السبت: 2006.06.17
عادل حمودة
عندما انتهي مايكل أنجلو من نحت تمثال النبي موسي ضرب الحجر علي ركبته قائلاrlm;:rlm; انطقrlm;..rlm; وكان عنده حقrlm;..rlm; فالحياة تسربت الي شرايين الصخر عبر أزميل الفنان الشهيرrlm;..rlm; وسجل مؤرخو عصر النهضة علي لسانه أنهrlm;:rlm; اعتبر الفن والدين ملاكان يشربان من نهر واحد وحبتا قمح معلقتان في سنبلة واحدةrlm;..rlm; لكنrlm;..rlm; تلك العلاقة الخالدة أصبحت علي ما يبدو مهددة بالخصام والانفصال بعد رواية دان براون البوليسية المثيرة شفرة دافنشي التي قلبت المواجع الدينية المسيحية بعد نحو ألفي سنة ميلاديةrlm;.rlm;
وأخطر ما في الرواية هو الخلط بين الحقيقة والخرافةrlm;,rlm; من خلال ما يوصف بالأنثي المقدسة التي تجسدها مريم المجدلية التي شهدت نهاية المسيح بعد آلام الصلب العنيفة والمبرحةrlm;..rlm; كان ذلك ليلة سبتrlm;..rlm; سبت النورrlm;..rlm; وقبيل بزوغ فجر يوم الأحدrlm;..rlm; يوم عيد القيامةrlm;..rlm; ذهبت أشهر عاهرة تائبة الي القبر لتحنيط جسد يسوع لكنها وجدته خالياrlm;..rlm; وبينما هي تبكي بحرقة عليه سمعت صوته المألوف يناديها باسمهاrlm;..rlm; وما إن همت بمعانقته حتي ابتعد عنها قائلاrlm;:rlm; لا تلمسيني فإني لم أصعد بعد الي إلهي بل امضي الي إخوتي وقولي لهم اني صاعد الي إلهي والهكمrlm;.rlm;
وحسب انجيل يوحناrlm;,rlm; فإن مريم المجدلية تكون آخر من شاهد المسيح من البشرrlm;..rlm; لكنrlm;..rlm; لا أحد بعد ذلك اعطاها حقهاrlm;..rlm; بل ان بطرس الرسول شعر بالغضب من روايتها وسأل مستنكراrlm;:rlm; هل تكلم فعلا الي امرأة سرا دون معرفتنا هل يجب أن نصغي إليها جميعا؟rlm;..rlm; وتحول السؤال الي اجابة مضادة ومفرطة في التفاصيل فيما سمي بانجيل مريم المجدليةrlm;,rlm; الذي عثر عليه في مصر عامrlm;1896rlm; وألهب خيال بعض كتاب الدراماrlm;(rlm; وآخرهم دان براونrlm;)rlm; الذين شطحوا بعيدا الي حد أن نسبوا للمسيح انه أنجب من مريم المجدلية طفلةrlm;(rlm; اسمها سارةrlm;)rlm; هاجرت الي جنوب فرنسا وكبرت وتزوجت من سلالة ملكية ولاتزال ذريتها مستمرة حتي اليومrlm;..rlm; وقيل انه انشئت جماعة تسمي جماعة سيون في عامrlm;1099rlm; لحماية أحفاد المسيح في فرنسا من كنيسة الفاتيكانrlm;..rlm; كما أن تلك الجماعة تعرف مكان الكأس المقدسة وهو قبر مريم المجدليةrlm;.rlm;
ورغم أن رواية شفرة دافنشي قرأهاrlm;60rlm; مليون شخص بلغات مختلفةrlm;,rlm; وبرغم أن الفيلم الذي صورها عرض فيrlm;3735rlm; صالة سينما أمريكية معاrlm;,rlm; ورغم أن صحافة العالم نشرتrlm;3689rlm; مقالة عن تلك القضية الشائكة والحرجةrlm;,rlm; فإنه لا أحد اهتز ايمانه وخرج ليعلن إلحادهrlm;..rlm; فليس من السهل أن يغير أحد معتقداته الدينية الموروثة عبر مئات السنين لمجرد قراءة رواية أو مقالة أو مشاهدة فيلم سينمائي وإلا لتساقط الايمان من قلوب البشر مثل أوراق الخريف الجافة والهشةrlm;.rlm;
