ساطع نور الدين
من اسرائيل وحدها، يجب ان تقرأ الحرب الاخيرة، وتستخلص دروسها ونتائجها. ليس فقط لان عنوانها ومصدرها الرئيسي يقعان هناك .. بل لان النقاش لا يزال يدور داخل دولة متحضرة ومؤسسة رصينة وجمهور واع، ويعبر عن مناعة سياسية تعادل او حتى تفوق في بعض الاحيان القوة العسكرية الهائلة، التي استخدم جزء بسيط منها بوحشية استثنائية تنم عن توتر عميق، وحقد دفين.
الاعتراف بالاخطاء والاخفاقات هو المدخل الى هذا النقاش. والاستعداد لتحمل المسؤولية هو المحفز على تطوره، وبلوغه حد تشكيل لجان تحقيق عسكرية وحكومية ذات صلاحيات واسعة.. وتشجيع قائد المنطقة الشمالية اودي آدم على الاستقالة من منصبه، وتوجيه آخرين في الحكومة والجيش نحو اتخاذ خطوة مشابهة، لكي لا تمر التجربة من دون العقاب الذي يستدعيه الحرص العام على بقاء الدولة فوق الجميع.
لا يخلو النقاش من بعض الغوغائية والانتهازية السياسية، لكنه ينتظم في سياقات محددة، سواء في الشارع الذي لا يزال يتظاهر ولو بأعداد رمزية مطالبا بسقوط بعض الرؤوس الحكومية والعسكرية، او في الغرف المغلقة التي لا تزال تسأل عما جرى، وتجادل في اسباب التورط على هذا النحو المريع في حرب لم يسبق التحضير لها، ولم يتم خوضها بالكفاءة المطلوبة، ولم تؤد الى جميع النتائج المرغوبة.
الاحساس بالصدمة لا يزال حاضرا. لكنه لا يصل الى حد الرغبة بتنظيم انقلاب على المؤسستين السياسية والعسكرية، ولا حتى الى اطاحة رؤوسهما التي تولت السلطة قبل اربعة اشهر فقط من الحرب. المهلة لم تنته لتصحيح الاخطاء وتعديل الاخفاقات.. من دون التخلي عن الحق بالمحاسبة في أي لحظة تتعثر فيها الحكومة او الجيش في توفير الطمأنينة للجمهور الاسرائيلي، حتى ولو بعد اشهر فقط.
لكن الصدمة اسفرت في المقابل عن نزوع اسرائيلي شديد نحو اليمين المتطرف وزعمائه واحزابه القومية والدينية، على حساب تحالف حكومة الوسط التي يقودها ايهود اولمرت، في حالة تشبه الى حد بعيد تخلي الجمهور الاسرائيلي عن حكومة اليسار برئاسة ايهود باراك في العام 0002 لمصلحة الاتيان بحكومة ارييل شارون التي تولت شن الحملة العسكرية الضارية والمستمرة حتى اليوم على الشعب الفلسطيني في الداخل..
اللجوء مرة اخرى الى ائتلاف حكومي يميني برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي ارتفعت شعبيته في الاونة الاخيرة، هو احتمال وارد يعتمد اساسا على تطور النقاش الداخلي حول الحرب واخفاقاتها، لكنه يستفيد من السلوك الدولي، والموقف الاميركي تحديدا، الذي رعى وقف الاعمال العدائية بشكل يؤكد الميل الى الابقاء على حكومة ايهود اولمرت وتوجيه حركتها السياسية في الاتجاهين اللبناني والفلسطيني معا.
ثمة اسهام لبناني بسيط في ذلك النقاش الاسرائيلي، يتفاوت بين الحكومة وبين حزب الله، اللذين لن يتوصلا حتما الى تفاهم حول ما اذا كانت المصلحة تقتضي استمرار التعايش مع حكومة اولمرت ام لا.
- آخر تحديث :
التعليقات