جوناثان سويفت


أعلنت السلطات العراقية حظر التجول في مدينة كربلاء، وأغلقت المدينة لمدة ثلاثة أيام عقب اشتباكات مع أتباع رجل الدين محمود الحسني. جرت الاشتباكات عقب الاستيلاء على مدرسة الإمام الصادق الدينية، ومكاتب الحسني في حي باب طويريج في كربلاء على يد قوات الأمن العراقية، وأعقب ذلك اعتقال عدد من أتباعه.

تدفق أتباع الحسني على كربلاء من بعض المدن المجاورة كالحلة في تحد لمنع التجول. من هو محمود الحسني؟. محمود الحسني هو تابع سابق لمحمد صادق الصدر (والد مقتدى) ويقيم في كربلاء، تم سجنه لفترة قصيرة من قبل نظام صدام حسين عام 1999 عقب اغتيال صادق الصدر. في البداية تعهد بالولاء لبقايا الحركة الصدرية التي ظهرت عقب حرب 2003 مباشرة مثلما فعل ممثلون وأتباع سابقون للصدر الثاني (مثل عبدالستار البهادلي، وأحمد الفرطوسي وحازم الأعرجي). بعد تجمع أتباع صادق الصدر اضطلع ابنه، مقتدى الصدر، بدور مركزي في قيادة الحركة الصدرية الحالية، إلا أن محمود الحسني قطع علاقته مع الحركة الصدرية وترأس حركة خاصة به على هامش الحركة الصدرية مع عدد محدود من الأتباع المتشددين الذين ينتشرون بصورة رئيسية في كربلاء، والبصرة والناصرية.

بحلول منتصف عام 2004، قام الحسني من نفسه برفع درجته الدينية معلنا نفسه (آية الله العظمى محمود الصرخي الحسني.) كما أصدر فتاوى تتحدى رجال الدين الكبار، الأكثر رسوخا ومنزلة في الهياكل المتشعبة للحوزة العلمية، زاعماً بأنه الأكثر دراية، وأنه رجل الدين الأول بين المراجع الأعلام، وأنه قادر على حل أكثر القضايا الفقهية إشكالا وتعقيدا.

كثيرا ما قوبلت تصريحات الحسني بالسخرية والازدراء من المؤسسة الدينية الشيعية في كل من العراق وإيران. لم تسع مجموعته أبدا للمشاركة في النشاطات السياسية العراقية في فترة ما بعد الحرب، وبقدر ما أعلم، فإنه لم يكن ممثلا بأية قائمة انتخابية في انتخابات 2005. في الواقع أن حركته يمكن تعريفها بأنها ذات توجهات عقائدية دينية أكثر مما هي مجموعة سياسية ـ اجتماعية نشطة.
يهيمن على الحسني هاجس قوي يتعلق بظهور الإمام المهدي المنتظر، وعادة ما يتحدث بتعصب واضح عن هذا الظهور، وعن التقائه بالإمام المهدي (الإمام الغائب الثاني عشر طبقاً لمعتقدات الشيعة الإثني عشرية)، وكثيراً ما يتحدث مداورة أو تلميحاً عن التطورات الجارية في العراق باعتبارها علامة من علامات العودة الوشيكة للإمام الغائب. الكثير من هذه العلامات وردت بشكل مفصل في كتابات محمد صادق الصدر، من بينها نشاط الجواسيس الغربيين في العراق ضد نظام صدام حسين قبل الحرب.

كثيراً ما يشير الحسني إلى أن المسيح الدجال قد دخل العراق في صورة الولايات المتحدة، وهو ما يبشر بظهور الإمام الثاني عشر. يقول إن أتباعه سيكونون بمثابة جنود مشاة الإمام الذي سيعيد العدل للعالم، والأهم من ذلك، أن الإمام سيحارب المؤسسة الدينية الفاسدة (في إشارة إلى رجال الدين في العراق وإيران). هذا الزعم كثيرا ما ترددت أصداؤه لدى جيش المهدي بزعامة مقتدى الصدر.
الكثير من أتباع الحركة الصدرية في العراق، بما في ذلك الحركات المتفرعة عنها، تعتقد اعتقادا راسخا بأن الأمريكيين جاؤوا إلى العراق لقتل الإمام المهدي أو لمنع عودته.
وفي هذا السياق يمكنك أن تدرك ما هو مغزى تفجير مرقد الضريح العسكري في سامراء في فبراير الماضي عند جماهير الشيعة، خصوصا إذا كنت تعرف أن القبو المجاور للضريح هو المكان الذي يعرف عنه بأن الإمام المهدي قد اختفى فيه في القرن التاسع، وهو المكان نفسه الذي يعتقد الشيعة أنه سيظهر فيه مرة أخرى.

من السمات المهمة الأخرى في حركة الحسني، استياؤها الشديد مما ترى وتعي من تزايد النفوذ الإيراني في العراق. غالبا ما يهاجم الحسني إيران في خطبه النارية، وفي وقت ليس ببعيد هاجم أتباعه، وأضرموا النيران في عدة قنصليات إيرانية في البصرة وكربلاء وغيرها من المدن العراقية الجنوبية ردا على برنامج بثه التلفزيون الإيراني كان قد سخر من الحسني بعد أن قال الأخير إنه التقى بالمهدي، وأنه قام بتزويج أخته له.

الحسني معروف أيضا بموقفه المناوئ للفدرالية، كما أصدر مؤخرا فتوى ضد العنف الطائفي وعمليات التهجير القسرية التي قال عنها مستهجنا بأن دماء السنة والشيعة هي أكثر قدسية من بيت الله في مكة والمسجد النبوي. وقال موقع الحسني على شبكة الإنترنت إن هذه الفتوى قد أغضبت الأحزاب العراقية الموالية لإيران التي تتولى السلطة في العراق (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق). كما اتهم الحوزة العلمية في قم بإصدارها الأوامر في الاعتداء على أتباعه، بمساعدة عملاء الاستخبارات الإيرانية في العراق.

يتساءل بعض العراقيين عن مبررات الهجوم الذي جرى مؤخراً ضد الحسني وتوقيته. فإن كان الحسني متطرفاً كما يرى البعض، فإن من السخف أن نصور الأمر على أن حركته الضعيفة تشكل تهديداً أمنياً سواء للحكومة العراقية أو لقوات التحالف. الحسني وجماعته يتكلمون كثيرا ويفعلون قليلا.

حتى الآن لم يمارس أتباعه أي عنف، ولا يوجد هناك دليل على أنهم شاركوا في أعمال القتل الطائفية على خلاف ما تقوم به قوات بدر وجيش المهدي. يعتقد آخرون أن إيران تستخدم عملاءها العراقيين لتصفية خصومها.
عقليا ومنطقيا، لا يمكن أن تتمتع فكرة نزع سلاح الميليشيات من جانب الحكومة العراقية، التي لم تشرع بها حتى الآن، بأي مصداقية إذا ما ترك جيش المهدي وفيلق بدر، وكلاهما مسؤولان عن أعمال القتل الطائفية البشعة وغالبا ما يقومون بذلك في الزي الرسمي العراقي، دون مساس. أما حركة الحسني فهي لا تقع ضمن تعريف ميليشيا.