السبت 23 ديسمبر2006


أدم هوشتشايلد

سيادة الرئيس جورج بوش، تناقلت عناوين الصحف عبر البلاد اللقاء الصحفي الذي أجرتْه معك quot;واشنطن بوستquot;، يوم الأربعاء الماضي، لاسيما أنك واصلت الحديث فيه عن تحقيق quot;النصرquot; في العراق، وتلميحك باحتمال رفع عدد القوات الأميركية هناك. لكن ما استرعى انتباهي في ذلك اللقاء كان شيئاً آخر. ففي معرض حديثك إلى الصحيفة وبعد الدهشة التي أبديتها مما يقال عن أنك لا تقرأ الكتب، سارعت إلى نفي الملاحظة وأكدت بأن آخر كتاب قرأته كان هو quot;شبح الملك ليوبولدquot; الذي يتطرق إلى عملية النهب الواسعة التي تعرضت لها الكونجو قبل قرن من الزمن. ولا أخفيك أن قراءتك للكتاب أسعدتني لأنني بكل تواضع كنت أنا مؤلفته، وكانت سعادتي تزداد كلما دعتني شعبة التاريخ في إحدى الجامعات التي تدرس الكتاب، كجزء من منهجها الدراسي، لألقي عرضاً حوله.

لكن قبل أن تسأل مساعدك quot;كارل روفquot; للاتصال بي لإلقاء محاضرة حول الكتاب، أود فقط أن أعرب لك عن أسفي الشديد لأنني لن أستطيع تلبية الدعوة في هذه الحالة. فكما تعرف، نحن في موسم أعياد الميلاد والوقت غير مناسب بسبب انشغالي الشديد، كما أنني سأسافر لقضاء الإجارة بعيداً عن واشنطن. لكن بالمقابل دعني أثير معك بعض الأسئلة المرتبطة بالكتاب. أولاً، وكما تعرف الآن، كانت الجهود الحثيثة التي بذلها ملك بلجيكا ليوبولد لإخضاع الكونجو تحت سيطرته يحركها سعيه المحموم لتأمين المطاط، وهي البضاعة المهمة وقتها للصناعة والتنقل، فهل يذكرك ذلك بشيء آخر مشابه تعرفه؟ والأكثر من ذلك لجأ ملك بلجيكا لتبرير استيلائه على الكونجو ومواردها الطبيعية، إلى الحديث عن المشاريع الإحسانية ونشر المسيحية في quot;ظلمات أفريقياquot;، والآن ألا يذكرك ذلك أيضاً بأمر تبشر به أنت؟

وخلال فترة سيطرته على الكونجو التي دامت 23 عاماً، جنى الملك ليوبولد ما لا يقل عن 1.1 مليار دولار، كما تمكن أصدقاؤه من رجال الأعمال من جمع أموال طائلة. والكثير من تلك الأموال تدفقت إلى شركات خاصة تمتعت بامتيازات ملكية خاصة لاستغلال الغابات المطرية، وهنا يبرز سؤال أخير: ألا تذكرك تلك الشركات بشيء ما؟ فإذا قلت مثلاً إنها تذكرك بشركتي quot;هاليبرتونquot; أو quot;دينكوربquot;، سأجيب بأنك مُحق مرة أخرى. وباعتبار أنك قارئ جيد للتاريخ لابد أنك اهتممت بقصة أخرى حدثت في الكونجو، وهي قضية ترتبط بقائد عالمي آخر تورط فيما يشبه فضيحة quot;أبو غريبquot; الخاصة به. فكما لاحظتَ، سيدي الرئيس، كان الملك ليوبولد داهية فيما يتعلق بإدارة العلاقات العامة، فقد كان بمثابة quot;كارل روفquot;، لذا لم يكن بحاجة إلى موظفين يديرون حملاته الدعائية من داخل قصره المنيف بالعاصمة البلجيكية بروكسل. ولم يكن غريباً أن تقضي الصحافة سنوات عديدة وهي تمتدح جهوده النبيلة لنشر quot;الحضارةquot; في أدغال أفريقيا، حيث انتقلت سفينة محملة بالصحفيين البلجيكيين إلى الكونجو في عام 1898 لحضور حفل تدشين خط جديد للسكك الحديدية.

لكنه، وعلى غرارك، تورط في معمعة الصور التي التقطها أحد المبشرين البريطانيين يدعى quot;أليس هاريسquot; تظهر السجناء الكونجوليين وهو يجلَدون بالسياط، فضلاً عن تقييدهم وقطع أيديهم من قبل جنود الملك ليوبولد. ومن خلال جهود الصحفي البريطاني quot;إيدموند دين موريلquot; الذي كان يحبه الملك، كما تحب أنت الصحفي quot;سيمور هيرشquot;، نُشرت الصور في الصحف العالمية وفضحت ممارسات الملك ليوبولد في الكونجو. فهل مازال هناك من أوجه تشابه بين وضعك في العراق، وتجربة ليوبولد في مجاهل أفريقيا؟ ربما تتعين عليك الإجابة بنفسك على هذا السؤال، لكنني لا أتمنى حقيقة أن تلقى مصيره، حيث تمت الإطاحة منذ زمن بعيد بتماثيل الملك في بلجيكا، ولم يُترك شارع كان يحمل اسمه، إلا وتم تغييره. واللافت أن ذلك كله يحصل بينما مازالت عائلته تحكم بلجيكا، وهو أمر قد يتكرر أيضاً مع عائلتك.

لذا، فإذا قمتَ بإرسال تلك القوات الإضافية إلى العراق، ولم تبادر إلى سحب الجنود سريعاً من هناك، فإنني أشك في أن تنجح جهود أحفادك، وربما أبناء أخيك quot;جيبquot;، في تلميع صورتك حتى بعد مرور مئة سنة من اليوم، وستدخل التاريخ كما دخله الملك ليوبولد. ولمزيد من القراءات المفيدة، أنصحك بقراءة كتب قيمة بمناسبة أعياد الميلاد حول هؤلاء الأشخاص الشجعان الذين امتلكوا الجرأة الكافية لتغيير مواقفهم عندما أدركوا أنها خاطئة. فأحد السكان السابقين للبيت الذي تقطنه اليوم، ليندون جونسون، دخل السياسة كأحد المدافعين عن الفصل العنصري، لكنه سرعان ما انتهى به الأمر كأحد أشد مناصري الحقوق المدنية في أميركا مقدماً لها من الخدمات ما لم يقدمه أحد من قبله. وفي مثال آخر، أمضى الرئيس إيزنهاور نصف حياته في الجيش، لكنه أخيراً لم يتردد في الحديث عن quot;العُقدة العسكرية الصناعيةquot; في أميركا. فالتاريخ حافل بأشخاص شجعان يمكنك، سيدي الرئيس، استلهام تجاربهم والاقتداء بها فيما تبقى لك من فترتك الرئاسية.