روبرت برايس

هناك أسباب كثيرة لخسارة الولايات المتحدة للحرب في العراق، وعلى رأس قائمة هذه الأسباب: الغرور والتخطيط السيئ جداً لما بعد الحرب، وقلة المعرفة بالثقافة العراقية ـ العربية وفشل قوات الاحتلال الأمريكية في السيطرة على قطاع النفط العراقي.
لكن على الصعيد التكتيكي الأساسي أكثر من غيره، فإن أمريكا قد انهزمت في العراق لأنها لا تستطيع المواجهة الكفؤة للسلاح المميز لحرب العراق الثانية، وهو السلاح نفسه الذي استخدمه لورنس العرب ضد الأتراك خلال الثورة العربية في الأعوام 1916 إلى 1918: وهو القنبلة التي تزرع على جانب الطريق.

ففي مذكراته بعنوان quot;أعمدة الحكمة السبعةquot; التي نشرت في عام 1922، كتب توماس أي لورنس، ضابط الجيش البريطاني الذي ساعد على قيادة الثورة العربية، قائلاً: quot;إن الألغام كانت أفضل سلاح اكتشف في ذلك الحين لجعل العمل المنتظم لقطاراتهم مكلفاً ومشكوكاً فيه بالنسبة إلى جيشنا التركيquot;.

وفي هذه الأيام تسمى الأسلحة quot;بالمتفجرات المرتجلةquot; وليست الألغام، وهي تستخدم ضد السيارات وليس القطارات/ لكنها لا تزال أسلحة قاتلة، ويمكن مشاهدة فعاليتها الإجرامية في كل يوم تقريباً. تأملوا السادس من كانون الأول (ديسمبر)، وهو اليوم نفسه الذي أصدرت فيه quot;مجموعة دراسة وضع العراقquot; تقريرها المنتظر طويلاً، والذي قدم مقترحات لإدارة بوش حول ما ينبغي القيام به في العراقquot; ففي ذلك اليوم مات 13 جندياً أمريكيا في العراق، وقتل ثمانية منهم بواسطة quot;المتفجرات المرتجلةquot; التي تعتبر حتى الآن، أكبر قاتل للقوات الأمريكية في العراق. حيث إن أكثر من نصف جميع القتلى الأمريكيين ونصف جميع إصابات الجنود في العراق، جاءت نتيجة المتفجرات المرتجلة، ومع أن الجيش الأمريكي أنفق ما لا يقل عن ثمانية مليارات دولار في مكافحة مشكلة المتفجرات المرتجلة، فإن مدى المشكلة يزداد سوءاً.

ويمكن العثور على دليل للمشكلة التي تزداد سوءاً، بالنظر إلى خطوط الاتجاه، ففي السنتين الأوليين من حرب العراق الثانية، شكلت المتفجرات المرتجلة أكثر من 20 في المائة من جميع وفيات الجنود الأمريكيين، لكن خلال العام الماضي، كانت تلك النسبة نحو 50 في المائة، وفي الأسابيع الثلاثة الأولى من كانون الأول (ديسمبر)، سببت المتفجرات المرتجلة 57 في المائة من كل وفيات الجنود الأمريكيين في العراق، وفقاً لبيانات جمعها مركز بروكنجر، وهذه واحدة من أعلى النسب المسجلة، وهو رقم لم يفقه سوى الرقم الذي سجل في ستة أشهر أخرى من الحرب.

وعلاوة على ذلك، ووفقاً لمصدر رفيع المستوى في وزارة الدفاع، الذي يعمل مباشرة حول مشكلة المتفجرات المرتجلة فإن نسبة المتفجرات المرتجلة المستخدمة في الهجمات تزداد بشكل كبير، ففي عام 2005، كان نحو 50 في المائة من كل الهجمات ضد قوات أمريكا والتحالف ناجمة عن المتفجرات المرتجلة، وفي عام 2006 فإن النسبة نحو 75 في المائة، وعلاوة على ذلك، فإن المصدر نفسه الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لأنه ليس مخولاً بالحديث للصحافة، قال إن تشرين الأول (أكتوبر) 2006 سجل رقماً قياسياً لعدد هجمات المتفجرات المرتجلة ضد القوات الأمريكية.
وفي الوقت الذي تشكل فيه هذه الاتجاهات قلقاً، فإن من المحتمل أن تظل مشكلة المتفجرات المرتجلة تتزايد في حجمها لأسباب ثلاثة لكن مترابطة، وعلى رأسها أنه بينما تظل الخسائر نتيجة هذه المتفجرات تتزايد، فإنها تقلص كفاءة (ومعنويات) القوات الأمريكية.

