د. عبدالحميد الأنصاري

كاتب قطري

كتبت في مقالة سابقة بعنوان من يدفع فاتورة فوز حماس؟ في 20/2/،2006 عن أفراح الجماعات السياسية الإسلامية بفوز حماس في الانتخابات رغم أنها تمت في ظلال الحراب الإسرائيلية، وقد غمرتهم بهجة الانتصار فلم يشكك أحد منهم في شرعية الانتخابات كما فعلوا في شرعية الانتخابات العراقية بسبب الوجود الأمريكي، وقلت إن حماس الآن علي مفترق طرق فإما أن تتحمل مسؤولياتها كاملة تجاه الشعب الفلسطيني، بأن تقرأ الأوضاع والمعطيات الموضوعية قراءة واقعية، تحترم الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها السلطة الفلسطينية والتي علي أساسها وصلت حماس للحكم، وكل هذا يتطلب من حماس، نبذ العنف أسلوباً في التعامل الدولي، ووقف التصريحات المباركة للعمليات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين، حتي يمكن للمجتمع الدولي ان يقبل بها ويتعامل معها، وليس مطلوباً من حماس ان تلقي سلاحها ولا أن تتخلي عن المقاومة المشروعة، فهذا حقها من غير منازع وبموجبها نالت ثقة الناخب الفلسطيني، ولكن من حق الشعب الفلسطيني علي حماس أن تغير أسلوبها في المقاومة وهي في الحكم عما كانت عليه وهي في المعارضة، حتي لا تزداد الأمور تأزما، وتتفاقم أوضاع الفلسطينيين سوءاً. وإما أن تختار حماس الاستمرار في نفس أسلوبها وهي في المعارضة فتتمسك بشعاراتها القديمة وتكرر لاءاتها المستهلكة، فتصدم برفض المجتمع الدولي وعدم التعامل معها ومن ثم تجر الفلسطينيين الي مزيد من المأزق المالي الذي قد يصل الي الاختناق والحصار والتجويع، وحينئذ لن يكون المجتمع الدولي هو الملوم فحسب بل ايضاً حكومة حماس التي لم تحسن قراءة الوضع ولم تتصرف بحكمة وحسن تبصر بالعواقب، ولا يفيد حماس لوم المجتمع الدولي وتكرار القول بضرورة احترام خيار الشعب الفلسطيني، إذا كانت حماس نفسها لا تحترم حتي الآن خيارات شعوب العالم بما فيهم العرب بضرورة استمرار عمليات التفاوض والسلام. ما هو حاصل حتي الآن وبعد تولي حماس للسلطة، ان قادتها ازدادت تصلباً، وبلغ الاستخفاف أن بعضهم هوّنوا من المساعدات المالية الدولية - (900 مليون دولار سنوياً تدفعها أوروبا والولايات المتحدة) وذلك اعتماداً علي ان العرب وإيران ستدعمهم ماليا، حتي قال قائلهم نعم للجوع ولا للركوع لن نقبل لقمة الذل ونعيش علي الزعتر والزيتون!! حسناً: لماذا تشتكون إذن؟ ولماذا تهددون ثم تقبلون لقمة الذل من الأعداء؟ ومن قبلهم خطب رمز ديني متحمساً ومتحدياً الغرب وقال: سنقاطعهم ونعيش علي التمر واللبن وليته صدق ولكن هيهات فهو شعار خادع، فهم أحرص الناس علي الحياة، وشعارهم لتحميس الجماهير ولا يعالج وضعاً، لقد قلت: ان هؤلاء الذين يشجعون حماس علي التصلب، وعدم قبول مبادرة السلام العربية، لن يتبرعوا من أموالهم ولكنهم سيملأون الأرض فتاوي وخطباً بضرورة نُصرة حماس - المجاهدة - بشرط ان يكون التبرع من أموال غيرهم!! وحصل ما توقعته تماماً، لقد فشلت حماس في ادارتها للشأن الفلسطيني: أمنياً وسياسياً واقتصادياً، ووقفت عاجزة عن توفير رواتب الموظفين ووصلت الي شفير الانهيار وبدلاً من ان تعترف بخطئها اتهمت الآخرين بالتآمر عليها. أي تآمر والمواقف واضحة ومعلنة مسبقاً؟! لقد تحوّل حوار عباس هنية بسبب الأزمة المالية الي حرب شوارع بين مسلحي فتح وحماس وسقط العشرات ثم تطورت الي اشتباكات خلّفت قتلي وجرحي ولاح في الأفق شبح الحرب الأهلية وزاد الوضع سوءاً لسان مشعل المنفلت وأدي الي فتنة دموية. وكانت قاصمة الظهر حين كشفت الأردن خلية لحماس في الأردن، نقلت أسلحة ومتفجرات مستهدفة منشآت وشخصيات أردنية، وقدمت الأردن أدلة دامغة صدّقها عباس وأنكرها هنية، وردّت الأردن باعترافات المتورطين عبر التلفزيون الأردني. لكن الضربة الموجعة حصلت بانقطاع المدد المالي الدولي وتوقفت الرواتب والموارد وعاش الفلسطينيون أزمة خانقة وباتوا يحصلون علي حاجاتهم الضرورية بالدين وتوقفت السيارات عطشي للوقود وحصلت وفيات لنقص الدواء. وهكذا وفي عهد حماس، عادت القضية الفلسطينية الي نقطة الصفر ودارت دورتها كاملة منذ سنة ،1948 دورة كلها فشل وإخفاق وحروب عبثية ومليارات أهدرت ونكبات وهزائم وكما يقول أحمد الجارالله في السابق رفضنا قرار التقسيم وقاطعنا العالم واليوم جاءت حماس فقاطعنا العالم وحاصرنا مالياً ووضع القضية في ختام دورتها المأساوية.. فهل في الوقت متسع لتعاود حماس قراءة مسيرة السلام وتقتنع بأنها لن تستطيع وحدها محاربة العالم كله؟ حماس تريد تبرئة ساحتها وتغطية فشلها بتوجيه اللوم الي اسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا!! ولكن أليس كل ذلك كان متوقعاً معلناً منذ البداية فلماذا لوم الآخرين وتبرئة الذات؟! وبدلاً من ان تستفيد حماس من دروس الفشل وتستمع الي صوت العقل والحكمة وتعترف بمبادرة السلام العربية التي دعتها الجامعة والدول العربية لقبولها، هددّت حماس بتفجير انتفاضة اقليمية رداً علي الحصار الدولي، ودعا هنية الي مظاهرات عربية حاشدة وحملة لجمع التبرعات ونشط نصراء حماس في البلاد العربية مطالبين حكوماتهم وشعوبهم بنجدة حماس ودعمها مالياً وسياسياً فقام مرشد الاخوان في مصر بمناشدة العرب والمسلمين والمسيحيين الحقيقيين بالتبرع وطالب السلفيون في البحرين والكويت بمثل ذلك ودخل بن لادن بشريطه علي الخط معتبرا مقاطعة حماس حرباً صليبية صهيونية . وفي الدوحة وبمبادرة شخصية من الشيخ القرضاوي احتشد جمع من المشايخ المشايعين لحماس وتباروا في خطب حماسية لنصرة فلسطين والهدف نصرة حماس!! وهدد القرضاوي بمقاطعة البنوك الممتنعة عن تحويل الرواتب واتهم هنية أمريكا بعرقلة المساعدات وكان القيادي الحماسي حسن الصيفي قد هدد - من قبل - بتفجير انتفاضة اهلية شاملة تقلب الطاولة علي رؤوس الجميع في حال استمرار الحصار!!.

