الإثنين: 2006.08.28


رساله لندن ـيسرا الشرقاوي، الأهرام


بعد هدوء الهستريا الأمنية التي عاشتها بريطانيا لأيامrlm;,rlm; جلس أهالي لندن وماحولها في انتظار نتائج المحاكمة التي مثل أمامهاrlm;11rlm; متهما باختطاف طائرات بريطانية لاستخدامها في تفجير أهداف أمريكيةrlm;.rlm; وفي الانتظار بدأ البريطانيون تقييم ما كان من أمر الأيام الماضية ليكشفوا أن الحديث عن الإحباط الكامل لمخطط اختطاف الطائرات ما هو إلا كذبة أغسطس وأن الإرهابيين نجحواrlm;,rlm; قبل وضعهم قدم في هيثروrlm;,rlm; في تحقيق أغلب أهدافهمrlm;.rlm; المقصود ليس التهوين من إنجاز الأجهزة البريطانية بإحباط هجوم مبتكر أتخذ من ثلاث قارات مسرحا لهاrlm;.rlm; ولا المقصود التقليل من أهمية منع سقوط آلاف الأبرياءrlm;.rlm; المقصود هو فهم أهداف المفجرين وبالتالي تقييم مدي نجاحهم أو فشلهمrlm;.rlm;

فبعيدا عن خطط إحياء الخلافة الإسلاميةrlm;,rlm; يظن المفجرون البريطانيون أنهم سيقلبون موازين القوي لمصلحة حضارتهم المستضعفة ويضعون الغرب في موقع الضعيفrlm;.rlm; يطمحون لرفع ظلم عن أهالي بيروتrlm;,rlm; وغزةrlm;,rlm; وبغداد وكذلك عن المحبط من أبناء جاليتهم في بريطانياrlm;.rlm; ولا يعنيهم أن تسهم أفعالهم في التباعد بين مجتمعاتهم الأصلية أو المهاجرة وبين الحكومات الغربيةrlm;.rlm; بل يأملون أن ينهي هذا التباعد عقودا من التعاون بين قياداتهم وحكومات الغربrlm;.rlm; وفي منطق أشرطة محمد صديق خان ورفاقه من منفذي تفجيراتrlm;7/7rlm; اللندنية ما يثبت ذلكrlm;.rlm;
المقصد إذن هو الاحتجاج علي واقع سياسي معين وتغييرهrlm;.rlm; استهداف المدنيين هنا هو وسيلة تعيسة ومرفوضة سبقهم لها جماعات لا تمتلك نفس الخلفية الثقافيةrlm;.rlm; واستخدام الخطاب الديني المعوج ماهو إلا لغة دعاية وحشد سهلة يفهم مفرداتها الجميع من مسلمي أسيا إلي مسلمي الصومالrlm;.rlm; اخذ ذلك في الاعتبارrlm;,rlm; سنجد في أحوال لندن خلال الأسبوع الأخير تبرهن علي نجاح المفجرين المعتقلين في تحقيق أهدافهمrlm;(rlm; وليس كلهاrlm;).rlm;

