أمير طاهري

أن تصعد أو لا تصعد؟ تلك هي المسألة في الدوائر الحاكمة بطهران هذه الأيام. وبرزت المسألة ردا على القرار الذي اتخذه مجلس المن الدولي التابع للأمم المتحدة في الأيام الأخيرة من العام الماضي، لفرض طائفة من العقوبات على الجمهورية الإسلامية.

وكان رد طهران الأولى رفض القرار واعتباره laquo;غير مهم وغير فعالraquo;، ليصفه الرئيس محمود احمدي نجاد بأنه laquo;قطعة ورق لا قيمة لهاraquo;، مشيرا إلى انه قد يتعايش معه.

والقرار، أيا كانت الزاوية التي يقرأ منها، هو، في الواقع، نمر من ورق. انه يبدو شبيها بترضية لإدارة بوش التي تواجه المصاعب أكثر منه محاولة جادة في ممارسة ضغط على نظام يشعر بأنه يتجه إلى أن يكون قوة هيمنة إقليمية. وكان رد فعل احمدي نجاد الأولى محقا في الحال. وفي كل الأحوال فقد أقام احمدي نجاد استراتيجيته على تفادي مجابهة مباشرة مع الولايات المتحدة، إلى أن تنقضي ولاية الرئيس جورج دبليو بوش. ويعود هذا إلى انه يعتقد ان بوش الذي فرض تغيير النظام في اثنين من جيران إيران، هو زعيم اميركي غير سوي، وان من يخلفه سيعود إلى السياسة الأميركية التقليدية في تفادي المجابهة.

ومع ذلك فإن للجمهورية الإسلامية آلياتها السياسية الداخلية، وهي غالبا ما يجري تجاهلها من جانب المحللين في الخارج.

فقد شيد أحمدي نجاد سمعته بكاملها على وعده بتحويل الجمهورية الإسلامية إلى laquo;القوة الأساسيةraquo; لكتلة جديدة من الدول الإسلامية، قادرة على مجابهة الغرب laquo;الكافرraquo; وإنهاء هيمنته على العالم التي دامت قرونا. ولهذا فإن لا يمكن أن يسمح بفرض الإذلال عليه من جانب الأمم المتحدة، حتى لو كان محدودا، وتركه من دون رد عليه. ويسخر خصومه السياسيون، بمن فيهم رجال الدين من أصحاب البزنس، من جبنه.

ويقول هاشمي رفسنجاني، زعيم رجال الدين من أصحاب البزنس الذي اختار سرا أن ينهي سيرة احمدي نجاد السياسية: laquo;لا يمكن أن نعامل بهذه الطريقةraquo;.

وقد عبأ رجال الدين من ميسوري المال جهودهم للتوثق من أن موجوداتهم الخاصة في الخارج لن تظهر على قائمة الموجودات الإيرانية المجمدة من جانب الأمم المتحدة. وبفضل جهود من روسيا والصين، اللتين تتمتعان بصلات تجارية واسعة مع رجال الدين من أصحاب البزنس، عدل مجلس الأمن نص القرار في ذلك الاتجاه.

وفي ما وراء الخطوات الرمزية التي أعلنت مؤخرا من غير المحتمل أن تتخذ الجمهورية الإسلامية أي إجراء شديد ردا على القرار قبل أن تجري مناقشة كاملة للقضية في الدوائر المغلقة للمؤسسة. وحتى عندئذ فإن الكلمة النهائية ستأتي من laquo;المرشد الأعلىraquo; علي خامنئي الذي تعزز موقعه في انتخابات الشهر الماضي لمجلس الخبراء، (حيث اخفق احمدي نجاد في تلك الانتخابات، في ضمان المقاعد الإضافية التي يحتاجها لاستبدال خامنئي).

وكان خامنئي، على الدوام، لاعبا حذرا بغريزته. ففي عام 1989 كانت لديه الشجاعة، وان يكن بحدود، لتحدي فتوى آية الله الخميني بقتل الروائي البريطاني سلمان رشدي. (سرعان ما غير موقفه عندما هاجمه الخميني علنا بالقول، إن عليه أن يعود إلى الدراسة لتعلم الدروس الدينية على نحو أفضل!)

والأكثر أهمية انه ليس لدى خامنئي خبرة في الصراع السياسي الداخلي في الوقت الحالي. انه في أمان خلال سنوات ثمان أخرى على الأقل، أي حتى الانتخابات المقبلة لمجلس الخبراء. ويمكن نفي التقارير التي تشير إلى انه يعد ابنه كخليفة محتمل، باعتبارها إشاعة من إشاعات طهران المغرضة، فأحمدي نجاد المستيقظ يمكن ان يتوافق مع مصالح خامنئي على نحو جيد، ولكن ليس إذا ما أنجز ذلك عبر أزمة دولية كبيرة يمكن أن تهدد وجود النظام ذاته.

