الأربعاء13 ديسمبر2006


أفق آخر
خيري منصور

ليس هذا المقال مكرساً لمقال في مديح الرئيس الأسبق جيمي كارتر، بعد أن أصدر كتابه عن السلام والعنصرية، وما بينهما من التباسات، وقد اقترن اسم الرئيس كارتر بكامب ديفيد في الذاكرة العربية، مما يجعل تحرير اسمه من غبار تلك المرحلة ودخانها أمراً عسيراً، لكن الكتب لا تقرأ في ضوء السيرة الذاتية لمؤلفيها حتى لو كانوا رؤساء جمهوريات كبرى ذات أحلام امبراطورية.


ردود الأفعال الأولى على كتاب كارتر مثيرة وتفتضح بسرعة قياسية ما يختبئ تحت القشرة من تكوينات صهيونية لها نفوذ عضوي.

وقد لا تنتهي العقوبة الصهيونية لكارتر عند مجرد العتاب، أو استقالة شخص له علاقة بالمسألة، لأن منطق تشطير العالم الى شياطين وملائكة، لعبت فيه الصهيونية عبر دوائرها الإعلامية والمتطوعين للخدمة الإجبارية في ثكناتها الأيديولوجية دور البطولة، فمن لم يكن معها هو بالضرورة ضدها وبالتالي عليه أن ينتظر دوره في القوائم السود لأعداء السامية.

فهذه القوائم لم يسلم منها حتى الموتى منذ ألف عام، لأن محاكمتهم تمت بأثر رجعي، ومن خلال قيامة يهودية خاصة. ولو كان عنوان كتاب كارتر مجرد عنوان لفصل من الكتاب لهان الأمر على العنصريين الذين أرادوا للسلام أن يكون حرب الحروب كلها، وبأسلحة من طراز تدميري وشامل فريد.

حيث انتهى فقه السلام على الطريقة الصهيونية الى قرار الإبادة، فالعربي الجيد أو الطيب هو العربي الميت، سواء بالمعنى العضوي أو بالمعنى الرمزي الذي يجرده من جلده وهويته ويغسل ذاكرته بحيث يتوهم بأنه ولد قبل أربع وعشرين ساعة فقط.

ما قاله كارتر هو باختصار إعادة الفاصل المحذوف بين السلام والعنصرية، وبين الاعتراف بالضحية وإبادتها، لأن المطلوب هو ضحية خرساء، لا يصدر عنها حتى الأنين، كي تصبح الجريمة كاملة بالصمت.

وقد يغضب كتاب كارتر البوشيين أو الأوباش، فالاسم أعجمي ولا نعرف كيف نجمعه، لأن هؤلاء على اختلاف جنسياتهم انحازوا الى العنصرية، ناسين أنهم من ضحاياها عندما يأزف دورهم في الطابور الملوّن الطويل.

أما التعليق التقليدي على كل كتاب من هذا الطراز، يؤلفه سياسي سابق فهو لماذا تأخر هذا الاكتشاف ثلاثين سنة؟

لكن الأمور لا تؤخذ دائماً بهذا المقياس، إذ نادراً ما شهد الساسة وهم يرفلون في نعيمهم، ويبرطعون في ربيع السلطة والجاه الكوني.

إن النقيض لما قاله كارتر هو أن يصمت حتى الموت، وبذلك يفوت على نفسه رئيساً سابقاً وإنساناً مثقفاً معنياً حسب أطروحاته بالديمقراطية وحقوق الإنسان الفرصة التاريخية والأخلاقية الى الأبد، كما فعل آخرون، لا نذكرهم إلا لماماً وعلى هامش مجزرة صمتوا عنها أو قرار انحازوا به الى القتلة.

وقد لا يحتاج رئيس أو حتى كاتب عادي الى مجازفة كي يعلن بأن السلام لا يعيش مع العنصرية، لأن مثل هذه الكيمياء أقرب الى الخرافة، فالعنصرية الصهيونية أنتجت وستواصل إنتاج كل أشكال الصراع، ولن يسلم اليهود أنفسهم من هذا الاحتراب حتى مع أنفسهم.