جهاد الخازن

لكل من الولايات الخمسين التي تشكل الولايات المتحدة الأميركية شعار يمثلها ونيو جيرسي، مثلاً، لها laquo;الحرية والرخاءraquo; مع ان لقبها الشعبي laquo;الولاية الحديقةraquo;، ومينيسونا laquo;نجمة الشمالraquo; (بالفرنسية) وفلوريدا laquo;نثق باللهraquo;، وهو أيضاً شعار الدولار الأميركي.

ثمة شيء مشابه في الدول العربية، فمصر أرض الكنانة، وسورية قلب العروبة النابض، والعراق بلاد الرافدين، وهكذا.

الولايات الاميركية تتنافس، كما تتنافس دولنا، وأذكر شعاراً ضاحكاً من نوع ان تختار ولاية فقيرة مثل اركنسو شعاراً يقول: laquo;على الأقل نحن لسنا مسيسيبيraquo;، وهذه الأخيرة تحمل الرقم الأخير في الفقر، أي الخمسين، وراء أركنسو ولاية بيل كلينتون. والدول العربية تستطيع ان ترفع مثل هذا الشعار بدورها، فالمصري المعارض الغاضب على حكومته قد ينظر حوله ثم يعزي نفسه بالقول: laquo;على الأقل نحن لسنا ليبياraquo;. والسوداني قد يقول: laquo;على الأقل نحن لسنا الصومالraquo;. والسوري قد يقول: laquo;على الأقل نحن لسنا العراقraquo;. واللبناني يقول: laquo;على الاقل نحن لسنا سوريةraquo;.

ما سبق مقدمة، فالموضوع الذي أنا في سبيله هو ان القارئ ربما اعتقد بأن سمعة العرب والمسلمين في الحضيض، وربما رأى اننا نستحق سمعتنا، غير انني والقارئ قد نجد عزاء في القول: laquo;على الأقل نحن لسنا اسرائيلraquo;، فهي الأدنى في العالم كله، وسمعتها في الدرك الأسفل، أو أسفل سافلين.

لو أبديت والقارئ هذا الرأي لما فعلنا شيئاً، لأننا طرف ضد اسرائيل، وهو عند ذلك من دون قيمة كما لو أبدى اسرائيلي الرأي نفسه عنا. غير ان الحكم على اسرائيل صدر عن طرف مستقل خبير وثقة في مجال اختصاصه، فمؤشر انولت للأسماء التجارية للدول وضع في استطلاع الربع الثالث من هذا العام اسرائيل في آخر مرتبة بين 36 دولة شملها الاستطلاع الذي عكس آراء 25903 مستهلكين حول العالم.

ربما أحتاج الى بعض الشرح قبل ان أكمل فمؤشر انولت يتعامل مع الدول على طريقة الاسماء التجارية للشركات (كوكا كولا، بوينغ، تويوتا وغير ذلك)، وهو يصنف الدول على أساس اختبار سداسي يشمل: السياحة، الصادرات، الحكم، الاستثمار والهجرة، الثقافة والإرث، والشعب.

يقول سايمون انولت، الرجل الذي يحمل المؤشر اسمه، ان بحثه أظهر ان اسرائيل تقبع في اسفل القائمة في كل من المجالات الستة السابقة تقريباً. والمؤشر يعمل في 35 دولة متقدمة ونامية، ويزيد عليها دولة بصفة laquo;ضيفraquo;، وهذا ما حدث في الربع الثالث من هذا العام عندما زيدت اسرائيل على القائمة، فلم ينافسها في الصورة السلبية سوى بوتان التي كانت اول دولة laquo;ضيفraquo; زيدت على القائمة، مع الملاحظة ان السلبية ازاء بوتان، تلك المملكة النائية في جبال الهملايا، كان سببها الجهل، اما السلبية ازاء اسرائيل فسببها المعرفة.

انولت يرى ان السلبية ازاء اسرائيل بلغت درجة ان محاولة تحسين البضاعة المعروضة لا معنى لها، وإنما هناك حاجة الى تقديم laquo;بضاعةraquo; جديدة لـ laquo;المستهلكraquo;.

والحكومة الاسرائيلية تدرك هذا، فوزيرة الخارجية تزيبي ليفني جمعت قرب نهاية الصيف في تل أبيب بعض أبرز رجال العلاقات العامة والدعاية لتحسين صورة اسرائيل حول العالم، وقالت: laquo;عندما يذكر اسم اسرائيل خارج حدودها لا نريده ان يرتبط بقتال وجنود، وإنما بمكان مناسب للزيارة والاستثمار، يحافظ على القيم الديموقراطية وهو يكافح من أجل البقاءraquo;.

raquo;شو تعمل الماشطة في الوش العكشraquo; كما نقول. والماشطة هنا هي شركة laquo;ساتشي أند ساتشيraquo;، وهي شركة دعاية عالمية كبرى مقرها لندن، على رأسها يهودي عراقي بريطاني (ساتشي هي ساعاتي بلغتنا). وقد كُلفت هذه الشركة مهمة تحسين صورة اسرائيل حول العالم، وهي مهمة يراها مؤشر انولت شبه مستحيلة، مع حاجة لتغيير الصنف، لا تحسينه.

ننتظر لنرى ان كان الخبراء سيجترحون معجزة، ويحسّنون صورة اسرائيل حول العالم. طبعاً اذا حسنت اسرائيل أخلاقها وأفعالها، فصورتها ستتحسن من تلقاء نفسها، ولكن أفترض انها ستستمر في قتل الأطفال والنساء في الأراضي الفلسطينية، وتهدد القريب والبعيد، لذلك تحتاج الى خداع المستهلك بتقديم البضاعة الفاسدة نفسها بعد تغيير غلافها او تزويقه.

إذا كانت اسرائيل ستنجح في خداع العالم مرة اخرى فالسبب لن يكون مهارة رجال العلاقات العامة والدعاية وحدها، وإنما تسهيل أعداء اسرائيل المعلنين مهمة الدفاع عنها، فإرهاب الجماعات المتطرفة يخدمها في شكل يستحق الارهابيون معه ان يتلقوا مرتبات منها وسلاحاً. ثم هناك الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وتصريحاته عن مسح اسرائيل عن الخريطة وإنكاره المحرقة، كما نرى من استضافة مؤتمر عالمي عنها في طهران.

تصريحاته تجعل اسرائيل، وهي دولة نووية عدوانية توسعية، تظهر بمظهر الحمل الوديع الذي يهدده ذئب إسلامي، والمحرقة حصلت قطعاً، ولا أفهم ان ينكر الرئيس الايراني جريمة لم نرتكبها نحن، وإنما الغرب المسيحي الذي يكفّر الآن عن ذنوبه بحق اليهود على حسابنا.

أقول: على الأقل نحن لسنا ايران.