قبل ألف و200 عام إحتضنت سرّ من رأي الروضة العسكرية الشريفة
علي الموسوي، الزمان
بغداد
في السابعة من صباح أمس الأربعاء، تسلل مسلحون الي الروضة العسكرية الشريفة في مدينة سامراء، وزرعوا عبوتين في قبّتها، ليحيلها الانفجار الآثم الي حطام، ولم تمض دقائق حتي اشتعلت سامراء من أقصاها الي أقصاها غضباً علي هذه الجريمة الغادرة، وتظاهر أبناء المدينة غاضبين مستنكرين.
وسامراء هذه واحدة من المدن العراقية القديمة والمقدسة، تضم تربتها الزكية الإمامين العسكريين عليهما السلام، وفيها ولد الإمام الحجة المهدي صاحب الزمان عجّل الله فرجه، وفيها اختفي مبتعداً عن جور خلفاء بني العباس الذين اتخذوها عاصمة لهم.وتزخر سامراء بالآثار العربية والإسلامية، وكانت مركزاً مهماً للعلوم والفنون الإسلامية. وتمتد (سُرّ من رأي) وهو احد أسماء سامراء، علي الضفة الشرقية لنهر دجلة وتبعد نحو 118 كم إلي الشمال من العاصمة بغداد، وتقع علي خط طول 43 درجة و45 دقيقة، وعلي خط عرض 34 درجة و35 دقيقة، تحدّها من الشمال مدينة تكريت، ومن الجنوب بغداد، ومن الغرب الرمادي، ومن الشمال الغربي الموصل، ومن الجنوب الشرقي ديالي.
سرّ من رأى
بنيت مدينة سامراء لتكون عاصمة الخلافة العباسية، وكان المكان الذي شيدت عليه المدينة مستوطناً منذ أقدم العصور، وكان لسكانه نصيب من الحضارة تمتد إلي عصور سحيقة، ولما انتقل المعتصم العباسي من بغداد إلي سامراء، راح يفتش عن موضع لبناء عاصمته الجديدة، فلما كان يتحري المواضع وصل إلي موضع يبعد عن بغداد 118 كم، فوجد فيه ديراً للمسيحيين، فأقام فيه ثلاثة أيام لتتأكد له ملاءمة المحل، فاستحسنه واستطاب هواءه، واشتري أرض الدير بأربعة آلاف دينار، وأخذ في سنة (221 هجرية) بتخطيط مدينته التي سميت (سرّ من رأي).
وعندما تم بناؤها انتقل مع قواده وعسكره اليها، ولم يمض إلا زمن قليل حتي قصدها الناس وشيدوا فيها مباني شاهقة وسميت بالعسكر والنسبة اليه عسكري، واشتهرت بسامراء، وهي كلمة مشتقة من ( سر من رأي ) يوم كانت المدينة عامرة ومزدهرة ، ثم أصبحت ( ساء من رأي) لما تهدمت وتقوضت عمارتها.
المئذنة الملوية
وقام هارون الرشيد بحفر أول نهر في المدينة وشيد قصراً له سمي باسمه وأراد أن يبني مدينة في منطقة القاطول لكنه لم يتمها.
وفي عهد المأمون العباسي (198 ـ 218 هـ) بنيت قرية المطيرة والتي كانت من منتزهات بغداد وسامراء.
وسنة 245 هـ بني المتوكل العباسي مدينة المتوكلية وشيد المسجد الجامع ومئذنته الشهيرة (الملوية).
وبعد سنتي 254 هـ وسنة 260 هـ ، ولما توفي الإمامان علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) اتخذ مرقداهما مزاراً بنيت حولهما العمارات وأنشئت الدور والمنازل العامة فحافظت المدينة علي عمرانها الي ما بعد انقراض الدولة العباسية.
وفي سنة 333 هجرية وسع ناصر الدولة الحمداني المدينة وأحاطها بسور.
