الجمعة: 2006.03.017


حسين عبدالله
كاتب لبناني

شخصية الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط هي الأكثر جدلا في الوسط السياسي اللبناني، فهي عبارة عن مجموعة تناقضات كلما ظهرت مفردة من مفرداتها تركت خلفها زوبعة سياسية او ردود أفعال ساخنة.

فوليد جنبلاط متهم الآن من قبل غالبية اللبنانيين بانه فجر مؤتمر الحوار الوطني بسبب تصريحاته الهجومية العنيفة في واشنطن على حزب الله وسوريا وطلبه التدخل الامريكي المباشر لانقاذ لبنان من الواقع الحالي الدي يعيشه. وجنبلاط ايضا هو البوصلة التي تحدد اتجاه الأوضاع في هذا البلد الصغير الذي يحتل في الخريطة الجيوسياسية موقعا هاما، حتى ان البعض يقول راقبوا جنبلاط وبعد دلك حددوا خياراتكم. مند عام ونيف قال جنبلاط في مقابلة تلفزيونية انه يتمنى ان يكون زبالا في نيويورك اي عامل تنظيفات ولا يكون قائدا سياسيا في لبنان لكن واشنطن التي سمعت هذا الكلام ترجمته بطريقة أخرى ولذلك قال له السفير الامريكي في بيروت جيري فيلتمان في احد لقاءاته به إننا نعمل على تجهيز التأشيرة لك لكي تستلم عملك الجديد في نيويورك بعدما كان اسم جنبلاط على لائحة الممنوعين من دخول اراضي الولايات المتحدة ودخلها الزعيم الدرزي حاليا لكنه لم يحمل معه عدة عامل التنظيفات وانما حمل قنابل عديدة فجرها بحضور مسؤولين امريكيين ليطيح بمؤتمر الحوار الوطني في لبنان ويضيع فرصة ثمينة على اللبنانيين كادت تكون الأولى من نوعها في تاريخ لبنان المعاصر يلتقي فيها القادة اللبنانييون وجها لوجه لتشكيل اطار اتفاق لبناني وطني. والزعيم الدرزي جنبلاط الذي دخل السياسة مرغما ومكرها من عالم احلام الشباب وسباق الدراجات والسهر لم يأخذ وقتا كبيرا حتى يفهم مفردات السياسة المعقدة واسلوبها الصعب في لبنان، فبعد اغتيال والده الشهيد كمال جنبلاط رئيس الحركة الوطنية اللبنانية في عام 7791، وجد وليد الابن نفسه وجها لوجه أمام الجدية وان مصير بلد بات امانة في عنقه، وعلى الرغم من ان جنبلاط يقول ان سوريا اغتالت والده الا انه لم يدر ظهره لها وينقل احد المطلعين عنه انه بعيد اشهر على مقتل والده قام بزيارة الى الجزائر والتقى الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين وقد بادر بومدين بتوجيه سؤال الى الزعيم اللبناني من قتل والدك؟ فرد جنبلاط لا اعرف اجابه الرئيس الجزائري الان امسكت حرفة السياسة. لابل يذهب جنبلاط الى ابعد من ذلك حين يقول في مقابلة تلفزيونية قبل اشهر لقد تناولت طعام الغداء مع اثنين من الذين اشتركوا في قتل والدي. وكان جنبلاط الذي تسامح مع قتلة والده لكنه لم ينس ان يتطلع دائما الى الامام وفق ما تقتضيه المصلحة اللبنانية كما يقول فذهب الى دمشق مرات عدة والتقى الرئيس السوري حافظ الاسد ولم تكن دماء والده قد جفت بعد لا بل اشاد بقيادة الرئيس الاسد وعقد معه حلفا استراتيجيا لمواجهة الهجمة الاسرائيلية على لبنان واشاد في عام 2891 حين اجتاحت اسرائيل لبنان بشجاعة الجيش العربي السوري في مواجهة الاحتلال. ونزل الى احدى مناطق العاصمة بيروت لحظة خروج الفلسطينيين من لبنان عام 2891 مودعا ياسر عرفات وممتشقا بندقية رشاشة اطلق منها عيارات نارية تحية للفلسطينيين وجاهر جنبلاط بان اسرائيل عدوة لكنه لم يطلق عليها رصاصة واحدة، لا بل التقى وزير الخارجية الاسرائيلية شمعون بيريز في المختارة بعدما باغته الوزير الاسرائيلي في عقر داره كما يقول وبرر ذلك بان هناك معرفة فيما بينهما من عضوية الاشتراكية الدولية. وبعد سنتين تقريبا خاض جنبلاط حربا ضروسا مع المسيحيين والقوات اللبنانية المسيحية في جبل لبنان وخرج سمير جعجع حليفه الآن تحت لافتة الصليب الاحمر الدولي من بلدة دير القمر القريبة من المختارة في جبل لبنان كما اخرج جنبلاط جعجع من منطقة اقليم الخروب القريبة وتعاون جنبلاط مع الفلسطينيين العائدين الى بيروت بمساعدته من خلال فتح طريق جبل لبنان امامهم الى العاصمة بيروت. وتحالف جنبلاط مع الزعيم الشيعي نبيه بري في بيروت والجبل عام 1984 لكنه بعد سنوات قليلة انقلب هذا التحالف الى حرب بين الاخوة الاعداء في بيروت العاصمة ليوقع بعد ذلك اتفاقا ثلاثيا مع نبيه بري وايلي حبيقة رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية المسيحية برعاية سورية لكن هذا الاتفاق لم يصمد تحت وطأة الضغوطات المحلية والاقليمية واندلعت بعد دلك حرب بين جنبلاط وبري ادت في العام 1987 االى دخول القوات السورية مجددا الى بيروت بعد رحيلها عنها في عام 1982 ومن يومها تأقلم جنبلاط في المعطيات الجديدة وباتت سوريا حليفا في مواجهة الاطراف المسيحية وخصوصا القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وقائد الجيش آنذاك ميشال عون.

