الإثنين 01 يناير2007

توم ديويسي

ليس عيباً أن يسعى الشرفاء من الناس الذين تهمهم مصلحة العالم إلى البحث عن وسيلة تستطيع الحكومات من خلالها التعبير عن آرائها المتباينة. وليس عيباً أيضاً أن يسعى هؤلاء الشرفاء إلى إيجاد وسيلة تطوعية لجمع الأموال والموارد وتقديم المساعدة لضحايا المجاعة، أو الكوارث الطبيعية. والحقيقة أن تلك المساعي النبيلة في مقصدها، كانت تشكل على الدوام جزءاً من الصورة التي حاولت الأمم المتحدة ترويجها في العالم، منذ تأسيسها. لكن مع الأسف لا تمت تلك الصورة للعالم بأدنى صلة، لا من قريب ولا من بعيد، للواقع. فالأمم المتحدة تبرر أعمال الغلاة والمتعصِّبين، وتمد يد العون للحكام الديكتاتوريين للبقاء في السلطة، فضلاً عن منحها صوتاً معبراً لإرهابيين دوليين. ويبدو أن اللعبة المفضلة للأمم المتحدة التي تجيدها أكثر من غيرها هي: التأجيل والمفاوضات والتوصيات، ومن ثم الدراسة، ثم النظر... دون أن تقوم بأي شيء على أرض الواقع.

إنها اللعبة التي انخرطت فيها الأمم المتحدة في كل أزمة عالمية حاولت حلها. وهي نفسها المسؤولة عن استمرار خطر كوريا الشمالية على امتداد الخمسين عاماً الأخيرة، وهي السبب أيضاً وراء منح مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لدول لها سجلاتها السيئة في هذا المجال. والأكثر من ذلك، ترزح الأمم المتحدة تحت وقع الفضائح المتكررة؛ من فضيحة النفط مقابل الغذاء في العراق، إلى فضائح التهريب والاختلاس. وبدلاً من أن تجلب قوات حفظ السلام التابعة لها الأمن والطمأنينة إلى الأهالي، أصبحت هذه القوات ذاتها مصدر خوف لهؤلاء الناس، بعدما تكررت حوادث الاغتصاب والسرقة والنهب في المناطق التي تكون فيها للأمم المتحدة مهمة أمنية أو دولية. فمن لديه السلطة للإشراف على أعمال الأمم المتحدة ومراقبتها؟ الناس لا يصوتون على الأعمال التي تقوم بها المنظمة العتيدة. وحتى وسائل الإعلام لا تستطيع النفاذ إلى أروقتها وسراديبها المعتمة لتقليب الدفاتر والمراجعة.

وإذا كان مؤيدو الأمم المتحدة يعترفون بوجود هذه المشاكل ويطالبون بتحقيق إصلاح، إلا أن الإصلاح في نظرهم لا يعني الحد من إنفاق الأمم المتحدة، ولا تطهيرها من الفضائح... بل يعني فقط إحداث حكومة موسعة تشرف على العالم! فمنذ تأسيسها والأمم المتحدة تسعى جاهدة إلى إلغاء سيادة الدولة، بينما تعمل على فرض ما تسميه quot;التوجه العالميquot;. هكذا جاء في إحدى الوثائق الصادرة عن الأمم المتحدة وهي مؤرخة بعام 1949، quot;أن القومية هي العائق الأكبر أمام التوجه العالميquot;. وهنا بالتحديد يكمن الهدف الرئيس للأمم المتحدة الذي تحاول إخفاءه وراء صورتها البسيطة كمكان عالمي تجتمع فيه الأمم للتعبير عن اختلافاتها على نحو مسؤول ودون تشنج! والواقع أن الأمم المتحدة تعمل على كسب مزيد من السلطة لنفسها عبر انتزاع الاستقلالية والهيمنة على الدول الأعضاء. ولتحقيق هذا الغرض تحتاج الأمم المتحدة إلى قوة لفرض الضرائب، وهو ما سارعت إلى تطبيقه منذ فترة. ففي 19 سبتمبر الماضي تمت الموافقة على خطط من قبل بعض الدول لاستحداث ضريبة عالمية تفرض على تذاكر الطيران للمساعدة في علاج مرض quot;الإيدزquot;. وإلى جانب هذه الضريبة توجد أنواع أخرى من الضرائب مُدرجة على قائمة الأمم المتحدة تريد إخراجها إلى حيز الوجود. وإذا ما نجحت الأمم المتحدة في امتلاك قوة لفرض الضرائب، فإنها ستتحول إلى وحش منفلت، بعد أن تتمكن من تشكيل جيشها الخاص، ثم محكمة تابعة لها.

ولكم أن تتخيلوا عالماً تقوده عدالة الصين، مع اقتصاد كوبا والآلة العسكرية الأميركية؛ إنه العالم الذي تسعى الأمم المتحدة إلى بلوغه في المستقبل تحت مسمى الحكومة العالمية.

لكن نظرة واحدة إلى التاريخ الحديث، تكفي لإظهار حقيقة أن الأمم المتحدة عديمة الجدوى عندما يتعلق الأمر بحفظ السلم والأمن الدوليين. وبلجوئها إلى صور ضحايا الكوارث الطبيعية والأمراض الفتاكة والأطفال الجائعين... تسعى الأمم المتحدة إلى الترويج لأجندتها الرامية إلى إعادة توزيع الثروة في العالم. فلا يوجد في وثائق الأمم المتحدة ما يشير إلى حق الملكية الخاصة، والتي بدونها يتفشى مزيد من الفقر، ولا إلى أن نزع الملكية الخاصة لا يساعد أبداً على التقليل من الفقر كما يتوهم البعض. ورغم أن سياسة اقتصادية على تلك الشاكلة، تعد فاشلة وعاجزة عن تلبية تطلعات سكان العالم، تصر الأمم المتحدة على تسويقها باعتبارها الحل الوحيد للخروج من مشاكل الفقر في العالم.

وبهذا المنطق ليست الأمم المتحدة مجرد منظمة عالمية تعاني من اختلالات، كما يذهب إلى ذلك مؤيدو إصلاح المنظمة، بل إنها في نظري مؤسسة فاقدة للشرعية الأخلاقية ولا تستحق الاستمرار!