بيروت -سوسن الأبطح
الاتهامات التي توجهها المعارضة اللبنانية إلى رئيس الوزراء اللبناني فؤد السنيورة هذه الأيام بـlaquo;العمالةraquo; وlaquo;الخيانةraquo; وlaquo;الأمركةraquo; وصولاً إلى laquo;التواطؤ مع إسرائيلraquo;، هي من أصعب الاتهامات التي يمكن أن توجه إلى رجل له ماضي فؤاد السنيورة ومساره السياسي وانتماؤه لمدينة عريقة مثل صيدا معروفة بتاريخها النضالي القومي منذ الانتداب الفرنسي.
ويقول أحد أصدقاء عمر رئيس الوزراء اللبناني laquo;ان فؤاد السنيورة حين يردّ على هذه الاتهامات بأنه رضع من حليب الوطنية في صيدا وانه لن يتنكر لهذا الحليب فإنه يفكر في هذه اللحظة بنشأته، وما تربى عليه هو وكل أبناء جيله في هذا المدينة من قيم وطنية وعروبية. فصيدا معروفة بانتمائها القومي العربي الحاد، ومدارسها رائدة بهذا التوجه، خاصة laquo;مدرسة المقاصد الخيريةraquo; التي كان السنيورة أحد طلابها للمرحلتين التكميلية والثانوية. فقد كانت مركزا للنشاطات القومية العربية، والعمل من أجل القضية الفلسطينية. وقد عايش فؤاد السنيورة وهو ما يزال مراهقاً فترة النهوض القومي العربي التي كانت صيدا أحد مراكزها الهامة، وواكب كما أبناء جيله في المدينة طوال خمسينات القرن الماضي صعود الأحزاب القومية العربية، مثل حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب القومي وغيرها، وقد كان على تماس مع حركة القوميين العرب، وساهم في بعض نشاطاتهم. صحيح ان رفيق الحريري الذي بقي صديقا له حوالي 45 عاماً ذهب في حركة القوميين إلى مهمات أصعب وأبعد، لكن السنيورة كان في قلب حركة النهوض القومي ومن أبنائها وليس بعيدا أبدا عما يحدث، وحين ذهب إلى بيروت صار فاعلا في laquo;النادي الثقافي العربيraquo; وأصبح رئيسا له في فترة ماraquo;.
ويضيف أحد أصدقاء السنيورة: laquo;الرئيس الحريري حين كبر ونجح، صار ينظر الى الأمور من وجهة نظر مختلفة، وهذا طبيعي، لكن كلا الرجلين بقيت لهما هذه الخلفية القومية التي يشاركان بها كثيرين من شباب صيدا من جيلهمraquo;. أبناء صيدا كما أبناء مدينتي طرابلس وبيروت، كانوا من دعاة التيار الوحدوي العربي، ونادوا بالوحدة مع سورية قبل فترة الاستقلال، وهو ما أحال اليه السنيورة في كلمته منذ يومين قائلاً: laquo;بعد لبنان أحب سورية، هذا الأمر نشأت عليه ولن أتغير ولا أهل صيدا ولا اللبنانيين سيتغيرون، سيظلون يحبون سورية والشعب السوري. نحن لا نكره أحدا نحن الحمد الله أقوياء بعروبتنا، لا نكره أي بلد عربي بل نحن نحب كل بلد عربي وفي مقدمتها سوريةraquo;. فقبل صيغة التسوية الداخلية عام 1943 التي نال لبنان على أساسها الاستقلال كانت هذه المدن الساحلية نزاعة لعروبة قوية. وكان بمقدور السنيورة ان يقول شيئا مشابها عن مصر، إذ ان أهالي صيدا عرفوا أيضا بهواهم الناصري أيام صعود جمال عبد الناصر، وتوجهاتهم الوحدوية، وهو ما كان يستدعي غضب بعض الفئات اللبنانية التي تعتبر هؤلاء الوحدويين مفرّطين بلبنانيتهم لصالح هواهم العربي.