لكنrlm;..rlm; ذلك الاحساس بالثقة في النفوس المطمئنة لا يعرفه علي ما يبدو من يملكون سلطة المنح والمنع وسلطة الحساب والعقابrlm;..rlm; فقد تقدمrlm;25rlm; عضوا في مجلس الشيوخ بطلب مناقشة لوزير الثقافة فاروق حسني كي يوضح سياسة الحكومة من عرض فيلم شفرة دافنشيrlm;..rlm; كان علي رأس هؤلاء الدكتور نبيل لوقا بباوي وكيل لجنة الاعلام والثقافةrlm;,rlm; وهو رجل متسامح له مؤلفات اسلامية أشاد بها الأزهر وشيوخهrlm;..rlm; لكنه يبدو من الطلب الذي تقدم به الي رئيس مجلس الشوري صفوت الشريف انه قد حكم مسبقا قبل أن يسمع كلام الوزير المسئولrlm;..rlm; فهو يصف شفرة دافنشي بالهرطقة التي لا يقرها الانجيل والقرآنrlm;..rlm; وهو يذكر الوزير قبل أن يأتي المجلس بقرار مجلس الكنائس المختلفة بعدم عرض الفيلم في مصرrlm;..rlm; فما الذي يتوقعه من المسئول الأعلي عن الرقابة السينمائية في مصر سوي أن يرفض عرض الفيلم؟rlm;.rlm;
والحقيقة أن جهاز الرقابة السينمائية المصرية ليس في حاجة الي تهديد مستتر أو معلن كي لا يورط نفسه في شيءrlm;..rlm; فهو لا يمارس صلاحياته التي يمنحها له القانونrlm;..rlm; وانما يكتفي بازاحة ما يعرض عليه من أعمال فنية مثيرة للمتاعب من طريقه ووضعها في طريق جهات أخري مختلفةrlm;..rlm; مثل الأزهر والكنيسة والأجهزة الأمنية المختلفةrlm;..rlm; مكتفيا بإجازة ما هو سهل مريح ولو كان مدمرا للذوق العام من أفلام ومسرحيات واغان لا نريد منعهاrlm;..rlm; لكننا لا نريد أيضا أن تكون السمة الغالية للحياة الفنية في مصر كما هو واضح في افيشات الشوارع العريضةrlm;.rlm;
لو كتب بشير الديك فيلما عن حادث اغتيال الرئيس أنور السادات أحيل السيناريو قبل قراءته الي المخابرات العامةrlm;..rlm; ولو استوردت شركة توزيع سينمائية فيلم دافنشي كود الذي أخرجه رون هاورد سألت الرقابة الكنيسة القبطية قبل أن تشاهدهrlm;..rlm; ولو فكر خالد يوسف في صناعة فيلم عن نهاية دولة المسلمين في الأندلس فأغلب الظن أن الرقابة ستحوله الي الأزهر متجنبة وجع القلب وصداع الرأسrlm;.rlm;
ولم يحدث إلا فيما ندر أن وافقت تلك الجهات علي ما تحيله الرقابة إليهاrlm;..rlm; وذلك أمر طبيعي ومتوقع فلا أحد يتحمل مسئولية غيرهrlm;..rlm; وفي النهاية اصبحت الرقابة الفنية في مصر رقابة دينية وامنية قبل أن تكون رقابة ابداعيةrlm;..rlm; ومن ثم فلا مبرر لاستمرارهاrlm;..rlm; مادام غيرها يقوم بعملهاrlm;.rlm;
وقد أحالت الرقابة المعالجة السينمائية لفيلم المسيح الذي كتبها فايز غالي الي الكنيسةrlm;..rlm; وتركت كاتب السيناريو المحترف لمصيره المجهولrlm;..rlm; وقد وجد الرجل نفسه متهما في طلب المناقشة المقدم الي وزير الثقافة بما اعتبره اساءة بالغةrlm;..rlm; ففي السطور الأخيرة من الطلب يوجه الدكتور نبيل لوقا بباوي نداء الي المؤلفين والمنتجين المصريين بالبحث عن سبوبة أخري للكسب بعيدا عن رموز الأديان خاصة شخصية الرسول وشخصية السيد المسيحrlm;..rlm; وقد فوجئت بكلمة سبوبة وتعجبت كيف انزلق قلم عضو في مجلس الشيوخ والحكماء حاصل علي درجة الدكتوراه وكتبها؟rlm;..rlm; هل عاد الي مهنته البوليسية القديمة وفتش بدون اذن النيابة في قلب مؤلف الفيلم وقرأ نيته ووجه إليه تهمة الاتجار في الانبياء؟rlm;..rlm; لماذا لا ينظر الي الفيلم باعتباره وسيلة للتربية الدينية كما كانت الافلام الاجنبية التي تناولت المسيحية وعددها يزيد علي الألف فيلم؟rlm;..rlm; كيف يمكن الحكم علي شيء لا نعرفه لايزال مجرد فكرة لم تخرج الي النور بعد؟rlm;..rlm; أخشي أن نعيد من جديد محاكم التفتيش في العقول والضمائرrlm;.rlm;
