الثلاثاء: 2006.09.19

بروس والاس - وواشنطن بوست

quot;هنا جونشيرو كويزوميquot; هذه هي العبارة التي تطالع المشاركين في المجلة الإلكترونية التابعة لرئيس الوزراء الياباني، والتي أنشأها خصيصاً للتواصل مع الجمهور الياباني ولبث نصائحه كما هواجسه عبر الشبكة العنكبوتية. ويعتمد كويزومي على هذه التجربة الإلكترونية الفريدة لطرْق أبواب أكثر من 1.6 مليون ياباني عبر البريد الإلكتروني صبيحة كل خميس. وتضم الرسائل التي يخطها رئيس الوزراء الياباني بيده ويطبعها لاحقاً موظفوه، ملخصاً لخططه المستقبلية، فضلاً عن الأعمال التي قام بها خلال الأسبوع. ولا يفوت الرسائل أيضاً أن تتطرق إلى أمور حياتية أخرى؛ كالإشارة إلى أفضل السبل لتطوير أسلوب الحياة وجعلها أكثر سعادة واكتمالاً. لكن مع اقتراب تنحي كويزومي في الـ26 من الشهر الجاري، ستتوقف الرسائل الإلكترونية عن الظهور، رغم الشعبية الكبيرة التي مازال يحظى به لدى الشارع الياباني.

بيد أن رسائل كويزومي الإلكترونية، ليست مجرد محاولة من رئيس الحكومة اليابانية للتواصل مع الشعب، بل هي أيضاً فرصة لإلقاء المزيد من الأضواء الكاشفة على شخصيته المتفردة وللكشف عن بعض هواجسه وطريقته التي تختلف عن الثقافة السياسية السائدة في اليابان بكل ما يميزها من غموض وسرية. فقد كانت كتاباته التي يبعث بها إلى المنخرطين في مجلته الإلكترونية تبدو وكأنها بوح رجل يفكر بصوت عالٍ. فهو عبر من خلالها مثلاً عن دهشته الكبيرة للسعر المرتفع الذي يباع به التفاح الياباني في أسواق شنغهاي، كما تحدث عن الرئيس الفرنسي جاك شيراك وكيف ألهمه إحدى أهم الأفكار المتمثلة في تطوير السياحة في اليابان لتصبح شبيهة بفرنسا. وفي كتاباته أيضاً يضمِّن تعاطفه مع ضحايا الفيضانات والزلازل، كما يشير إلى النصيحة التي أسداها له عمدة مدينة نيويورك السابق رودولف جولياني عن كيفية افتتاح مباريات لعبة quot;البيسبولquot; وضرب الكرة الأولى.

وعلى غرار كُتاب المدونات الإلكترونية، تتراوح النبرة في كتابات كويزومي بين قلق الرجل المُسن على أبنائه، وبين تحويل ملاحظة عابرة إلى قضية سياسية تستحق النقاش المعمق. وترجع هذه العادة في كتابة رئيس الوزراء الياباني للرسائل الإلكترونية، إلى بداية ولايته الأولى في مطلع 2001، إذ واظب منذ ذلك الوقت على كتابتها أسبوعياً، ثم ظهرت بعد ذلك نسخة إنجليزية للرسائل مع حلول عام 2004. ولم يكتفِ كويزومي بإرسال خطاباته إلى جمهوره، بل شجَّع اليابانيين على موافاته بردودهم عليه، وهو ما حصل بالفعل حيث بدأ يتلقى ما بين 500 إلى 1000 رد كل أسبوع، محوِّلاً الإنترنت إلى فضاء حقيقي للتواصل بين القائد والشعب. ومع ذلك لا تختلف كثيراً مبادرة كويزومي عن تجارب أخرى مماثلة يلجأ إليها رؤساء الدول في الغرب، مثل فرنسا وبريطانيا، تروج لإنجازات القادة وتشير إلى الأنشطة المختلفة التي يقومون بها خلال فترة ولايتهم. لذا فإن رسائل كويزومي تنخرط أيضاً في سرد وتعداد إنجازاته على غرار ما يحدث في البيت الأبيض، أو مقر الحكومة البريطانية في لندن.

ومن الطرائف أن جميع رسائل كويزومي يتصدرها عنوان quot;قلب الأسدquot;، في إحالة إلى طريقته في تسريح شعره التي تشبه الأسد. لكن العنوان يحيل أيضاً إلى إرادة كويزومي الفولاذية في تطبيق الإصلاحات الهيكلية التي تعهد بها. كويزومي كتب أيضاً عن الشعراء اليابانيين الذين يلهمونه، وعن الأشخاص الذين يزعجونه، لاسيما ذوي النزعة المتشائمة. ولم تخلُ كتابته أيضاً من بعض النصائح والإرشادات؛ مثل الطريقة المثلى لمقاومة حرارة الصيف، حيث جاء في إحدى رسائله quot;في الأيام الخوالي كان الناس يرشون الماء في الأرض لتبريد الجوquot;، مضيفاً quot;إن خبرة هؤلاء الناس وحكمتهم لم تتوقفا أبداً عن إدهاشيquot;. ولأن كويزومي يحب مشاهدة الأفلام فقد ضمن الرسائل التي يبعث بها ملاحظات حول آخر الأفلام، فضلاً عن نصائح بالذهاب إلى مشاهدتها. وحتى في الأمور اليومية، تجد رئيس الوزراء الياباني يدلي بدلوه ويسدي النصائح تلو النصائح إلى اليابانيين، فيحثهم مثلاً على ضرورة تناول وجبة الفطور في الصباح، بالإضافة إلى أخد قسط وافر من الراحة للتصدي لمشكلة التوتر والضغط الذي يعاني منه اليابانيون في العمل.

وبينما يركز كويزومي في خطابه على الأمور الحياتية الجانبية، فإنه كثيراً ما يقفز عن القضايا السياسية الجوهرية. فقد كتب مثلاً في 13 من شهر أكتوبر 2005 عن تزايد علامات فصل الخريف بينما كان يقطع الطريق بين محل إقامته الرسمي ومكتبه، وسجل ما لاحظه من وجود أنواع مختلفة من الفطر متسائلاً عن الصالح منها للأكل، ليرد عليه المئات من المواطنين يرشدونه إلى أفضل الأنواع. غير أن التصاقه بالموضوعات الجانبية ينسيه على ما يبدو الحديث عن زياراته إلى مزار quot;ياسوكونيquot; وما يحدثه ذلك من سجال واسع وتوتر للعلاقات مع الصين. ورغم تلقيه لرسائل من المواطنين تطالبه بوقف تنظيم تلك الزيارات، فإنه لم يظهر أبداً في موقع المدافع عن نفسه، بل فضل الثبات على مواقفه بدل تغييرها.