السبت: 2006.07.01

د. حسن مدن

تحيرنا قصص الحب الناقصة، التي لم تكتمل أو لم يقدر لها أن تختبر نفسها في الحياة. إنها لم تعش، لكنها لم تمت أيضا، لم تتلاش. كأن ثمة كلمة ناقصة لم تقل بعد، كأن فصلا فيها بقي معلقا لم ينجز، كأن سؤالا أو أسئلة فيها ظلت من دون جواب، وليس بالوسع الفكاك من هذه الأسئلة التي تظل تلاحقنا، تؤرقنا وتعذبنا.

وقصة الحب التي لم تكتمل ليست كقصة الحب المستحيل، لأن هذه الأخيرة جربت نفسها، اختبرتها قبل أن يصل الشريكان إلى إدراك استحالة حبهما،وقد يكابران ويقاومان ويفتحان كوى في جدران المستحيل يتنفس عبرها حبهما، وقد تذوي قصة الحب المستحيلة تحت ضغط واقع صعب يحاصر المحبين، لكن في نفس هذين المحبين لا يحضر الشعور المعذب الذي يداهم الشركاء في قصة لم تكتمل، بأن الفصل العذب في الحب ظل بعيد المنال، كأن قصة الحب الناقصة مشروع لم يكتمل، ولكن إعلان نهايته لا يتم.لا يقال انه نجح ولا يقال انه فشل.انه حائر، غامض، ملتبس، لأننا لا نعرف إذا كان علينا أن نبقى، أو أن علينا أن نرحل، لأننا لا نعرف في أي فصل من فصول الحب نحن، أترانا في بدايته التي طالت، أم إننا نعيش خريفه؟

هذا النوع من القصص أشبه برواية ابتدأ مؤلفها في كتابتها وقطع في فصولها شوطا، لكنه لأمر ما لم ينجزها في صورتها النهائية.. لم يصل بالأحداث إلى أقاصيها ونهاياتها، فظلت الرواية حبيسة الأدراج، لكن صاحبها لا يستطيع أن يكون حرا من التفكير فيها، فهو يظل مشغولا بأمرها، باحثا عن الناقص فيها، عن الذي لم يقل، لأن المسائل التي لم تحل هي التي تجعل الذهن في حالة اتقاد دائم. يصح ذلك في الفكر وفي الأدب، ويصح ذلك في قصص الحياة، بما فيها قصص الحب.

هل تتشابه قصص الحب أم تراها تختلف، ألها نفس الأعراض والطقوس والبدايات، أم أن كل قصة حب هي نسيج ذاتها؟!

بوسع الذين وقعوا في الحب أكثر من مرة أن يفكروا في أمر الإجابة عن سؤال مثل هذا، ليلاحظوا أوجه التشابه وأوجه الاختلاف، وليلاحظوا أيضا ما إذا كان لقصص الحب معراج واحد نقطعه منذ البداية حتى النهاية.. منذ لحظة الرعشة الأولى للقلب، لحظة الخفقان الأول، صعودا إلى ذرى التألق، قبل النزول العكسي إلى وديان التكرار والرتابة والمألوف، إذا لم يشحن هذا الحب بطاقة التجدد، لنحميه من التآكل والتبدد والضياع.

لكن بين هذه القصص تظل القصص غير المكتملة هي السؤال المعلق، سؤال الأسئلة، لأنه ما من قاعدة واحدة تحكمها، لأننا نعيش عدم اكتمالها، نحسه وندرك أن لا فكاك من عدم الاكتمال هذا، لكن لا فكاك من هذه القصص أيضا، إنها تظل ندبا في الروح لأنها لم تكتمل، لكننا لا نحرضها على الذهاب ولا ندعوها للإياب، وتظل علاقتنا بها علاقة ظمآن وعين الماء في متناول البصر، لكن بينه وبين الماء حقل ألغام أو أسلاك شائكة.

قصص الحب غير المكتملة وجدت لكي لا تكتمل.. قدرها ألا تكتمل!