وعرفت صيدا منذ أيام الانتداب الفرنسي بأنها كانت شرسة في وجه الاستعمار وقبلها كانت مقاومة شرسة أيام الاحتلال الصليبي. وتتلاقى المدن الساحلية اللبنانية مثل بيروت وطرابلس وصيدا على الاعتداد بعروبة أبنائها. لكن أبناء صيدا يقولون إنهم يتميزون عن هذه المدن بقربهم الشديد من فلسطين، وبعلاقات المصاهرة التي نسجوها مع الفلسطينيين قبل أن يخرجوا من أرضهم سنة 1948، والعلاقات التجارية بين صيدا والمدن الفلسطينية، كما أن صلات النسب قديمة وعريقة حيث لا تبعد مدينة عكا سوى مسافة ساعة بالسيارة. وأخوال فؤاد السنيورة من عائلة الصباغ عاشوا في فلسطين واشتغلوا هناك كما غيرهم من أهالي صيدا وتزاوجوا مع فلسطينيين، وبالتالي فإن الامتداد العربي لصيدا هو جغرافي واقتصادي وعائلي، كما أن هذه المدينة السنية تتغنى بدورها الوطني بسبب علاقتها الوطيدة بجبل عامل (نسبة الى العاملية الشيعية)، وتمركز العديد من أبنائه في صيدا، ربما ان احد أشهرهم هو أحمد عارف الزين صاحب مجلة laquo;العرفانraquo; التي عاشت ما يقارب نصف قرن، وتوقفت بعد منتصف القرن الماضي صيدا هي بوابة الجنوب التي طلع منها أحد أبطال استقلال لبنان الوطنيين رياض الصلح، بكل ما له من قيمة وطنية، ثم عرف المناضل معروف سعد كأحد الوطنيين الكبار، وتسلم عادل عسيران أحد أبنائها الشيعة رئاسة مجلس النواب. لكن لسنوات بقيت صيدا بدون زعيم كبير يستطيع ان يصل إلى رئاسة الوزراء حتى ظهور رفيق الحريري على الساحة، وهو من أتى بفؤاد السنيورة كوزير للمالية في وزاراته المتعاقبة منذ عام 1992، وكان هذا تدرجاً له قبل وصوله على رئاسة الوزراء.
وعائلة السنيورة كما يدل اسمها اشتهرت في صيدا بصناعة نوع من الحلويات يعرف باسم laquo;السنيورةraquo;، وما يزال لهم محل مفتوح في المدينة يشرف عليه أبناء عمومة رئيس الوزراء الحالي. والسنيورة من عائلة متوسطة كان والده تاجراً، وله أخ اسمه سامي ،وهو عضو بالمجلس الشرعي في بيروت، وأختان سلوى السنيورة بعاصيري، وهي ناشطة معروفة في لبنان وسامية وتكبرها سناً. ويقول محمد علي الشماع وهو أحد وجهاء صيدا laquo;ان المدينة لا تستطيع أن تنسى أنها بوابة الجنوب، التي تصل إلى فلسطين، ولا تنسى أيضا امتدادها الشرقي المسيحي، وإنها وإن تكن اليوم تعيش ركوداً صناعياً وزراعياً بعد أن كانت منذ 150 سنة مركزاً مزدهراً، فهي مدينة تعايش وتوافق وطني دائماًraquo;. وتقولا ابنته رولا شماع، وهي عضو في المجلس البلدي في صيدا وهي من الفريق المعارض: laquo;مدينتنا مقسومة اليوم بين موالاة ومعارضة، البيت الواحد منقسم على نفسه، وهذا الاختلاف السياسي بين أهل المدينة الواحدة، يعرف الصيداويون كيف يتغلبون عليه وهم في النهاية يتوافقون من أجل مصلحتهم الوطنيةraquo;.
التعليقات