محمد صادق دياب

الذي يعيش أجواء الحج في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة يجد نفسه أمام مشهد إنساني لا نظير له على مستوى العالم، فهنا يتجسد التكافل الإسلامي بأرقى صوره وأروع معانيه، فالناس يتعاملون مع الحاج باعتباره ضيف الله، ولذا يؤثرون في تعاملاتهم معه أجر الآخرة على منافع الدنيا، فهم يغتنمون هذه المواسم للتسابق في عمل الخيرات، فتمتلئ شوارع مكة المكرمة والمشاعر المقدسة بالمتطوعين الذين يقدمون الطعام والشراب مجانا للحجاج ابتغاء مرضاة الله.. صور إنسانية رائعة تتجسد هناك لا يمكن أن تخطئها العين لمجموعات الشباب وهم يرشدون الحجاج، ويعينون العجزة، ويواسون المرضى، ولا يفرقون في تعاملاتهم بين جنس وآخر، فالكل هنا في ضيافة الرحمن.

في الحج تتجلى صورة المجتمع الإسلامي المثالي، وتتجسد معاني الحديث النبوي الشريف: laquo;المؤمن للمؤمن كالبنيان يشده بعضه بعضاraquo;، فالكل هنا سواسية تربطهم ببعضهم البعض أخوة العقيدة وصلة الروح، فيتوحدون في مكة في المشاعر والغايات والانتماء إلى هذا الدين العظيم.

ولقد حرصت السعودية على ترسيخ هذه الصورة والنأي بأجواء الحج عن مناخات السياسة والارتقاء به عن توتراتها وصراعاتها لينعم كل الحجاج بأداء فريضتهم في جو من الأمن والسكينة والطمأنينة، وهي في حاجة إلى أن يتفهم الجميع أهمية هذه الغاية للمحافظ على هذه الأجواء الروحانية العظيمة لهذا التجمع الإسلامي السنوي الكبير، وتجنيبه كل ما يمكن أن يعكر صفاءه أو يكدر أفراحه.

وعلى الذين يتذرعون بضرورة التعبير عن البراءة من المشركين في الحج عبر التظاهرات والتجمعات أن يدركوا أنهم بأعمالهم تلك يعطلون الكثير من أعمال الحج وخدماته وانسيابيته، ويزرعون الفوضى في بيئته الآمنة المطمئنة الوادعة.. ففي هذا الظرف الزماني والمكاني الذي يتجمع فيه الملايين من المسلمين لأداء فريضتهم يفترض أن يرتقي الجميع إلى مستوى المسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية لإنجاح غايات الحج وتحقيق معانيه السامية بعيدا عن الشغب وإثارة الفوضى، فالحج يعكس صورة المجتمع الإسلامي أمام عيون العالم، ومن واجب الجميع أن يحرص على تقديم الصورة المثلى التي نستحقها كمجتمع مسلم يدين بهذا الدين العظيم الذي يهذب الطباع ويرتقي بالنفوس ويسمو بالأرواح.

[email protected]