والسبب الثاني هو أن المقاومين في العراق أشخاص يستخدمون أعداداً أكبر من نوع قاتل من المتفجرات المرتجلة، وهو القذيفة المحشوة بالمتفجرات، التي يمكن لها أن تخترق أي نوع من المدرعات ( وقد طور حزب الله القذيفة المحشوة بالمتفجرات في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين خلال احتلال إسرائيل لجنوب لبنان، وتعتقد مصادر الجيش الأمريكي اليوم أن حزب الله يوفر القذائف المحشوة بالمتفجرات للحركات المتمردة في العراق).

وأخيراً، يبدو أن المنظمة المشتركة لهزيمة المتفجرات المرتجلة، وهي بيروقراطية، شكلها الجيش الأمريكي للتوصل إلى إجراءات فعالة مضادة لمشكلة المتفجرات المرتجلة، يبدو أنها مهتمة بإنفاق الأموال وطمس حقيقة حجم المشكلة أكثر من اهتمامها بالتوصل إلى حلول حقيقية.
يمكن للمقاومين في العراق أن يستخدموا المتفجرات المرتجلة في قتل وتشويه أو إرهاب الجنود الأمريكيين دون الاشتباك معهم مباشرة، وهذا يعطيهم ميزة تكتيكية كبيرة، وهنا يقول وليام إس ليند، وهو منظر عسكري مشهور والذي كتب بشكل شامل عن الحرب غير المتناسقة: quot;إن جيشنا بأسره يستند إلى فكرة استخدام نيران الأسلحة بشكل ضخم، موجه إلى أهداف، لكن ذلك لا ينجح في هذا النوع من الصراع، فنحن نحارب عدواً جعل نفسه في وضع يتعذر استهدافهquot;.

وفي ضوء أن المقاومين لا يضطرون إلى الاشتباك في معارك بالأسلحة مع الجنود الأمريكيين فإنهم يستطيعون الاستمرار في زرع المتفجرات المرتجلة وهم يتمتعون بما يشبه الحصانة والنجاة ndash; بغض النظر عن عدد الجنود الذين يتم نشرهم أو مدى سرعة حشدهم. ولا بد أن هذا يقلق مخططي الحرب الأمريكيين الذين يبدون مستعدين لإرسال 20 ألفا أو 30 ألف جندي أمريكي آخرين إلى العراق.
يمكن مشاهدة الإحباط الذي تسببه المتفجرات المرتجلة بالنظر إلى ما يقال عن المجازر التي ارتكبها جنود المارينز الأمريكيون في الحديثة، ففي الشهر الماضي، اتهم ثمانية جنود مارينز أمريكيين بجرائم مختلفة، بما فيه القتل، بعد أن قاموا بما يزعم أنها عملية هائجة في المدينة العراقية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، وخلفوا دزينتين من المدنيين قتلى، وهنالك جزء رئيسي من قصة الحديثة وهو أنه قبل قليل من بدء جنود المارينز بإطلاق النار على المدنيين فإن رتلاً من أربع مركبات قد ضربته متفجرة مرتجلة.

وخلال الأسابيع القليلة التالية، سينظر الكونجرس في مشروع إنفاق طارئ يوفر مبلغ 100 مليار دولار أخرى للحروب الدائرة في العراق وأفغانستان، ومن ذلك المبلغ الـ 100 مليار دولار، فإن نحو 2.5 مليار دولار خصصت لجهود مكافحة المتفجرات المرتجلة وسيتم إنفاق كثير من تلك الأموال على معدات ذات تقنية عالية مثل أجهزة التشويش وأجهزة أخرى، ويتم إنفاق مبلغ قليل على أنواع المهارات التي جعلت لورنس العرب محارباً ناجحاً، وبالتحديد له إلمام جيد باللغة العربية، وفهم عميق للثقافة العربية وتقدير لاحتياجات السكان المحليين.

في ضوء مواصلة الجيش الأمريكي للبحث عن علاجات تكنولوجية لمشكلة المتفجرات المرتجلة، فليس هناك ما يدعو إلى أن نتوقع من القوات الأمريكية أن تحقق أي نجاح آخر في المستقبل، وذلك يعني أن أمريكا ستستمر في رؤية بضعة جنود من جنودها يقتلون يومياً بواسطة المتفجرات المرتجلة، وسيستمر ذلك القتل بلا توقف إلا أن تصاب أمريكا في النهاية بإرهاق الحرب وتنسحب من العراق.