الخميس 14 ديسمبر2006
خيري منصور
العنوان التقليدي لعشرات الندوات والمؤتمرات حول حاضر لبنان ومستقبله هو لبنان إلى أين؟ بحيث يبدو السؤال كما لو أنه سهم يدور حول محيط الدائرة على طريقة ldquo;محلك سِرْrdquo;، ولا أدري لماذا لا تنعقد ندوة واحدة بعنوان ldquo;لبنان إلى متىrdquo;؟
فالمكان يفترس الزمان في ذهنية سياسية مصابة بأنيميا الخيال، والمستقبل برمته يجب أن يكون مرئياً بالعيون المجردة للصيادين الذين غالباً ما يعودون بشباك خالية إلا من ثقوبها.
لقد اندفع المشهد اللبناني مجدداً إلى ثنائية من طراز آخر، قد لا تكون طائفية أو مذهبية، بسبب عدم التجانس الذي يمتاز به كلا الطرفين: الموالي والمعارض، لكنها ثنائية التعامل مع التاريخ كما لو أنه خط أسود وخط عرض أبيض، ومع الديمقراطية كما لو أنها قطيع من الخيول يجب ان يكون في هذا الاسطبل أو ذاك.
ما هكذا تورد الإبل، ولا حتى البشر، وليس من المعقول أن ينشطر شعب واحد عند منعطف حاسم في تاريخه الى نعم خالصة وrdquo;لاrdquo; مصفاة من الشوائب، خصوصاً وأن الطرفين يدعيان أمومة الصبي ويقدم كل منهما قائمة طويلة بالأزمات التي تطحن البلاد اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً.
فلبنان خارج من حرب الثلاثة والثلاثين التي كان كل يوم فيها يعادل شهراً على الأقل بسبب كثافة القصف، وعدد المشردين بحثاً عن ملاذ آمن، وليس من حق أي طرف في بلد يخضع لشروط بالغة القسوة كهذه الشروط أن يحتكر الوطنية والانتماء وبالتالي الحقيقة، فالحقائق كما هي، قد تكون هنا أو هناك بكامل قرائنها.
والمطلوب هو قدر من التواضع، يتيح لكل طرف أن يعترف بأنه غير معصوم، وأن العواصف قد تهب بما لا تشتهي قواربه.
لقد اتضح بعد أكثر من ثلاثة عقود من المراوحة أن السؤال التقليدي لبنان.. الى أين؟ لم يعثر على إجابة، فالأزمات يعاد انتاجها، وللحرب الأهلية الباردة عدة أسماء تخفف من وطأة ما يحدث، ومن الجرعات الثقيلة التي يجد اللبنانيون بأنهم ملزمون بابتلاعها.
والسؤال الآخر وهو لبنان إلى متى؟ قد يوقظ في جيلين على الأقل شكوكاً هاجعة في جدوى هذا الهجاء المتبادل، وهذه الإدانات التي حولت الساحات والشوارع الى ملاعب لمباريات خطابية بالذخيرة الميتة، فالناس في العالم كله وليس في لبنان فقط اكتشفوا عري الأباطرة، ولدغوا من الجحور ذاتها ألف مرة، ليس فقط بسبب ضعف في إيمانهم، بل لأن الجحور تتخفى أحياناً على هيئة أعشاش حمام. إننا نفكر أحياناً بلبنانيين ليسوا معتصمين بالشوارع أو البيوت، وليسوا على استعداد لأن يستخدم دمهم للمرة العاشرة وقوداً مجانياً لحروب الوجاهة الطائفية ومعارك الاستزلام.
قد يكونون قلة، بل أقل من القلة، لكنهم لبنانيون، يحلمون بالحياة كسائر عباد الله، ولا يريدون أن يربوا أولادهم للذبح في مواسم السياسة العجفاء، وإذا كان لبنان سيمكث طويلاً على هذا النحو الذي يشطره الى لبنانين رغم وفرة الخطابات المبشرة بالوحدة الوطنية فإن هذا البلد هو الذي يعلن الحرب هذه المرة على نفسه، وعلى حقه في النمو وبكلمة واحدة.. فإنه يشحذ سكين الانتحار وهو آخر من يعلم.. أو أول من يعلم.
التعليقات