الثلاثاء 19 ديسمبر2006


خيري منصور


ما إن قرأت النبأ الذي نشرته وكالة الأنباء الصينية عن لقاء بين مسؤولين من الدولة العبرية ووزراء فلسطينيين في بكين حتى عادت إلى الذاكرة تلك الموعظة الرسولية عن طلب العلم حتى لو كان من الصين.

والعرب لم يتعلموا كثيراً من الصين، بدءاً من المعالجة بالإبر الصينية حتى فلسفة التصنيع والاكتفاء الذاتي، رغم أن أحد فرسان العرب وصل ذات فتح إلى سور الصين، ذلك السور الذي يقال إنه يرى من القمر، والذي تم بناؤه خشية من المنشوريين وليس من العرب أو الروس.

لقد حيّرت الصين العالم، لا بعلمها فقط بل بقدرتها على الصبر، والدأب الذي تغار منه حتى امبراطورية النمل! لهذا أجاب أندريه مالرو هنري كسنجر عندما سأله عن الصين، والأسلوب الأمثل لاختراق السور العظيم قائلاً: ldquo;إن أمريكا تحتاج إلى عشرة قرون كي تفهم الصين وأهلها، ومن لم يطلبوا العلم من الصين يطلبون الآن السلم منها، ولو كان جائراً، لأن مفاوضات الفلسطينيين مع الدولة العبرية منذ أوسلو حتى بكين انتهت الى ما نشهده الآن، وهو غني عن التوصيف لأن فضائيات العالم وأرضياته وصحفه تتولى نشره على مدار الساعة.

وفي الوقت الذي يعلن فيه عن إخفاق الفلسطينيين في التوصل إلى حكومة وحدة وطنية. تأتلف فيها الأطراف وبالتحديد حماس وفتح، يستأنف الفلسطينيون حواراتهم مع اليهود.

إنها واحدة من مفارقات عصر الكوميديات السياسية، الذي باض فيه الحمام على الوتد ونبت فيه للسلحفاة جناحان وللأفعى ساقان.

إن الدرس الصيني في بعده الثقافي على الأقل كان جديراً باهتمام شعوب وجدت نفسها مقذوفة في عراء التاريخ، وفي ضواحي الجغرافيا، لكن ما حدث هو أن التجار العرب الذين يملأون شوارع بكين وأزقة شنغهاي لا علاقة لهم بأي شيء عن الأسعار ونسبة الربح، والوكالات التجارية، وقد تكون معرفة السيرافي بشعاب تلك البلاد أكثر من معرفة أحفاده الذين يتقنون عدة لغات، ويتأبطون الكمبيوتر والموبايل حتى في ساعات النوم.

قبل أكثر من أربعين عاماً، زار وفد فلسطيني بكين برئاسة الشهيد خليل الوزير، ويقال إن الوفد طلب من ماوتسي تونج نصائح تتعلق بالثورة، فقال لهم: عودوا واقرأوا ثورة الريف وما كتبه العربي المغربي عبدالكريم الخطابي، فأنا تعلمت منه، كي لا أصنع الثورة بسائقي التاكسي كما يفعلون في موسكو.

إن اللقاء الفلسطيني ldquo;الإسرائيليrdquo; في بكين بحضور يوسي بيلين لن يجترح معجزة وسيبقى مجرد محطة في طريق طويل لم تعد القطارات تمر به أو يسمع أحد صفيرها، لأن الأزمة الآن، ازدوجت، وتضاعفت وصار الفلسطيني بحاجة إلى اعتراف وحوار بتوأمه الذي ولدته أمه.. سواء كان اسمه فتح أو حماس أو الشعبية أو أي اسم آخر.

إننا الآن نطلب السلم لا العلم من الصين ونقطع مسافات كبيرة تتجاوز ما سماه ماوتسي تونج مسافة الألف ميل، ونحن بحاجة إلى فحص الخطوة الأولى، والبوصلة أيضاً كي لا نعود بخفيّ حنين أو من دونهما.

لقد جاء اليوم الثامن في أسبوعنا الذي أصبح فيه الحوار العربي الصهيوني أسهل من الحوار العربي العربي، والمفاوضات الفلسطينية الصهيونية، أسهل من المفاوضات الفلسطينية الفلسطينية.

فأي يوم هو؟ وأية تقاويم سياسية تلك التي حبلت به قرنا من الزمن؟