الخميس21 ديسمبر2006

خيري منصور


لا نعرف بالضبط ما الذي تسلمه جيمي كارتر من الدوائر الصهيونية كرد فعل أولي على كتابه حول فلسطين والسلام والعنصرية. لكن المقالة التي نشرها مؤخراً وبعد صدور كتابه توحي بأن الرئيس الأسبق للولايات المتحدة تعرض لنقد صهيوني تعذر عليه أن يتجاهله، وهو الذي يدرك جيداً وربما أكثر من سواه ما وراء الأكمة الصهيونية، وأسلحتها الإعلامية النووية التي تصنف الناس في العالم كله بين حليف وعدو، ونصير للسامية وعدو لها، فقد تحول هذا الترويع الذي مارسته دوائر الصهيونية في العالم بأسره إلى فوبيا لم يسلم منها إلا من رضعوا حليب السباع كما يقال، لكن هذا الحليب أندر من اليورانيوم، وما يباع منه في صيدليات السياسة مغشوش، إذ سرعان ما يفاجأ من يتعاطاه بأنه حليب ضباع وليس حليب سباع.

كارتر لا يعتذر في مقالته التي كتبها على هامش كتابه للدولة العبرية، لكنه يوحي للقارئ بأنه متأثر من النقد الذي لم يكن كله علنياً، والطافي منه على السطح ليس سوى جزء يسير.

لهذا لم يجد كارتر وسيلة للدفاع الاستباقي عن كتابه ورؤيته السياسية أفضل من الاستشهاد بعبارة وردت في عدة مناسبات على لسان وزير العدل اليهودي، الذي استخدم مصطلح ldquo;الابارتيدrdquo;، وإن كان كارتر يصر على أنه لم يأخذ المصطلح من الوزير، وعلى أي حال، فإن مصطلحات من هذا الطراز لا تفرض على مستخدميها أن يحددوا آخر جهة تعاملت معها واستخدمتها، فالسياقات تختلف من مقام إلى آخر، وهي أحياناً ما يحدد المعنى الدقيق لهذا المصطلح أو ذاك، سواء كان الابارتيد أو الديكتاتورية أو الفاشية بمختلف طبعاتها التاريخية بالحروف اللاتينية والعبرية.

يذكر كارتر في مقالته أن الرئيس ريجان أبلغ أكثر من ديكتاتور في آسيا وافريقيا بأنهم أصبحوا في حل من لائحة حقوق الإنسان لمجرد أنه غادر البيت الأبيض، وقد يكون هاجس كارتر الأكثر إلحاحاً وبشكل درامي على سلام محرر من العنصرية دفاعاً ولو بأثر رجعي عن العهد الذي أقام فيه داخل البيت الأبيض، وقبل أن يحترف الوساطات الدولية ويعمل على فض النزاعات بالصفة الجديدة التي حملها بعد مغادرة منصب الرئاسة، وله الحق في ذلك، ما دام العالم قد تراجع خلال ربع قرن ما يعادل عدة قرون على صعيد التنكيل بحقوق البشر، وعودة الكولونيالية بثوب جديد وأقنعة ملونة تنتمي إلى حقبة ما بعد الحداثة.

وإذا كان كل مؤلف أمريكي، خصوصاً إذا كان ممن شغلوا مناصب رسمية، مطالباً بتقديم ضريبة لليهود فإن الضريبة التي يقدمها كارتر في مقالته الاستدراكية على الكتاب تبدو كما لو أنها بعملة غير متداولة في عصرنا، يقول مثلاً إن الدولة العبرية ديمقراطية كما يعرف الجميع، مع حقوق متساوية ومضمونة للجميع وفق القانون، لكنه يضيف أنه يتحدث عن الفلسطينيين وليس عن اليهود. فالفصل بين المستوطنين اليهود والفلسطينيين يشبه ما كان موجوداً في جنوب افريقيا.

وهذا هو مربط القافلة كلها، وليس مربط الفرس وحده بالنسبة لقارئي كتاب كارتر من اليهود، فهم سرعان ما يتحسسون الطاقية على رؤوسهم، ومن هنا جاء غضبهم ومن ثم عتابهم لكارتر.. ولا ندري متى سيأزف وقت العقاب؟

إن خلاصة ما يقوله الرئيس الأمريكي الأسبق الذي اقترن اسمه في الذاكرة العربية بالسلام وكامب ديفيد، هو أن الدولة العبرية لا تتحمل أي نقد لسياستها.

وكأن الرئيس الحصيف قد نسي في حمّى الاستغراق بالكتابة أن تلك الدولة لديها وهم المعصومية والحصانة السماوية والأرضية ضد الخطأ، لهذا فهي فوق النقد ويحق لها ما لا يحق حتى لمن ساهموا في صناعتها واستيلادها بأنبوبهم الامبريالي على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، الذي أصبح بفضل زيارتهم الثقيلة متطرفاً.