الخميس: 2006.09.28


زهير قصيباتي

يتذكر بعض اللبنانيين، وسط ضجيج الساسة وحشود المهرجانات ان أقطاب الحوار الوطني الذي باغتته الحرب الإسرائيلية قبل وصله فانقطع، بعدما أداره ببراعة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أجمعوا على ميثاق شرف يستحقه البلد وكل مواطن، لوقف الهزات العابرة أو laquo;المبيّتةraquo; التي كانت تهدّد بانفلات الشوارع على غارب حرب الإرادات، والنيات. انكفأ الميثاق وراء كوارث القتل والتدمير والتشريد، ثم غبار laquo;التراشقraquo; بين الأقطاب.

مَن البادئ؟ مَن أشعل الحرب على الحدود، مَن يضرم نار الشكوك على خطوط التماس بين مهرجانات جبهات الأقطاب؟

الخبر السار، ان وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تطمئنهم الى laquo;إجماع وطني جديدraquo; من دون كشف سرّه، وهوية أركانه. الخبر السيئ انها تعزز المخاوف من توقع اغتيالات لبعض رموز قوى 14 آذار.

والأرجح ان اللبنانيين سينقسمون على تبشير الوزيرة بانقسام في الكتلة الشيعية، وتلويحها بعصا العقوبات لسورية، بما يعنيه ذلك من استتباع رد فعل، والتساؤل عمن يدفع الثمن. ينقسمون أيضاً على تحذيرات من تهريب السلاح الى البلد، على رغم وجود الأساطيل، كما اختلفوا على مصير سلاح المقاومة والتشبث بحكومة المقاومة السياسية، حكومة فؤاد السنيورة أو إسقاطها بالضغوط وتخويفها بالشارع و laquo;سيناريوraquo; محاصرة السراي...

وإلى مصير اتفاق الطائف، ووسط فرز حاد يضع قوى 14 آذار في موقع المدافِع و laquo;حزب اللهraquo; وحركة laquo;أملraquo; وتيار العماد ميشال عون في موقع المهاجم، تأسيساً على انتصار المقاومة على محاولة إسرائيل كسرها، تتبدى ذروة الاشتباك السياسي على حافة مشروع إسقاط الحكومة أو توسيعها، في التساؤل الآتي: أيهما أخطر، الاستئثار بقرار الحرب التي أعادت لبنان 15 سنة الى وراء، أم الاستئثار بالسلطة، بصرف النظر عن صدقية الاتهامات الموجهة الى الأكثرية والدولة التي تجلدها سياط المعارضة، متناسية التمييز بين التزامات الدولة وواجبات المقاومة؟

تساؤل آخر، يعرف جوابه اللبنانيون laquo;العاديونraquo;، الاستثنائيون في تحمّل نكبات الحروب والنزيف البشري المستمر منذ عقود: هل من أمل بعد بتجديد الثقة بين الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصر الله وزعيم laquo;تيار المستقبلraquo; سعد الحريري، بعد التجريح بالسنيورة وبقدرة حكومته على حماية لبنان، وتعهد نصر الله امام جمهور laquo;مهرجان الانتصارraquo; تبديل الحكومة بتوسيعها... وبعد رفض الحريري لغة laquo;التهديداتraquo; و laquo;الاستقواءraquo; على الدولة و laquo;تعديلها على قياسهمraquo;؟

هل من جدوى لأي حوار يُستثنى منه مصير سلاح المقاومة الذي مهما قدّم السيد حسن نصر الله من تطمينات الى أهدافه، لن يقتنع كثيرون من اللبنانيين بأنه لن يكون ذريعة لحرب تبقي البلد في أتون الصراعات الإقليمية؟

إن تحذير الحريري من laquo;الأشجار الخبيثةraquo; و laquo;الإعدام السياسيraquo; للسنيورة بعد حجب صورة laquo;الكارثةraquo; في الحرب الاسرائيلية هو بمثابة تحذير من سيناريو محاصرة السراي، وافتعال صدام في الشارع لإرغام رئيس الوزراء على التنحي أو الاعتكاف ليعم الشلل، من اجل استكمال ما يسميه زعيم laquo;اللقاء النيابي الديموقراطيraquo; وليد جنبلاط الانقلاب على اتفاق الطائف. الأخطر من ذلك، تحت ظلال مذهبية، ان يتحول الفراغ الى واحدة من حلقات فتنة، يجمع الأقطاب على التحذير منها، لكن كلاً منهم يقود شارعه الى تعبئة.

laquo;التعبئة بالتعبئةraquo; قال سعد الحريري، بعدما بلغ هجوم laquo;مهرجان الانتصارraquo; حد المهلة الأخيرة قبل بدء مشروع نصر الله لتعديل خريطة القوى السياسية، بما يفقد الأكثرية القدرة على ادارة السلطة. ولم يترك زعيم laquo;تيار المستقبلraquo; مجالاً للشك بحقيقة حسم قوى 14 آذار خيارها النهائي: لا مساومة على اتفاق الطائف، لا مهادنة مع محاولات laquo;إعدامraquo; الحكومة، لا أولوية في أي حوار إلا لبحث مصير سلاح المقاومة.

وما لم يقله الحريري وهو يرفض laquo;الاستسلامraquo; والاستفزاز، ان الحكومة التي آزرت المقاومة حين كان زعيم laquo;حزب اللهraquo; يتحدى العرب خلال الحرب طلب وقف النار، لا تستحق الطعن بسلاح الانتصار الذي اعترف نصر الله سابقاً برصيدها فيه.

ولعلّ كثيرين يتساءلون عن مخاطرة نصر الله برصيد حكمته التي حمت إنجاز التحرير عام 2000، إذ قصّرت عن احتواء الآخرين، فبدا أن الحرب بدّلت وظيفة المقاومة.

لقد أدمن اللبنانيون لعقود، جلْد الدولة كأنها لشعب آخر، وليست منهم. والمعضلة بعد الحرب الإسرائيلية، الانسياق الى جعل الدولة هدفاً لمشاريع حروب، كأنها العدو الأكبر لوطن... لا هو ينتصر، ولا هي تتفوق على كل الولاءات والشعارات.