الجمعة: 2006.05.12

د. عبد الله خليفة الشايجي

يدور هذه الأيام نقاش صحي ومثير في الكويت في ظل الحكومة الجديدة التي تتبنى الإصلاحات السياسية والاقتصادية وتحويل الكويت إلى مركز تجاري واقتصادي واستثماري مميز في المنطقة. هذه الحكومة الفتية التي لم تكمل المئة يوم الأولى من عمرها تتبنى حزمة كبيرة من الإصلاحات للارتقاء بالتجربة البرلمانية الكويتية التي دخلت عقدها الخامس كأول وأعمق تجربة في المشاركة السياسية بالمنطقة.
لاشك أن التجربة البرلمانية الكويتية مميزة وجديرة بالقراءة ليس في إقليمنا الخليجي فقط ولكن في بعدها العربي ككل. فكم برلماناً في طول وعرض عالمنا العربي لديه القدرة والجرأة على أن يسقط حكومات ويستجوب أفراداً من الأنظمة الحاكمة سواء كان ذلك من الحزب الحاكم أم من الأسرة الحاكمة؟ وكم نظاماً في عالمنا العربي استطاع أن يحسم وبسرعة ترتيب بيت الحكم وبزمن قياسي وبسلاسة وسهولة وعبر الاحتكام للدستور، أن يجري انتقال في السلطة، ويقصى رئيس الدولة عبر دستور سابق لعصره وزمنه، دون إعلان حالة الطوارئ أو أية اضطرابات؟ وكم دولة تستطيع محكمتها الدستورية أن تصدر حكماً وتطعن في قانون أصدرته الحكومة والحزب الحاكم؟ وكم دولة تصدر أيضاً محكمتها الإدارية حكماً يلغي مرسوماً أميرياً بسبب تضرر دبلوماسي في وزارة الخارجية من معاملته المجحفة وترقية من هم أحدث منه وحرمانه من الترقية إلى درجة سفير؟ لاشك أن كل ذلك يكسب النموذج الكويتي كنظام سياسي الكثير من الاحترام والتقدير، ويزيد من الرصيد والاحترام حول العالم لدولة من العالم النامي تتصرف كدولة ذات مؤسسات دستورية عريقة هي أقرب لمؤسسات دول العالم الأول المتطور.
واليوم يتركز النقاش الصاخب حول الارتقاء بتجربة المشاركة السياسية للكويت وخاصة بعد منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية ومشاركتها القادمة في انتخابات مجلس الأمة في يوليو 2007. بعد زيادة عدد الناخبين بحوالى 200 ألف ناخبة. ليصل عدد الناخبين الكلي إلى 330 ألف ناخب. البعض يطالب بجعل الكويت دائرة واحدة والبعض يريد خمساً، فيما الآخرون يفضلون العشر، فيما ترى فئة أخيرة بقاء الوضع الحالي المرفوض شعبياً على حاله من 25 دائرة.
يهدف التعديل إلى القضاء على الشوائب التي تصاحب العملية الانتخابية بما يرتبط بنقل أصوات الناخبين وشراء أصوات في دوائر انتخابية صغيرة نسبياً لزيادة فرص الفوز وأحياناً بألف صوت فقط يستطيع بعض الأعضاء تمثيل الأمة بأسرها، وهو ما أفرز إلى السطح شوائب كرست الفئوية والقبلية والاصطفاف الطائفي والعائلي، مما حاد بالتجربة البرلمانية عن دورها الأصلي في التشريع والرقابة إلى تقديم خدمات وأحياناً حتى تجاوزات تخل بالديمقراطية الكويتية الرائدة، وفي ذلك دروس للتجارب الخليجية الصاعدة.
هناك اليوم تردد حكومي ونقاش عن تعديل الدستور لأول مرة يستفز بعض السياسيين ويدفع بوزير الإعلام لتقديم استقالته احتجاجاً على تعديل المادة 80 من الدستور لزيادة عدد أعضاء مجلس الأمة إلى 60 نائباً و20 وزيراً من 50 نائباً و16 وزيراً حالياً، كتخوف من بداية الانقضاض على الحريات العامة. فيما البعض يطالب بـ10 دوائر كحل وسط وهو ما لم توصِ به اللجنة الوزارية حول الدوائر.
تبدو الكويت داخلياً وخارجياً مترددة ومرتبكة. ونسأل إذا كانت الحكومة عبر لجنتها التي شكلتها العام الماضي والتي أقرت الدوائر الـ5 وتملك 16 صوتاً، هم أصوات الوزراء المتضامنين وهناك 29 نائباً هم النواب quot;من الكتلة البرلمانية لإصلاح النظام الانتخابيquot;، مما يجعل الأصوات المؤيدة لـ5 دوائر هو 45 صوتاً من 65 عضواً أكثر من أو ثلثا الأصوات، إذن لماذا لا تصوت وتنهي النقاش لمصلحة الأغلبية؟
بعد منح المرأة حقوقها السياسية كخطوة أولى نحو الإصلاح السياسي، وبانتظار خطوات أخرى، بات المحك الأساسي لجدية الحكومة في الإصلاح هو إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية وبشكل يراعي مطالب جميع الأطراف من العدالة والمساواة ومراعاة التواصل الجغرافي وبين الدوائر الانتخابية. على أمل الارتقاء بالديمقراطية الكويتية لفضاء أرحب وإزاحة البقع السوداء في ثوب الديمقراطية الكويتية المميز.