وفي سنة 1250 هجرية عمّر الشيخ زين العابدين السلماسي سور المدينة، وأنفق علي تعميره أحد ملوك الهند. وفي سنة (1299 هجرية - 1881 ميلادية) بنيت أول مدرسة ابتدائية في مدينة سامراء.
وفي سنة (1294 هجرية - 1878 ميلادية) ايام الدولة العثمانية نُصب أول جسر علي نهر دجلة يربط مدينة سامراء بالضفة الاخري له.
وفي سنة ( 1258 هجرية) أعاد الملك أمجد علي شاه بناء سور المدينة وتعميره بواسطة السيد إبراهيم بن السيد باقر القزويني، ثم قام الميرزا محمد حسن الشيرازي بأعمال عدة في المدينة وجعلها مركزاً علمياً مرموقاً إذ بني مدرسة علمية كبيرة لازالت باقية الي اليوم.في سنة (1375 هجرية - 1955 ميلادية) أمرت الحكومة بشق شارع يمتد من باب القاطول حتي باب الحضرة العسكرية، بعد تهديم الباب المذكور، وبني صرح لها ودور للبلدية ومستشفي ومدرسة ودائرة للبرق والبريد.وفي سنة 1952 بوشر العمل بتنفيذ مشروع الثرثار الذي يُعدّ من أهم المشاريع الاروائية في المدينة.
مساجد سامراء
وتضم سامراء العديد من المساجد، من أشهرها جامع سامراء الكبير الذي شيده المعتصم عند بداية بناء المدينة سنة (221 هـ) ، وجامع القلعة، ومسجد حسن باشا، ومسجد حميد الحسون، ومسجد سيد درويش، ومسجد البورحمان، ومسجد علي بن أبي طالب (ع) ، ومسجد الحاج صالح الرحماني، ومسجد الارقم، ومسجد أولاد الحسن (ع)، وجامع الفاروق. ويعدّ جامع أبي دلف وملويته والذي يبعد نحو 15 كم عن شمال المدينة من الآثار العباسية المهمة في المدينة.
المراقد والمقامات
ويعدّ ضريحا الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام، أهم معالم مدينة سامراء، فضلاً علي مشهد صاحب الزمان (عج) ، وقبة سرداب الغيبة وقبر السيدة نرجس زوج الإمام الحسن العسكري عليه السلام وقبر السيدة حليمة بنت الإمام الجواد عليه السلام ومرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي عليه السلام، وقبر أبي هاشم داود من ذرية عبد الله بن جعفر وقبر الإمام محمد الدري الذي ينتهي نسبه إلي الإمام الكاظم عليه السلام، وقبر الشيخ محمد الجاجيري وقبر الشيخ كمر بن هلال ومرقد بنات الكاظم عليه السلام في الدجيل، ومرقد بنات الحسن عليه السلام في منطقة الجلام، ومرقد آمنة بنت الإمام الحسن عليه السلام، ومرقد إبراهيم بن مالك الإشتر النخعي رضي الله عنه، وقبر أحمد الدنبلي الخوئي وقبر محمود الطهراني وقبر مهدي الشيرازي ومرقد إبراهيم النوري وقبر محسن الزنجاني.
المعالم الأثرية
ومن أشهر المعالم الأثرية في سامراء، المئذنة الملوية، والنافورة، وقصر بلكوارا ( شيده المعتز سنة 247 هـ) ، وقصر العاشق والمعشوق ( شيده المعتمد العباسي سنة 264 هـ) ، وقصر المعتصم (الجوسق الخاقاني) ، وقصر المختار، والقصر الوزيري، وقصر العروس، والقصر الجعفري، ومدينة المتوكلية (علي بعد 10 كم شمال مدينة سامراء)، وقصر الجص، وبركة السباع، والقبة الصليبية، ودار العامة، وتل الصوان، وسور سامراء.
مدارسها: المدرسة العلمية الجعفرية ، والمدرسة العلمية السنية.
