17 يناير 2007

آن أبيلباوم

في الماضي انخرطت الإمبراطورية البريطانية في حرب شرسة للدفاع عما كانت تعتبره حقاً أصيلاً لبيع الأفيون في الصين. واليوم يذكر التاريخ تلك الحرب على أنها كانت مدمرة وعديمة الجدوى جسدت الصراع بين القوى الإمبريالية من جهة ممثلة في بريطانيا وبين البلدان المستعمرَة من جهة أخرى مثل الصين، أسفرت في النهاية عن خسارة الاثنين معاً. ويبدو أن التجربة ذاتها تعيد نفسها في الحرب التي يشنها حلف شمال الأطلسي للقضاء على زراعة نبات الخشخاش المنتشرة على نطاق واسع في المناطق الجنوبية من البلاد. والهدف هذه المرة كما تزعم القوى الغربية أخلاقي بامتياز يرمي إلى وقف تجارة الأفيون غير الشرعية التي تشكل حسب الحكومة البريطانية quot;تهديداً بالغاً للأمن والتنمية والحكومة الفعالة في البلاد على المستوى البعيدquot;. ويزداد الخوف أكثر عندما تشير التحليلات إلى الاستفادة الكبيرة التي يجنيها عناصر quot;طالبانquot; من مبيعات الأفيون.

هذه القناعة لدى الغرب بأنهم يقومون بالشيء الصحيح من الناحية الأخلاقية وسعيهم لإحلال الاستقرار في أفغانستان من خلال القضاء على أسباب التوتر المتمثلة في تجارة الأفيون، تدفع الحكومات الغربية لإنفاق أموال طائلة تقدر بمئات الملايين من الدولارات لتجريف حقول نبات الخشاش وإقامة وحدات خاصة لمحاربة تجارة الأفيون، فضلاً عن تمويل محاصيل بديلة للمزارعين الأفغان. وفي هذا الإطار ستشرع قوات حلف شمال الأطلسي في رش المبيدات الكيماوية على الحقول للقضاء على النبات خلال فصل الربيع المقبل. لكن ألن ينظر التاريخ إلى الحرب الحالية على أنها مدمرة وعديمة الجدوى تماماً كما كانت quot;حروب الأفيونquot; الشهيرة مع الصين؟ وبالطبع لا يدور في ذهن أحد اليوم المطالبة بإرساء إطار قانوني لزراعة المواد المخدرة. والواقع أن الحقائق تظل أكبر من أن يلتف عليها، حيث تشكل عوائد صادرات أفغانستان من الأفيون ما بين الثلث إلى ثلثي الناتج الإجمالي المحلي للبلاد.

وليس من الغريب أن يتمركز أكبر المصدرين في جنوب البلاد التي تعتبر المعقل الرئيسي لحركة quot;طالبانquot;، إذ كلما تم تدمير حقل أحد المزارعين الفقراء في تلك المناطق النائية، كلما وجد حافزاً أكبر للانضمام إلى quot;طالبانquot; ومحاربة القوى الغربية التي قطعت مورد رزقه الوحيد. ورغم الجهود التي تبذلها الحكومات الغربية للقضاء على زراعة نبات الخشخاش، ارتفعت مساحة الأراضي المزروعة بأكثر من 60% خلال العام الماضي حسب إحصائيات أوردتها صحيفة quot;واشنطن بوستquot;. ولذا احتل موضوع الأفيون في أفغانستان صدارة الاهتمام الحكومي، ما دفع بالرئيس حامد كرزاي إلى تسميته بـquot;السرطانquot;، مؤكداً أن خطره يفوق تهديد الإرهاب. ولن تنفع المواد الكيماوية في القضاء النهائي على زراعة الخشخاش، بل قد تعقد الأمور أكثر، ذلك أن عملية رش المحاصيل بالمبيدات الكيماوية لن تقتصر أخطارها على البيئة وصحة الأهالي، بل ستخلف انطباعاً لدى السكان الأفغان بأنهم يتعرضون لغارات عسكرية. واللافت أن مشكلة الأفيون التي تؤرق الكثيرين في الغرب ما كان لها أن تتخذ هذه الأبعاد لو أُحسن التصرف معها منذ البداية.

ولشرح وجهة نظري ما علينا سوى النظر إلى التجربة التركية في هذا المجال، حيث كانت تجارة الأفيون منتشرة على نطاق واسع، وكانت تهدد أيضاً الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد. فعلى غرار أفغانستان تملك تركيا تقليداً عريقاً في زراعة نبات الخشخاش، وكانت تتوجس من أن تؤدي جهود القضاء على المحاصيل إلى زعزعة الاستقرار وإسقاط الحكومة. والأكثر من ذلك كانت تركيا تصنف على أنها المصدر الأساسي لمخدر الهرويين الذي يباع في الأسواق الغربية، ولم تجدِ المحاولات المتكررة في القضاء عليه بعدما باءت كلها بالفشل. ونتيجة لذلك قرر الأتراك في 1974 بدعم من الولايات المتحدة تجريب تكتيك جديد يقوم على الترخيص لزراعة نبات الخشخاش بهدف إنتاج المورفين وأنواع أخرى من المخدرات التي يتم استخدامها بشكل قانوني في الطب. وهكذا أنشئت مصانع شرعية لاستبدال تلك غير القانونية وشرع المزارعون في تسجيل أنفسهم بشكل رسمي وبدؤوا في دفع الضرائب للدولة.

ومازالت الحكومة الأميركية تدعم تركيا، بل تفرض على شركات الأدوية الأميركية شراء 80% من احتياجاتها مما تطلق عليه الوثائق الرسمية في الولايات المتحدة quot;المواد الأولية المخدرةquot; من أكبر منتجين تقليديين للأفيون وهما تركيا والهند. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا تضاف أفغانستان إلى قائمة الدول المستفيدة من الدعم الأميركي لتحويل جزء من زراعة الخشاش إلى نشاط قانوني أسوة بتركيا؟ والجواب لا يكمن في الاعتبارات الأخلاقية التي ترفض التعامل مع تجارة الأفيون، بل تكمن في عدم كفاءة الهياكل البيروقراطية، أو عدم فاعليتها في ترخيص زراعة الخشخاش والخوف من الفشل في تشريعه كما فشلت في القضاء عليه، بحيث سينتهي جزء كبير من عائداته في أيدي تجار المخدرات. وهي صعوبات يمكن على أي حال التصدي لها إذا توفرت الإرادة، بحيث يمكن إقامة مصانع على المستوى المحلي تقع تحت إشراف الهياكل الحكومية المحلية. وحتى لو اقتصر النجاح على إخراج نصف الاقتصاد الأفغاني من الظل ومنحه الفرصة لممارسة أنشطته في العلن، فإن ذلك من شأنه التقليص من نفوذ كبار تجار الأفيون. والأهم من ذلك هو أن الأموال التي تنفقها الحكومات الغربية اليوم ستوجه إلى مجالات تفيد الأفغان ولا تساهم، كما تقوم به اليوم، في قطع أرزاقهم عبر تدمير محاصيلهم وتركهم دون بدائل معقولة.