وليام فاف - تريبيون ميديا سيرفس : ليس مرجحاً أن تتوصل لجنة بيكر الثنائية الحزبية, التي جرى تفويضها مؤخراً من قبل الكونجرس بالنظر في بدائل الحلول الممكنة للسياسات الأميركية في العراق, إلى أي من تلك الحلول في ظل غيابها التام, في سياق ما هو مقبول ورائج سياسياً الآن في واشنطن. فمن جانب تود الإدارة سحب قواتها بأسرع وقت ممكن من العراق. إلا أنها وبموافقة القيادات الديمقراطية, ترغب من الجانب الآخر في البقاء واستكمال المهمة التي بدأتها هناك. ولكن ما من سبيل للجمع بين هاتين الرغبتين مطلقاً. ومما لاشك فيه أن اللجنة ستوصي بتوسيع إطار التحالف الدولي, بحيث يتم اجتذاب المزيد من الدول الأوروبية والإسلامية, إلى جانب التوصية بتسريع انتقال المهام العسكرية والأمنية إلى يد القوات العراقية. لكن وحتى في حال إمكان تنفيذ هذه الخطط, فإن ذلك لن يفعل شيئاً سوى التحايل على الكارثة وإخفاء ملامحها.
ولذلك فإن في اعتقادي الشخصي أن أفضل ما تستطيع فعله هذه اللجنة ndash;وهو في مستطاعها فعلاً- أن توضح لعامة المواطنين الأميركيين لماذا الوجود الأميركي في العراق؟ وستكون هذه اللجنة قد أدت مهمة جليلة فيما لو بينت حقائق تلك الحرب ودوافعها. فالشاهد هو أنه لا وجود حتى الآن إلا للأكاذيب والتلفيقات المحضة حول الحرب. ولست أتحدث هنا عما قيل عن أسلحة دمار شامل عراقية, إنما أعنى بقية الأكاذيب كلها: أي تلك المتعلقة بأسباب غزو أميركا للعراق, وما الذي تريده واشنطن من ذلك الغزو, وما هي حقيقة الموقف العسكري الراهن, وما هي الخيارات الواقعية العسكرية المتوفرة الآن؟ وفيما لو نجحت اللجنة المشار إليها في توضيح الحقائق وجلائها في كل ما يتصل بالأسئلة أعلاه, فإنها ستكون قد أنجزت واجباً على درجة كبيرة من الوطنية والأهمية لأميركا. وفي وسع جيمس بيكر ورفاقه في هذه اللجنة ndash;من بينهم الديمقراطي المخضرم لي هاملتون, مدير مركز quot;وودرو ويلسونquot;, وساندرا داي أوكونور القاضية السابقة بالمحكمة العليا, وفيرنون جوردان, ورودي جولياني- محاولة رد الاعتبار لأهمية الحقيقة في نظام الحكم الديمقراطي الأميركي.
أما الفارق بين العراق وفيتنام فيتمثل فيما أحاط بغزو أولاهما من أكاذيب وخدع, على الرغم من أن التجربة الفيتنامية تظل هي الأسوأ بلا منازع. وكان الرئيس الأسبق ليندون جونسون قد أعرب عن مخاوفه العميقة في تلك الفترة من عقد الستينيات إزاء توسيع نطاق التدخل الأميركي في فيتنام. غير أنه أرغم على ذلك جراء الضغوط المكثفة التي مارسها عليه quot;الجمهوريونquot;, وخاصة من قبل مسؤولي السياسات الخارجية الذين كان قد ورثهم من إدارة سلفه الرئيس جون كنيدي, إثر مصرعه. وقد كان هؤلاء جميعاً على يقين لا يتزعزع بضرورة خوض تلك الحرب. ومن الناحيتين الفكرية والعمرية, فقد كانوا جميعاً من سليلي أولئك القادة الغربيين الذين عمدوا إلى استرضاء القائد النازي هتلر, اتقاءً لشره. أما خبرتهم العملية فقد تشكلت من خلال شن الحروب على النظم الديكتاتورية الشمولية. ولذلك فقد كانوا على أشد قناعة بأن التاريخ سيعيد نفسه مرة أخرى في فيتنام. وعلى رغم ذلك فقد عبر الرئيس الأسبق quot;ليندون جونسونquot; بصدق ووضوح عن مشاعره الخاصة إزاء تلك الحرب بقوله quot;ليس بوسعي أن أهرب أو أختبئ, كما أنه ليس في مقدوري وقفهاquot;. وفي مارس من عام 1968 أعلن عن عدم رغبته في الترشح لدورة رئاسية ثانية.
وبالمقارنة فقد كان أولئك المسؤولون عن شن الغزو على العراق صادقين وجادين أيضاً, إلا أنهم كذبوا للآخرين فيما يتصل بدوافعهم الحقيقية التي قادتهم إلى الحرب والاحتلال. والشاهد أن الجمهور الأميركي لا يزال يجهل السبب الذي جعل من غزو بلاده للعراق ضرورة لابد منها. وكما نعلم اليوم, فإن الزعم بحصول العراق على أسلحة الدمار الشامل وكونه مهدداً أمنياً مباشراً للولايات المتحدة وحلفائها, لم يعد لهما ما يسند صدقيتهما على أرض الواقع والحقائق الملموسة. وفي سبيل تمرير هذه الحجة الملفقة, فقد تعمد البيت الأبيض قمع أي تقرير استخباراتي آخر يتناقض وما أعلن عن حصول العراق على أسلحة الدمار الشامل. ومن يومها وإلى الآن, فقد ظلت كل الفضائح الأخلاقية المحيطة بهذه العملية تدور حول تلك الأكذوبة المجلجلة. ولكن لا يزال السؤال قائماً حول أسباب عزم الإدارة الحالية منذ تسلمها منصبها, على غزو العراق وتدمير نظام صدام حسين. فهذا هو ما يجهله الجمهور الأميركي حتى الآن.
فهل ثمة سبب أو تفسير واحد لذلك العزم؟ مما لاشك فيه أن لكتلة quot;المحافظين الجددquot; في واشنطن ذات الصلة بحزب quot;الليكودquot; الإسرائيلي, مشروعاً خفياً لإقامة دولة للهيمنة الإسرائيلية- الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
ثم هناك مسؤولون من أمثال بول وولفوفيتز ndash;وهو من أكثر المروجين والمتحمسين لفكرة الغزو- ممن زعموا أن العراق يعوم في بركة من النفط وأن احتلاله سيتكفل بسداد فاتورته بنفسه, فضلاً عن مساهمة الاحتلال في نشر قيم الديمقراطية والحرية في المنطقة. ولا غرو أن رأى نائب الرئيس ديك تشيني, المعروف بكونه أفضل وأقرب أصدقاء شركات النفط وشركة هاليبرتون على وجه الخصوص, فرصاً استثمارية عملاقة في امتلاك بلاده للعراق! وكذبة الأكاذيب هي بالطبع أن الغزو سيكون مما يسر العراقيين ويغبطهم. فهل تكشف لجنة بيكر كل هذه الحقائق؟