أما أشهر خزائن سامراء ومكتباتها فهي خزانة محمد بن عبدالملك الزيات، وخزانة الفتح بن خاقان، والخزانة الكندية، وخزانة علي بن يحيي المنجم، ومكتبة العسكريين العامة، ومكتبة الامام محمد المهدي، ومكتبة سامراء العامة، ومكتبة ابن بطوطة، ومخطوطات المكتبة العسكرية العامة في مدرسة الإمام الشيرازي.
أعلام سامراء
عاش في سامراء وتوفي الإمامان علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام، وأقام فيها الامام السيد محمد حسن الشيرازي، ومن أعلام المدينة أيضاً: إبراهيم بن محمد بن منصور بن موسي السامري، وابراهيم بن ابي العباس ابو المياس الراوية السامري، وأحمد بن الحسن بن حسان السامري، وأحمد بن السري بن سنان ابو بكر الاطروش، ومحمد بن ادريس السامري، ومحمد بن الحسن بن زيد السامري، ومن علمائها أحمد محمد أمين الراوي وأيوب توفيق الخطيب.
قدوم الإمام الهادي الي سامراء
يقول الشيخ المفيد في الإرشاد: كان سبب شخوص أبي الحسن عليه السلام إلي سر من رأي أن عبد الله بن محمد كان يتولي الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلي الله عليه وآله فسعي بأبي الحسن عليه السلام إلي المتوكل وكان يقصده بالأذي. وقال المسعودي في إثبات الوصية أن بريحة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين كتب إلي المتوكل (إن كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد منها فإنه قد دعا الناس إلي نفسه واتبعه خلق كثير. وتابع بريحة الكتب في هذا المعني). وقال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص (قال علماء السير: إنما أشخصه المتوكل من المدينة إلي بغداد لأن المتوكل كان يبغض علياً وذريته فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة وميل الناس إليه فخاف منه، فدعا يحيي بن هرثمة وقال: اذهب إلي المدينة وانظر في حاله وأشخصه إلينا.. قال يحيي فذهبت إلي المدينة فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجاً عظيما ما سمع الناس بمثله خوفاً علي علي وقامت الدنيا علي ساق لأنه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد ولم يكن عنده ميل الي الدنيا فجعلت أسكنهم وأحلف لهم إني لم أؤمر فيه بمكروه وإنه لا بأس عليه ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم فعظم في عيني وتوليت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته).
وقال المفيد (وبلغ أبا الحسن عليه السلام سعاية عبد الله بن محمد به فكتب إلي المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه و كذبه فيما سعي به فتقدم المتوكل بإجابته عن كتابه و دعائه فيه إلي حضور العسكر علي جميل من الفعل والقول فخرجت نسخة الكتاب وهي: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن أمير المؤمنين عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقك مؤثر من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما يصلح الله به حالك وحالهم و يثبت عزك وعزهم ويدخل الأمن عليك وعليهم يبتغي بذلك رضي ربه و أداء ما افترض عليه فيك وفيهم وقد رأي أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلي الله عليه و آله إذ كان علي ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك وعند ما قرفك به ونسبك إليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك في ترك محاولته وأنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه وقد ولي أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل وأمره بإكرامك وتبجيلك والانتهاء إلي أمرك ورأيك والتقرب إلي الله و إلي أمير المؤمنين بذلك وأمير المؤمنين مشتاق إليك يحب إحداث العهد بك والنظر إليك فإن نشطت لزيارته والمقام قبله ما أحببت شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك علي مهلة وطمأنينة ترحل إذا شئت و تنزل إذا شئت و تسير إذا شئت كيف شئت وإن أحببت أن يكون يحيي بن هرثمة مولي أمير المؤمنين ومن معه من الجند يرحلون برحيلك ويسيرون بسيرك فالأمر في ذلك إليك وقد تقدمنا إليه بطاعتك فاستخر الله حتي توافي أمير المؤمنين فما أحد من إخوانه وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منك منزلة ولا أحمد له أثرة ولا هو لهم أنظر ولا عليهم أشفق و بهم أبر ولا هو إليهم أسكن منه إليك والسلام عليك ورحمة الله و بركاته. و كتب إبراهيم بن العباس في شهر جمادي الآخرة من سنة 243. فلما وصل الكتاب إلي أبي الحسن عليه السلام تجهز للرحيل وخرج معه يحيي بن هرثمة .