الجمعة: 2006.09.22
الكاتبة
مصطفى رزق
نجحت الضغوط الأوروبية التي مورست على تركيا بشأن محاكمة الكاتبة إليف شفق التي كانت تواجه تهمة إهانة القومية التركية، بعد أن أصدرت حكما ببراءتها في جلسة لم تدم أكثر من 40 دقيقة، ولم تحضرها شفق التي وضعت وليدها الأول منذ فترة قصيرة.
وحسبما ذكر مراسلون، فإن القضاة في المحكمة المذكورة حكموا بالبراءة لعدم وجود أدلة تثبت الاتهام الموجه للكاتبة بإهانة الهوية التركية.
الضغوط الأوروبية نظرت إلى هذه المحاكمة باعتبارها اختبارا لحرية التعبير في تركيا الساعية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل وشرعت في مفاوضات الانضمام إليه في أكتوبر الماضي.
وشفق ـ البالغة من العمر 35 عاما ـ اتهمت، بموجب المادة 301 من قانون العقوبات التركي الذي يجرم شتم أو القذف في القومية التركية ـ بتوجيه الإهانة لتركيا من خلال التعليقات المنسوبة إلى شخصيات في روايتها المعنونة quot;لقيط أسطنبولquot; تناولت القتل الجماعي الذي تعرض له الأرمن خلال الإمبراطورية العثمانية عام 1915، وهو ما لا تعترف تركيا بأنه إبادة.
وكانت بداية هذه القضية ـ التي أثارت ضجة داخل تركيا وخارجها في شهر يوليو الماضي ـ عندما وافقت محكمة الجنايات العليا السابعة في إسطنبول نظر دعوى ضد الكاتبة رفعتها جمعية quot;اتحاد رجال القانونquot; القومية، ذكرت فيها أن إحدى شخصيات رواية quot;لقيط إسطنبولquot; قامت بإهانة القومية التركية؛ عندما وصفت ما تعرض له الأرمن في نهاية الدولة العثمانية (بين عامي 1916 و1917) بـ quot;المذبحةquot; التي تسببت في مقتل وتهجير أكثر من مليون أرمني. وهو ما يرفضه الأتراك بشدة، ويعتبر من جهة أخرى واحدا من أكثر القضايا حساسية في تركيا.
وفي تعليقها على هذه الدعوى، اعتبرت quot;شفقquot; أنها تشكل خطوة أخرى مثيرة للانزعاج في طريق إسكات حرية التعبير في تركيا، ووصفت المحاكمة بأنها quot;سخيفة جدا وغريبة جداquot;؛ خاصة وأنها متعلقة بعمل روائي. واعتبرت شفق المادة 301 من القانون الجنائي سلاح لإسكات العديد من الناس.
واللافت للنظر في هذا الاتجاه، أن الكاتبة نفسها ظلت محافظة على هويتها وتركيبتها التركية، رغم أنها ولدت في فرنسا وقضت سنوات المراهقة في إسبانيا قبل أن تعود إلى تركيا، وتمضي وقتها حاليا بين تركيا والولايات المتحدة، التي تعمل فيها أستاذة محاضرة في جامعة أريزونا.
أما عن الضغوط الأوروبية على تركيا بهذا الشأن وفي قضايا مشابهة فكانت بمثابة جرس إنذار لتركيا؛ لاختبار وفائها بمتطلبات الانضمام للاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر القضية خاصة بحرية التعبير.
وفي هذا السياق وجه quot;جوست لاجينديخكquot; رئيس اللجنة البرلمانية الأوروبية للشئون التركية، انتقادات حادة لتركيا، مؤكدا أن عليها تغيير ممارساتها، وأضاف أن أفضل ما يمكن للحكومة القيام به، هو أخذ زمام المبادرة بالتقدم للبرلمان بمشروع لتعديل القانون الجنائي، وإلغاء المادة 301 كلية.
ويتزايد القلق الأوروبي من أن تكون تركيا قد فقدت رغبتها في إجراء الإصلاحات المرجوة، وهو القلق الذي قد يعرقل مفاوضات تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي، ويطرح العديد من التساؤلات ـ مع كل محاكمة من هذا النوع ـ عما إذا كان من الممكن المضي قدما في هذه المفاوضات.
هذا الاتجاه عبرت عنه أيضا الكاتبة quot;شفقquot; في تصريحات نقلتها صحيفة quot;صانداي تايمزquot; البريطانية،وأشارت فيها إلى أنها ليست هي المقصودة بشكل شخصي من الدعوى المرفوعة ضدها، معتبرة أن المستهدف الحقيقي هو المسعى التركي للانضمام للاتحاد الأوروبي، قائلة :quot;إنهم يحاولون إيقاف ذلك المسعى من خلال استغلال قضيتي فقطquot;.
الرد التركي على الانتقادات الأوروبية، فجاء في شكل دعوة البرلمان التركي للانعقاد مبكرا؛ لإجازة إصلاحات مطلوبة للاتحاد الأوروبي، قد يكون ضمنها تلك المادة المثيرة للجدل في قانون العقوبات التركي، والتي حوكمت بموجبها quot;إليف شفقquot;.
التعليقات