وأول الأدلة في أحوال مطارات بريطانيا التي مازالت أبعد ما يكون عن العودة لهدوئها رغم مرور أسابيع علي الأزمة التي ما كانت تتفجر في وقت أكثر ملاءمةrlm;.rlm; فمطارات البلاد تشهد في نفس التوقيت من كل عام ضغطا شديدا مع بدء موسم الاجازات وهروب البريطانيين طلبا للشواطئ الدافئةrlm;,rlm; تاركين العاصمة للأوروبيين والشرق أوسطيين القادمين طلبا لتخفيضات موسم التسوق اللندنيrlm;,rlm; ناهيك عن آلاف الطلبة من شتي أنحاء العالم الذين بدأوا في التوافد استعدادا لبدء العام الدراسي الجديد نهاية سبتمبرrlm;.rlm; هؤلاء جميعا عايشوا حالة من الارتباك دامت بمعدلات مرتفعة خلال الأسبوع الأول عقب الكشف عن إحباط المخطط الإرهابي ورغم خفض مستوي الاستنفار الأمني من حرج إلي شديدrlm;,rlm; فيما وصف بأنها أسوأ أزمة في تاريخ الطيران المدني البريطاني وبأنهاrlm;,rlm; وفقا لتعبير ويلي ويلشrlm;,rlm; المدير التنفيذي لشركة خطوط الطيران البريطانيةrlm;,rlm; انتصار للإرهابيينrlm;(rlm; رسالة ويلش للدايلي ميرور بتاريخrlm;15rlm; أغسطسrlm;).rlm;
فالمسافرون في أول أيام الأزمةrlm;,rlm; عانوا ما بين طوابير تفتيش هائلة تنتهي بعد ساعات ليكشف الركاب أن طائرتهم أقلعت بالفعل أو تم إلغاء رحلاتهم وسط ارتفاع معدلات إلغاء الرحلات إلي ما يتراوح بينrlm;20rlm; وrlm;30%rlm; فضلا من ارتباك شديد حول الإجراءات الأمنية التي قضت بعدم اصطحاب أي أغراض فوق الطائرات بعد الكشف عن خطة الإهاربيين اصطحاب مواد متفجرة سائلة داخل زجاجات مياة غازيةrlm;,rlm; مما وضع ضغطا مفاجئا علي شحن الحقائب وتسبب في فقدان ما يتراوح بينrlm;5rlm; وrlm;10rlm; آلاف حقيبة لم يعثر عليهاrlm;.rlm; أضف إلي ذلك النقص الحاد في أعداد فرق الأمن والموظفين الإداريين للتعامل مع طوارئ بهذا الحجم فزاد المسافرون ضياعا علي ضياعrlm;.rlm;
حالة الرعب هذه أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت السلطات تتعمد تضخيم حجم الخطر الأمنيrlm;,rlm; وتبارت الصحف ووسائل الإعلام في طرح النظريات التي إن صدرت عن عربي أو مسلم لقلنا إنه من ضحايا نظرية المؤامرةrlm;.rlm; ولهم في شكوكهم الحقrlm;,rlm; فما كان هناك ما يبرر حدة حالة التوتر الأمني وتواصلها خاصة وأن المؤامرة أحبطت بالفعلrlm;.rlm; كما أن القصور الواضح في تعامل المطارات مع الأزمة غير مفهوم مع الفرضية المنطقية أن تكون أحداث سبتمبر قد هيأت السلطات هنا لتوقع الأسوأ وتوقعه في أي وقتrlm;.rlm; الأدهي أن الارتباك استمر رغم بدء تطبيق التعليمات الجديدة بالسماح للركاب باصطحاب شنطة يد صغيرة إلي الطائرةrlm;,rlm; فقد أصرت هيئة المواني الجوية البريطانية المالكة لمطاري هيثرو و جاتويكrlm;,rlm; أكثر مطارات أوروبا ازدحاماrlm;,rlm; استمرار العمل بالتعليمات القديمة مما زاد ارتباك المسافرينrlm;,rlm; ليظل الارتباك لأيام قبل حسمه أخيراrlm;.rlm;

وتزداد الفضيحة بالكشف عن رفض الهيئة العام الماضي دفع مبلغrlm;35rlm; مليون استرليني لتكاليف الخدمات الأمنية بالمطارات واكتفت بدفعrlm;26rlm; مليونا فقطrlm;,rlm; مما يبرر خفض عدد الفرق الأمنية بالمطاراتrlm;.rlm;وهو ما دفع الخطوط الجوية البريطانية لإعلان مقاضاتها للهيئة ومطالبتها بتعويضات مليونية لمسئوليتها عن الخسائر التي تكبدتها الشركة ماديا وفيما يخص سمعتها التجاريةrlm;.rlm; إن كانت الخسائر الاقتصادية هذه وما صاحبها من حالة رعب ليست بالدليل الكافي علي تحقيق المفجرين شيئا من اهدافهاrlm;,rlm; ففي الاقتراحات الأمنية التي أعقبت الكشف عن المخططrlm;,rlm; دليلا جديداrlm;.rlm;
فقد اعترف بعض المسئولين بشرطة المواصلات البريطانية بأن حيل الإرهاب العالمي تتطور بشكل اسرع من تطور تكنولوجيا الأمن التي تعجز عن توفير الأمن والحماية الكاملينrlm;.rlm; الحل من وجهة نظرهم كان أحمق اقتراح من نوعه بالعودة للاعتماد علي العنصر البشري مشجعين تكتيكات مثلrlm;ProflieSuspect,rlm; وهو ما يعني اعتماد عناصر الأمن بالمطارات علي معلومات مثل دولة المنشأrlm;,rlm; لون البشرةrlm;,rlm; الديانةrlm;,rlm; والسلوك المريبrlm;,rlm; في تحديد المشتبه بهم وإخضاعهم مع أوراقهم وحقائبهم لتفتيش دقيقrlm;.rlm;

