الثلاثاء:07. 02. 2006

جون هيوز


يشكل فوز حركة ''حماس'' الكاسح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية قبل بضعة أيام درساً بليغاً مفاده أن الديمقراطية رغم كل ما يمكن أن تقدمه القوى الخارجية من دعم لتكريسها في دول لم تنعم بعد بفضيلة الحرية، إلا أن المسؤولية تقع في النهاية على كاهل المواطنين لبنائها ورعايتهاmiddot; وإذا كان ذلك الهدف يشكل تحدياً صعب المنال حتى بالنسبة للدول الأكثر تقدماً في العالم، فإنه يبقى كثير التعقيد وتشوبه العديد من العراقيل في البلدان الإسلامية التي غالباً ما يتعين عليها البدء من نقطة الصفرmiddot; وأهم من تنظيم انتخابات حرة ونزيهة تتطلب الديمقراطية من بين أمور أخرى وجود نظام قضائي مستقل، وصحافة حرة، فضلاً عن الاستقرار الداخليmiddot; وعموما تنجح الديمقراطية على نحو أفضل، إذا صاحبها نمو اقتصادي وتحسن ملموس يطال الظروف المعيشية للمواطنينmiddot;
ويعزى الفوز الساحق الذي حققته ''حماس'' إلى إخفاق حركة ''فتح''، الحزب الحاكم سابقاً، في التخلص من إرث الفساد وانعدام الكفاءة، والقطع مع الممارسات غير الشفافةmiddot; وفي الوقت الذي عجزت فيه ''فتح'' منذ وفاة الرئيس ياسر عرفات في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين والتخفيف من وطأة الظروف القاسية التي يعيشونها، استطاعت ''حماس'' في المقابل أن تنشئ شبكة فعالة من الخدمات الاجتماعية كسبت من خلالها تعاطفا جماهيريا واسعاmiddot; لكن بالرغم من انتقال ''حماس'' من صفوف المعارضة إلى سدة الحكم، فإن قادتها لم يغيروا - كما هو متوقع في مثل هذه الحالات- مواقفهم السياسية، ولم يتبنوا خطاباً أكثر اعتدالاً، وأقل تصلباً، إذ مازال جزء كبير من برنامجها السياسي يقوم على معاداة إسرائيل وعدم الاعتراف بوجودهاmiddot; وفي هذا الإطار صرح الجنرال الإسرائيلي مايكل هيرزوك في العدد القادم من مجلة ''فورين أفيرز'' أنه ليس من المرجح أن تتحول حركة ''حماس'' إلى حزب سياسي طبيعي على شاكلة الأحزاب التي نعرفها في باقي البلدانmiddot; وبالعكس من ذلك ثمة مصلحة للحركة في إعاقة التقدم على مسار المفاوضات الدبلوماسية مع إسرائيل لأن تطبيع العلاقات بين الفلسطينيين وإسرائيل من شأنه أن يفقد ''حماس'' بعضا من تألقها ويسحب البساط من تحت أقدامهاmiddot; والجدير بالذكر أن الجنرال ''هيرزوك'' ظل طيلة الفترة الممتدة بين 1993 و2001 مشاركاً في معظم محادثات السلام التي جمعت إسرائيل مع الفلسطينيين والأردنيين والسوريين، وهو على معرفة جيدة بـ''حماس'' ومناوراتهاmiddot;
وانطلاقا من تصريحات ''حماس'' وتاريخها يمكن القول إن فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، يشكل نقطة سلبية للديمقراطية على المدى القصير وانتكاسة لمستقل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لا سيما بعد الجهود المضنية التي بذلتها الولايات المتحدة لرعاية السلام والتوصل إلى حل للصراع يرضي جميع الأطرافmiddot; وإزاء هذا الوضع الذي فرضته نتائج الانتخابات الفلسطينية تجد واشنطن نفسها أمام خيارات محدودة، لا تحمل آفاقاً واعدةmiddot; فهي أمام شعب خاض تجربة انتخابية حرة، لكنها تمخضت عن حركة تسير في الاتجاه المعاكس للولايات المتحدة، ولا تخدم قضية السلام بين الشعبينmiddot; وقد تزامن فوز ''حماس'' مع الأزمة الخانقة التي يمر بها الاقتصاد الفلسطيني القائم في جزء مهم منه على المساعدات الخارجية التي تساهم فيها الولايات المتحدة بشكل كبيرmiddot; وفي ظل المعطيات المستجدة ليس من المرجح أن تستمر واشنطن في ضخ المزيد من الأموال إلى سلطة فلسطينية تسيطر عليها حركة مازالت مدرجة على قائمة الإرهابmiddot; وما لم تعمل ''حماس'' على توضيح موقفها من بعض القضايا المتعلقة بإسرائيل والإعراب عن حرصها على السلام، فإن المساعدات الاقتصادية ستتوقف، لا سيما وأن أميركا منخرطة في حرب شاملة على الإرهابmiddot; لكن من جهة أخرى تواجه الولايات المتحدة موقفاً صعباً لأن وقف المساعدات الاقتصادية من شأنه أن يلحق ضرراً بالغاً بالمواطنين الفلسطينيين، خصوصاً وأنهم في أمس الحاجة للوظائف لإعالة أسرهم وتأمين الحياة الكريمة لهمmiddot;
وبالرغم من أن أحد أهم المبادئ التي تؤمن بها السياسة الخارجية الأميركية هي ترافق الازدهار الاقتصادي مع التقدم نحو الديمقراطية، فإن كل دولة تشكل حالة منفردة تختلف عن باقي النماذج الديمقراطيةmiddot; لذا نجد دولاً سبقت أخرى على المسار الديمقراطي، خصوصاً في العالم الإسلامي، حيث الحرية لا تقود بالضرورة إلى نشوء نموذج الديمقراطية ''الجفرسونية'' المفضل لدى أميركاmiddot; وقد شهدنا في العديد من الدول العربية والإسلامية كيف استفادت الجماعات الأصولية من مناخ الحرية والديمقراطية الناشئ، كي تحقق نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية، وتفاجئ الجميعmiddot; لكن مع ذلك تتقدم الديمقراطية بثبات، وإنْ كانت بخطوات بطيئة في أفغانستان، رغم استمرار سيطرة أمراء الحرب على بعض المناطق، وتواصل الهجمات التي يشنها بقايا نظام ''طالبان''middot; وفي العراق، يبدو الوضع أكثر تعقيداً في ظل الصراع الجاري حالياً بين الأكراد والسنة والشيعة لاكتساب النفوذ والهيمنة على السلطة السياسية في عراق ما بعد صدام، حيث مازال العنف والفوضى يهددان مستقبل العراق وسلمه الأهليmiddot;
وقد يثير بعض المتشككين سؤالاً حول جدوى الديمقراطية إذا كانت ستحمل إلى السلطة حركات متشددة، وهو كلام شبيه بما كنت أسمعه في أفريقيا وآسيا أيام الاستعمار، عندما كان الضباط البيض يصرون على عدم مقدرة الشعوب تولي أمورها بنفسها، فضلاً عما سمعته من حجج وتبريرات يطلقها حكام مستبدون في بلدان انتشر فيها التمييز العنصري والشيوعية لتسويغ القمع والتمسك بالسلطةmiddot; أما اليوم وقد تحولت تلك البلدان إلى الديمقراطية، فإنه لا مجال لكبح الشعوب من معانقة الحرية التي صارت قدر الإنسان أينما كان على وجه البسيطةmiddot;