وبتجنب مزيد من التصعيد يمكن لخامنئي، أن يتغلب على مؤيدي تغيير النظام في داخل وخارج إيران. وفي الوقت نفسه يمكن أن يحقق هدف الجمهورية الإسلامية في بناء laquo;القدرة الكبيرةraquo; التي تحتاجها لإنتاج أسلحة نووية عندما يتقرر ذلك. ويوفر القرار الضعيف الذي أقرته الأمم المتحدة مدى واسعا لمناورة دبلوماسية لانهائية خلال السنوات الخمس أو الست المقبلة، وهي الفترة التي يفترض أن تحتاجها الجمهورية الإسلامية للإتقان الكامل للنواحي العسكرية للتكنولوجيا النووية.

وكما هو الحال دائما منذ الثورة الخمينية عام 1979، فإن مصالح إيران كدولة قومية ليست متماثلة على الدوام مع مصالح إيران كتجسيد للثورة. وتفرض مصلحة إيران كدولة قومية في المرحلة الحالية ردا حكيما ومحترسا على قرار الأمم المتحدة، مع النية الواضحة لتفادي مزيد من التصعيد.

غير أن مصلحة الثورة هو إظهار أن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تعطي بقدر ما تأخذ. وكما قال احمدي نجاد قبل المصادقة على القرار، فإن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تطبق laquo;عقوبة مضاعفةraquo; على أولئك الذين تحدوها.

وطبقا للتسويات التي جعلت القرار ممكنا، سيتم تقييم رد فعل إيران خلال 60 يوما. وهو ما يتصادف وقوعه مع نهاية أضخم مؤتمر سنوي للجماعات الراديكالية تستضيفه طهران منذ عام 1980. فسيتجمع قادة كل الحركات الثورية من حركة الطريق المشرق البيروفية إلى حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، ومرورا بعشرات من بقايا الأحزاب الستالينية في أوروبا وأمريكا اللاتينية، في طهران لتمجيد ذكرى الخميني وتنسيق استراتيجيتهم لمحاربة laquo;الامبريالية الأميركيةraquo;.

ويأمل المهرجان الثوري، الذي يطلق عليه laquo;10 ايام من الفجرraquo;، جذب مجموعة من الشخصيات المعادية للولايات المتحدة وبريطانية مثل الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز ورئيس زيمبابوي روبرت موغابي وشخصيات معادية لبوش مثل نووم تشومسكي ومايكل مور.

هل يمكن لأحمدي نجاد الظهور في مثل هذه المهرجانات وادعاء القيادة العالمية للحركة المعادية للولايات المتحدة، بينما تبدو إدارته تتراجع أمام laquo;الشيطان الأعظمraquo;؟ هل يستمر إسماعيل هنية من حماس في الاعتقاد بوعود احمدي نجاد بإزالة إسرائيل من وجه الخريطة، في الوقت الذي يبدو فيه الزعيم الإيراني غير قادر على حماية مصالح دولته؟

ومن المفارقات، أن رجال الدين من أصحاب البزنس الذين تصورهم جماعات اللوبي الغربية الموالية لهم بالاعتدال، بل وبأنهم من المصلحين، هم الأشخاص الذين يضغطون حاليا من اجل التصعيد. واستراتيجيتهم واضحة: مزيد من التصعيد سيضع اقتصاد إيران الضعيف في أزمة شاملة، ويهز أركان قاعدة احمدي نجاد الراديكالية، ويفتح الباب أمام عودة رجال الدين من الأغنياء إلى السلطة خلال العامين او الثلاثة القادمين. وتشعر إيران حاليا بالتأثير النفسي لتصعيد افتراضي. ففي الأسبوعين الماضيين، صدم الحجاج الإيرانيون عندما علموا أن الريال الإيراني لم يعد مقبولا من مكاتب الصرافة هناك. والأسوأ من ذلك أن الريال الإيراني يختفي من الأسواق العراقية حيث انخفض سعره بنسبة 20 في المائة مقابل الدينار العراقي. ويعني ذلك أن على إيران استخدام الدولار أو اليورو لتمويل عملائها عبر المنطقة، ولا سيما في العراق ولبنان والخليج.

ووجهة نظر رجال الأعمال الرأسماليين بسيطة: تجنب التصعيد يمكن أن يعني اختناق بطيئا للجمهورية الإسلامية. وبالتالي من الأفضل التصعيد الآن، وإجبار اتخاذ قرار بطريقة أو أخرى بإسرع ما يمكن. وإذا كان ذلك يعني نهاية حلم احمدي نجاد بتشكيل laquo;قوة عظمى إسلاميةraquo;، فليكن ذلك.

ومثلما هو الأمر في عديد من الأزمات في ربع القرن الماضي، فإن إيران تصل مرة أخرى إلى نقطة تتعارض فيها مصالحها كأمة مع مصالح الثورة التي سيطرت على آلية الدولة. ومن الضروري، في حالة عدم تعرض إيران للأضرار، موت الثورة الخمينية موتها المحتم. واحمدي نجادي على استعداد للتضحية بإيران كدولة في محراب الثورة. ورجال الدين الرأسماليين على استعداد للتضحية بالاثنين في محراب مصالحهم. أما توجه خامئني فلا يزال غامضا. فهو، من حيث موقعه، من المفروض أن يمثل الأمة والثورة معا.