ناهيك عن تناقض الاقتراح مع المنطق الذي يقف وراءهrlm;,rlm; وهو مرونة ظاهرة الإرهاب و قدرتها علي الابتكار والتحايل علي أي مستجدات أمنيةrlm;.rlm; وناهيك أيضا عن حماقة فكرة إتباع مثل هذه السياسة في مطارات واحدة من أكثر المدن تعددية والقبلة الأولي للسائحين والطلبة الأجانب خاصة من دول الشرق الأوسط والخليج العربيrlm;.rlm;
يكفي أن هذه السياسة ستحول كل أسيويrlm;,rlm; وعربيrlm;,rlm; ومسلمrlm;,rlm; إلي مشتبه به وستحولهم جميعا إلي ساخطين علي بريطانيا ولن يجدي وقتها نفعا الحديث عن حوار الحضارات أو غيرهrlm;.rlm; وبالتباعية ستزيد مساحة التباعد بين الغرب والإسلامrlm;,rlm; هذا إذا سلمنا أننا نتحدث عن كتلتين منفصلتين لا تلاقي بينهما و لاوجود لجاليات عربية وإسلامية في المجتمعات الغربية سيكون لهذه السياسات العنصرية عظيم الأثر عليها وعلي علاقتها بالحكومات هناكrlm;.rlm; مسألة العلاقات بين الجالية الإسلامية وحكومة توني بلير هي ثالث الأدلة علي أن الضرر أو علي الأحري زيادة في الضرر قد وقعت بالفعلrlm;.rlm; صحيح أن غياب بلير في جزر الكاريبي لم يمنح الحكومة وقيادات الجالية الإسلامية من المسارعة إلي نفي مسئولية الإسلام والمسلمين عن مخطط الطائراتrlm;,rlm; وعادت سلسلة جديدة من الاجتماعات بين الجانبين أهمها ما أجرته روث كيليrlm;,rlm; وزيرة شئون الجالياتrlm;,rlm; وجون بريسكوت نائب رئيس الوزراءrlm;,rlm; وقيادات الجالية اعترفوا جميعا خلالها بالمسئولية المشـتركة عن علاج آفة التطرف ولكنهم لم يجيبوا علي سؤال مهمrlm;:rlm; كيف ؟

رغم أنها خطوة محمودة لا ينكر أهميتها أحدrlm;,rlm; ولكن مثل هذه اللقاءات وتصريحات المسئولية المشتركة تكررت منذrlm;7rlm; يوليو وما قبله بشكل ممل لا يرتكز علي سياسات واضحة لعلاج هذه الأزمة والاضطلاع بالمسئولية المشتركةrlm;.rlm; فالالتزام بخطاب بلير السابق للذكري الأولي لتفجيرات يوليوrlm;,rlm; مازال مسئولو الحكومة تتقدمهم روث كيلي أخيرا علي إصرارهم العنيد بأنه لا علاقة بين السياسة الخارجية للبلاد والإرهاب وأن بيت الداء في المساجد وفي الخطاب الديني للأئمةrlm;.rlm;

بل وصل الأمر لشن الحكومة شبه حملة بقيادة كيم هويلزrlm;,rlm; مسئول بوزارة الخارجيةrlm;,rlm; وجون ريدrlm;,rlm; وزير الداخليةrlm;,rlm; ضد الخطاب الذي وقعه عشرات من المسئولين والجمعيات الإسلامية أخيرا مطالبين الحكومة بإعادة النظر في الدور الذي تلعبه السياسة الخارجية في دفع شباب المسلمين للغضب والسخط وتفجير النفسrlm;.rlm; هويلز وريد جادلا بأنه لا يوجد نظام ديمقراطي في العالم يحدد سياساته وفقا لرغبات الإرهابيين وتهديداتهمrlm;.rlm; حسنا قالوا ولكن خالفهم الصواب في أن أي نظام ديمقراطي يجب أن يكون أكثر حساسية لمواقف وأراء جميع فئات المجتمعrlm;.rlm;

كما أن قيادات الجالية تدرك أن في المساجد وفي خطاب الأئمة ما يستوجب العلاج ولا يستخدمون السياسة الخارجية البريطانية كمبرر لإلتماس الأعذار لقتل الأبرياء ولكنهم ببساطة يؤكدون ان أي جهود لكبح التطرف ستظل قاصرة عن تحقيق الأثر المطلوب مادامت سياسة بريطانيا علي حالها تجاه الشرق الأوسط والعالم الإسلاميrlm;.rlm; وهو بالمناسبة رأي تجتمع عليه أغلب فئات المجتمع البريطاني المسلم وغير المسلمrlm;,rlm; وفقا لأحدث استطلاع للرأي كشف أنrlm;72%rlm; من الشعب البريطاني يحمل سياسات بلير الخارجية المسئولية عن ارتفاع معدلات التهديدات الإرهابية التي تستهدف بلادهمrlm;.rlm; ولكن استطلاعا آهر نشرته الدايلي تلجرافrlm;(25rlm; أغسطسrlm;)rlm; كشف عن أنrlm;52rlm; من المشاركين يرون في المسلمين تهديدا لأمن الحضارة الغربية وبقائها هو مزيد من التباعد ليتحقق أهم أهداف المفجرين وتنجح خططهم أو هكذا تبدو لهمrlm;.rlm; فواقع الأمر في بريطانيا يرجح أنه لم ينجح أحدrlm;,rlm; الجميع خاسرونrlm;,rlm; المسلمونrlm;,rlm; الحكومةrlm;,rlm; وشباب ظنوا أنهم بقتل راكبي الطائرات سينتصرون لأنفسهمrlm;.rlm;