع على كل هدنة، وقامت بتخريبها بإرسال مفخخين في عمليات انتحارية. وكانت تبرر تلك العمليات بأن الهدنة غير مشروعة، وخيانة مرفوضة، حتى صار المشروع الفلسطيني أسيرا لسياسية التخوين والتخويف والإفساد الميداني المباشر.

ولا أعتقد أن أحدا من الجانب الفلسطيني سيعترض على هدنة حماس مع إسرائيل، لأن الجميع يرون نتائج سياسة حماس الفاشلة التي قدمت منذ تسلمها السلطة حماية أكثر لإسرائيل، وعمليات عسكرية فلسطينية أقل من زمن حكومة فتح، وجوعت قطاعا كبيرا من الشعب الفلسطيني في الداخل، وعطلت كل المشاريع السياسية والإنمائية للفلسطينيين، إضافة الى خسارة كل الحلفاء الأوروبيين الذين وقفوا الى الجانب الفلسطيني قبل ذلك.

وإذا كانت حماس ستفاخر بأنها أطلقت عددا من الأسرى الفلسطينيين من خلال التفاوض عليهم مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي، فإنه مبرر غير مقنع لأن إسرائيل كانت مستعدة من أجل توقيع هدنة معها إطلاق عدد من الأسرى الفلسطينيين من دون الحاجة الى خطف جنود. والثمن الذي نراه اليوم عمليا مرتبط بحقيقة التفاوض والتنازل والموقف الحماسي الجديد.

[email protected]