أحمد أبو دهمان
بدأنا في السنوات الأخيرة نسمع بمصطلح quot;الإسلام الفرنسيquot; وهو مصطلح نشأ في غمرة الحرب على ما سموه الإرهاب. وهو يعني تحديداً قطع وسائل تمويل الإسلام في فرنسا أياً كان مصدرها الخارجي. وإلزام الفرنسيين المسلمين والمسلمين في فرنسا بتدبر أمورهم المادية من داخل فرنسا تحديداً والالتزام بولاء مطلق لفرنسا وليس لغيرها من بلدان الإسلام الأخرى، بما في ذلك الالتزام بقوانين العلمانية واحترامها التي هي أصلاً قوانين الجمهورية والمواطنة، وهو quot;الإسلامquot; الذي قبل به المعنيون على مضض، وقبلت به الجمهورية على مضض وحذر.
إذ مازال المسلمون يصلون الجمعة في الشوارع أو في أماكن لا يمكن أن توصف بأنها مساجد. ومازالت فرنسا أو أغلبية الفرنسيين من مسيحيين ويهود يحلمون بعودة المسلمين إلى ديارهم ولكن هيهات هيهات. بل لقد تحولوا إلى عامل ألم في داخل فرنسا حيث quot;استولواquot; على وظائف الفرنسيين العاطلين عن العمل وتحولوا إلى مهجر للصناعات الفرنسية التي وجدت في بلدانهم يداً عاملة رخيصة. وأصبح quot;المسلمونquot; والعرب تحديداً كالمنشار يأكل في الذهاب وفي الإياب ما هو في حالة تآكل على الصعيد الديمغرافي أصلاً.
وهناك أوقات يصعد فيها السؤال الإسلامي عالياً. منها هذه الأيام المباركة. التي يحلم المسلمون فيها بالذهاب إلى الأماكن المقدسة لأداء فريضة الحج. وتمثل هذه الفريضة في مخيلة المسلمين هنا عرباً وأفارقة مخزوناً تاريخياً هائلاً من السفر على الأقدام إلى احتمالات البقاء في الأماكن المقدسة كمجاورين ثم مواطنين فيما بعد كما هو الحال في مكة المكرمة والمدينة المنورة، أو العودة سالمين إلى ديارهم. أو الموت في الأماكن المقدسة وهذا تحديداً غاية معظم من ارتاد تلك الديار.
وتمتلئ مطارات باريس وفرنسا عموماً هذه الأيام بالمودعين وبعد الحج بالمستقبلين والزغاريد التي تصحب الحجاج في الذهاب والإياب تذكر الجميع بخصوصية هذه الأيام في حياة المسلمين هنا بالذات.
وتهيئ السفارة السعودية في باريس لهؤلاء الحجاج كل إمكانياتها بما في ذلك العمل الى منتصف الليل بدءاً من ستة شوال الى بداية ذي الحجة بما في ذلك العمل خلال الإجازة الأسبوعية .وفي هذا الصدد يشير الدكتور محمد آل الشيخ سفير خادم الحرمين الشريفين في باريس الى ان المشكلة التي يواجهها حجاج فرنسا تكمن في عدم وجود بعثة حج رسمية تابعة لوزارة الداخلية الفرنسية لتتمكن من التنسيق مع الجانب السعودي لضمان حماية هؤلاء المواطنين والمقيمين من تلاعب بعض وكالات السفر التي ينقصها الكثير من الشفافية والنزاهة ما يؤدي الى بروز مشاكل كثيرة لا يواجهها إلا المملكة في نهاية المطاف التي تسعى كعادتها لحل مشاكل جميع الحجاج ضمن دورها العظيم في خدمة الحرمين الشريفين كما يقول سعادة السفير، والذريعة الفرنسية كما يبدو هي quot;العلمانيةquot; إذ أن الفصل بين الدين والدولة يمنع الدولة من خدمة شعيرة دينية، وتحت هذه الذريعة يتم التلاعب بهؤلاء البسطاء من قبل أصحاب وكالات السفر التي يوضع بعضهم من جانب المملكة على القائمة السوداء في نهاية كل فريضة، لكنهم يغيرون أسماء الوكالات ويعودون أنفسهم لممارسة هذا الدور.
ولا يبدو أن الجانب الفرنسي سيأخذ هذه المسألة على محمل الجد، بحيث يحمي مواطنيه من لعب وجشع هذه الوكالات التي تجرؤ إلى الآن على أخذ رسوم تأشيرة على كل حاج وكأن المملكة هي التي تفرض هذه الرسوم في حين نفى سعادة السفير نفياً قاطعاً أن تكون المملكة في يوم من الأيام وفي أي مكان قد فرضت مثل هذه الرسوم وأكد من جانبه الدكتور احمد فهد المارك القنصل السعودي هذه الحقيقة التي مازال بعض وسائل الإعلام الفرنسية يروج لها إلى الآن مع أن سعادة السفير والفريق العامل معه كانوا نبهوا كل الحجاج وعبر وسائل الإعلام العربية والفرنسية إلى أن التأشيرات تقدم مجاناً لكل حاج.
وقد يصل عدد حجاج هذه السنة الى ما فوق خمسة وعشرين الفاً وهو عدد ضخم جند سعادة السفير معظم وقته والعاملون معه في السفارة لخدمة ضيوف الرحمن ولخدمة المملكة في الدفاع عن سمعتها في مواجهة بعض التحريضات الرخيصة التي تحاول الإساءة لبلادنا تحت أي ذريعة.
ويؤكد سعادته انه حرص منذ تعيينه على أن تظل فرنسا خارج القوانين التي تحدد عدد الحجاج القادمين من كل بلد، لأنه كما يقول لو تم تحديد عدد معين لاستولى الأتراك على هذه النسبة كلها، لأنهم أكثر المسلمين تنظيماً وانضباطاً حيث يكونون عادة أول الجاليات التي تنتهي إجراءاتها ولا يواجهون أية مشكلة أما العرب والأفارقة فإنهم لا يختلفون في المهجر عنهم في البلدان الأصلية. وما لم تتدخل السلطات الفرنسية مباشرة لتنظيم هذا الجانب فإن مأساة الحج الفرنسي ستظل تتكرر كل عام. ويتحملها السفير ومعه القنصل وكل العاملين في السفارة السعودية الذين يبذلون في هذه الأيام جهداً يفوق عمل كل السفارات الإسلامية مجتمعة فتحية لهم جميعاً ودعاءً للجميع بأعياد سعيدة وحج مبرور وسعي مشكور لهؤلاء الذين قدموا إلى الأماكن المقدسة وعوداً حميداً إن شاء الله.
التعليقات