لماذا كل هذه التهديدات؟ ولماذا هذه التصريحات والخطب العنترية؟! أليس من حق المانحين ان يطمئنوا الي سلامة وأهلية (آلية) المساعدة والمنحة؟! ها هي اللجنة الرباعية تقرر مؤخراً إرسال المساعدات الي الشعب الفلسطيني عبر آلية دولية مؤقتة لفترة (3) أشهر وعن طريق مكتب عباس مبررة ذلك حتي لا تنهار السلطة الفلسطينية وحتي اسرائيل قررت استئناف بعض المساعدات الي السلطة بعد أن أوشكت الضفة الغربية علي السقوط في كارثة اقتصادية.

ولكن السؤال المهم هنا: من الذي أوصل الحالة الفلسطينية الي هذا الوضع؟ أليست سياسة حماس المتصلّبة والتي تريد كل شيء ولا تريد ان تلتزم بشيء؟! وأليست مواقف جماعات الإسلام السياسي التي تشجع حماس علي عدم قبول مبادرة السلام العربية؟! أليس الأولي بهؤلاء تقديم النصيحة المخلصة لمصلحة الشعب الفلسطيني الصابر؟! والي متي يستمر الفلسطينيون ضحايا الشعارات العنترية المتاجرة بقضيتهم؟! والي متي يستمر الشعب الفلسطيني أسيراً للمعونات والمساعدات والمنح؟! أين أثرياء فلسطين ولماذا لا يعملون علي تنمية اقتصاديات الشعب الفلسطيني، تغنيهم عن الحاجة؟! هل تريد حماس بالخطب الحماسية والفتاوي النارية وتحدي المجتمع الدولي والمقاطعة ان تنتصر وتحل القضية؟!.