وقال المسعودي (واتبعه بريحة مشيعاً فلما صار في بعض الطريق قال له بريحة قد علمت وقوفك علي أني كنت السبب في (و) حملك وعلي حلف بأيمان مغلظة لئن شكوتني إلي أمير المؤمنين أو أحد من خاصته لأجمرن نخلك ولأقتلن مواليك ولأغورن عيون ضيعتك ولأفعلن و لأصنعن، فقال له أبو الحسن إن أقرب عرضي إياك علي الله البارحة ما كنت لأعرضك عليه ثم أشكوك إلي غيره من خلقه فانكب إليه بريحة وضرع إليه واستعفاه فقال قد عفوت عنك. وسار حتي وصل بغداد).قال المسعودي (فخرج إسحاق بن إبراهيم و جملة القواد فتلقوه).وقال سبط ابن الجوزي (قال يحيي لما قدمت به بغداد بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان والياً علي بغداد فقال لي يا يحيي إن هذا الرجل قد ولده رسول الله صلي الله عليه وآله، و المتوكل من تعلم فإن حرضته عليه قتله وكان رسول الله صلي الله عليه وآله خصمك يوم القيامة، فقلت له والله ما وقفت منه إلا علي كل أمر جميل ثم سرت إلي سر من رأي فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله فقال والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق فلما دخلت علي المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقته وورعه وزهادته وأني فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم وأن أهل المدينة خافوا عليه فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته).
قال المسعودي (لما خرج الهادي إلي سر من رأي تلقاه جملة أصحاب المتوكل حتي دخل عليه فأعظمه وأكرمه ثم انصرف عنه إلي دار قد أعدت له).
قال المفيد (خرج معه يحيي بن هرثمة حتي وصل إلي سر من رأي فلما وصل إليها تقدم المتوكل بأن يحجب عنه في يومه منزل في خان يعرف بخان الصعاليك وأقام يومه ثم تقدم المتوكل بأفراد دار له فانتقل إليها. وأقام أبو الحسن عليه السلام مدة مقامه بسر من رأي مكرما في ظاهر حاله، فجهد المتوكل في إيقاع حيلة به فلا يتمكن من ذلك).
وفاة الإمام الهادي
قال المسعودي في إثبات الوصية (اعتل أبو الحسن علي الهادي علته التي توفي فيها عليه السلام فأحضر أبا محمد ابنه (إلي أن قال) وأوصي إليه.
وقال ابن بابويه : سمعه (سمه) المعتمد، وقال المسعودي في إثبات الوصية: ولما توفي اجتمع في داره جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين واجتمع خلق كثير من الشيعة ثم فتح من مصدر الرواق باب وخرج خادم أسود ثم خرج بعده أبو محمد الحسن العسكري حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب وكان وجهه وجه أبيه لا يخطئ منه شيئاً وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود فلم يبق أحد إلا قام علي رجليه ووثب إليه أبو أحمد الموفق فقصده أبو محمد فعانقه ثم قال له مرحباً بابن العم وجلس بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه وكانت الدار كالسوق بالأحاديث فلما خرج و جلس أمسك الناس فما كنا نسمع إلا العطسة والسعلة ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد عليه السلام وأخرجت الجنازة وخرج يمشي حتي خرج بها إلي الشارع وكان أبو محمد صلي عليه قبل أن يخرج إلي الناس وصلي عليه لما أخرج المعتمد ثم دفن في دار من دوره وصاحت سر من رأي يوم موته صيحة واحدة وقيل لابنه أبي محمد عليه السلام في شق ثيابه فقال للقائل يا أحمق ما يدريك ما هذا قد شق موسي علي هارون عليه السلام.













التعليقات