وبعد اتفاق الطائف في عام 1989 كرس جنبلاط نفسه واحدا من القادة اللبنانيين مشاركا في الحكومة والبرلمان وتعزز حضوره السياسي بعزيز علاقاته مع اركان في النظام السوري امثال عبد الحليم خدام واللواء حكمت الشهابي ورئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية آنذاك العميد غازي كنعان، وبرز نجم جنبلاط اكثر حين اقام علاقة تحالفية مع الرئيس رفيق الحريري لكن جنبلاط حليف الحريري لم يكن حليفا ثابتا حيث كان غالبا ما يلتقي الرئيس الحريري وعندما يخرج من اللقاء ينتقده. ووصل الامر في فترة من الفترات الى طعن جنبلاط بوطنية الحريري حين كشف ان الحريري اشترى قطعة ارض في القريعة في الشوف جبل لبنان لتوطين الفلسطينيين عليها وساءت العلاقات بين الرجلين وشن جنبلاط هجوما عنيفا على الحريري وعلى مشروعه المشبوه كما قال في اعادة اعمار لبنان. لكن هذا الخلاف لم يدم حيث عاد جنبلاط ممتدحا الحريري لدوره في اعمار لبنان وبقيت الامور مدار خلاف وتوافق الى عام 1998 حين انتخب الرئيس اميل لحود رئيسا للجمهورية وبدأ نفوذ الفريق السوري المتحالف معه جنبلاط يخف وصولا الى عام 2000 حين انتخب الرئيس بشار الاسد خلفا لوالده الراحل حافظ الاسد واجرى الاسد الابن تغييرات في المسؤولين عن الملف اللبناني وعزز علاقاته مع الرئيس لحود على حساب العلاقة مع جنبلاط والحريري وهنا بدأ جنبلاط يخرج عن الفلك السوري حين تماشى مع دعوة مجلس المطارنة الموارنة لانسحاب القوات السورية من لبنان بعد تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي ودعا جنبلاط القوات السورية الى اعادة انتشار جديدة واقامة قواعد عسكرية محددة في لبنان وهنا بدأ الطلاق مع سوريا وتعمق اكثر واكثر مع دعوته القوات السورية للانسحاب الشامل من لبنان ووقف تدخل المخابرات السورية فيه وارتفع صوت جنبلاط المعارض لسوريا بعد التمديد للرئيس اميل لحود ومحاولة اغتيال مروان حمادة وبدأ جنبلاط اقرب الى الصف المسيحي لا بل الصدامي في الدعوة الى فك الارتباط مع سوريا ولم يتوقف الامر عند هذا الحد وانما وصل الى الانقلاب على حليفه حزب الله من خلال التشكيك بسلاحه وجدوى مقاومته وأعلن ألا حاجة بعد اليوم للمقاومة طالما مزارع شبعا ليست لبنانية وبلغ الاصطفاف السياسي في لبنان حدا خطيرا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري حيث تحول جنبلاط الى قائد لقوى 41 مارس المناهضة لسوريا في مواجهة 8 مارس حلفاء سوريا، وحدد جنبلاط السقف السياسي لقوى 41 مارس فبات الان المنظر والقائد لها وانتقل جنبلاط الى موقع المطالب امريكا بالتدخل لتحرير لبنان وسوريا والى المطالب بدماء ابيه بعد ثلاثين عاما على اغتياله ولذلك فإن احدا لايعرف حقيقة هذه الشخصية المثيرة للجدل في لبنان والتي لا مشكلة أمامها احيانا من الانتقال من ضفة الى ضفة اخرى بفترة محدودة ويملك الشجاعة جنبلاط ان يبر ر انتقاله السريع بانه ارتكب سابقا غلطة او هو تغير.