د. عيدة المطلق قناة

تتفاعل في المشهد العراقي اليوم تداعيات إنزال علم العراق في إقليم كردستان بأمر من مسعود البرزاني رئيس الإقليم، خطوة انفصالية تتواءم مع دعواته إلى المزيد من الخطوات الانفصالية مثل مناداته بrdquo;حاجة الأكراد إلى جيش كي يدافع عنهم ضد الأطراف التي لديها أطماع في الإقليم الكرديrdquo;، وكذلك إصداره الأوامر باختيار نشيد وطني للأكراد غير النشيد الوطني العراقي المعروف.

البرزاني قال في دفاعه عن قراره في الجمعية الوطنية ان قرار إنزال العلم لم يكن قراراً انفرادياً بل تم بالتشاور مع رئيسي الجمهورية ورئيس الوزراء، وهي ليست خطوة انفصالية لأن الأكراد كانوا قد صوتوا على بقاء الوحدة بين كردستان والعراق، ولكنهم، إذا ما أرادوا ldquo;الانفصال، فسيفعلون ذلك دون تردد أو خوفrdquo;.

الخطوة تحمل العديد من المفارقات، لعل في مقدمتها أنها حظيت بتأييد ومباركة ودعم رئيس جمهورية العراق جلال الطالباني، فهذا الرئيس وحين فقد البوصلة خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزيرة الخارجية البريطانية مارغريت بيكيت، وصف العلم الذي يستظل به في مقره الرئاسي، بأنه ldquo;علم الصداميينrdquo;.

ومن المفارقات كذلك نفي وزير الخارجية هوشيار زيباري لإشاعة إلغاء العلم مكتفياً بالقول إن لدى كردستان تحفظات عليه فحسب، أما آزاد جونديامين (أحد قيادات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال الطالباني) فقد اعتبر إنزال العلم واستبداله، إضافة إلى قائمة مكاسب الأكراد تجاه المزيد من الاستقلال الذاتي منذ الغزو الأمريكي عام 2003.

ولعل أشد هذه المفارقات وضوحاً أن البرزاني ظهر من خلال هجمته الشرسة على جميع منتقديه بأنه يعول على فقدان الذاكرة أو عجزها عن استحضار واقعة استنجاده ldquo;بصدام حسينrdquo; يوم (22/8/1996)، وطلب المساندة منه ومن نظامه، وقواته المسلحة لمواجهة ما سماه بrdquo;العدوان الشرير المشترك لزمرة جلال الطالباني وعناصر إيرانيةrdquo;، وإنهاء تآمر وخيانة جلال الطالباني، (على حد تعبيره)، حينها لم تكن الراية التي ترفرف على الجيش الذي جاء لمساندته ldquo;راية الفاشية والأنفال والمقابر الجماعية وتجفيف أهوار الجنوب وإعدام المناضلين العراقيين كافةrdquo;، فأي استخفاف بعقول البشر هذا؟

في هذا السياق وللتدليل على حقد البرزاني على العراق ورموزه واستقوائه بأمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; نعود بالذاكرة إلى بدايات الاحتلال حين جاء دور مسعود البرزاني رئيساً لمجلس الحكم السابق ولمدة شهر واحد فقط، نستذكر أن إنجازه الوحيد آنذاك كان طرحه مشروع علم للعراق مشابه لعلم ldquo;إسرائيلrdquo;، حينها جوبه العلم المقترح برفض شعبي عارم، تماماً كما تواجه مسألة إنزال العلم اليوم برفض أشد.

فمسعود البرزاني على خطى أبيه مصطفى ماض في اللعبة الصهيو أمريكية حتى آخر رمق، مسكون بالكراهية، معتاد على المكائد والمناورات، يكره بغداد جداً، ويكره السليمانية، يكره العروبة ويكره جيران كردستان من الترك والإيرانيين، (بحسب شهادة بول بريمر في مذكراته ldquo;عام قضيته في العراقrdquo;)، فأين المفر؟

إن إشكالية إنزال العلم كانت بمثابة بالون اختبار للنيات، فالعلم من أبرز الرموز الوطنية، يمثل صورة البلاد ووحدتها وسيادتها، وإنزاله إنما يحمل نذراً انفصالية خطيرة، باعتباره إيذاناً بتفكيك العراق تحت وطأة الاغتيالات والاضطهاد العرقي والمذهبي، والاحتراب، وتمزيق النسيج الاجتماعي، وهي إشكاليات تتفاقم وتتعقد يوماً بعد يوم لتضع العراق في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، ناهيك عن تقويض مقومات الدولة الجامعة.

وعلى ذلك فإن السكوت عن هذا الفعل سيقود إلى مثله مستقبلاً في مناطق أخرى.