والحقيقة أن فيلم فايز غالي عن السيد المسيح يضع الجميع في ورطة ويشعرهم بالعجز عن اتخاذ قرار حاسمrlm;.rlm;
فالأزهر يرفض ظهور الأنبياء علي الشاشة بمن فيهم السيد المسيح بالطبعrlm;,rlm; ولكن شيخه يعتبر الاعتراض علي الفيلم تدخلا في شئون المسيحيينrlm;..rlm; وربما يهدد العلاقة الانسانية الحميمة التي بينه وبين البابا شنودة الثالثrlm;,rlm; ومن ثم فإنه لم يبد اعتراضا عليهrlm;.rlm; بل قال في برنامج تليفزيونيrlm;:rlm; لا مانع فهم أحرارrlm;.rlm;
والكنيسة من جانبها تشعر بالحرج أيضاrlm;..rlm; فهي لا تميل الي انتاج فيلم مصري يجسد شخصية السيد المسيحrlm;,rlm; لكنها في الوقت نفسه لا تعترض علي عرض الأفلام الأجنبية التي تجسد شخصيتهrlm;..rlm; بل تروج لتلك الأفلامrlm;..rlm; وتسهم في وصولها رخيصة علي شرائط فيديوrlm;..rlm; فكيف تقبل بأفلام الخواجات وتتحمس لها وترفض أفلام المصريين وتشكك في نية صناعها؟rlm;.rlm;
هنا يكرر الدكتور نبيل لوقا بباوي التبرير الذي يقال عادة في مثل هذه المناسباتrlm;:rlm; إن للأجانب ثقافات وموروثات تختلف عناrlm;..rlm; فنحن في مصر لنا تقاليدنا وعاداتنا التي تختلف عن عادات وتقاليد الأجانبrlm;..rlm; والوجدان الديني المصري يختلف عن الوجدان الديني للأجانبrlm;..rlm; ولو كان ذلك صحيحا لرفض الوجدان الديني المصري رؤية الأفلام المسيحية الأجنبيةrlm;..rlm; وقاطعهاrlm;..rlm; وهاجمهاrlm;..rlm; فالقضية قضية سيناريو وحوار ومشاهد وتجسيد للشخصيات المقدسة وليست قضية الجنسية التي يحملها الممثلون والمنتجون والمصورون والمخرجونrlm;..rlm; وربما كان لافتا للنظر أن عددا لا بأس به من المسلمين يشاهدون مثل هذه الأفلام ويندمجون معها لأنها تصور أنبياء يحترمونهم ويؤمنون بهمrlm;.rlm;
وحسب ما ذكره فايز غالي لي فإن البابا شنودة سأله مستنكراrlm;:rlm; وهل في مصر من يمكنه أن يمثل شخصية السيد المسيح علي الشاشة؟rlm;..rlm; وربما يخاف صاحب القداسة أن يجسد الشخصية ممثل مسلم فتشتعل الفتنةrlm;..rlm; أو يجسدها ممثل مسيحي فيقارن الناس بين حياته البشرية الواقعية الطبيعية وبين صورته الفنية السينمائية السامية كما تجسدت في الفيلمrlm;..rlm; ولو كان ذلك التخوف صحيحا لنظر الناس الي ممثلي الشر علي أنهم مجرمونrlm;..rlm; وقتلةrlm;..rlm; وقطاع طرقrlm;..rlm; أو لنظروا الي النجمات اللاتي مثلن دور العاهرة نظرة دونية مشوهة تنتهي بهم الي شرطة الآدابrlm;..rlm; إن الناس تفرق بين ما تراه علي الشاشة وما تراه في الحياةrlm;.rlm;
ولست متفائلا بالموافقة علي الفيلمrlm;..rlm; فكل الأطراف لن تجرؤ علي منحه شهادة ميلادrlm;..rlm; ولو كنت من كاتب السيناريو الجاد والموهوب والمحترم لسارعت بالاتصال فورا بالسيد محمد سعد وشهرته بوحة وتتح واللمبيrlm;..rlm; يا فايز لا تصدق ان أحدا يريد عملا جاداrlm;..rlm; فكف عن تحطيم اعصابك حتي لا تصاب بالضغط والقلب والسكرrlm;.rlm;
التعليقات