الخميس 25 يناير 2007

سعد محيو


ما سر الفوضى العارمة التي تجتاح العالم هذه الأيام؟ وهل العسكرة والحروب التي لا نهاية لها، ستكون هي السمة الرئيس للقرن الحادي والعشرين؟
العديد من المحللين اليساريين الغربيين، يردَون بالإيجاب، ويرون إلى الفوضى كحصيلة طبيعية لنزوع العولمة النيو ليبرالية إلى فرض شروطها ومطالبها بالقوة على العالم. الصورة لهم تبدو كالآتي:

صفحة الحربين العالميتين الثانية والباردة (1945 1995) طويت. وفي المرحلة الحالية يتم تنفيذ المشروع الامبراطوري الجماعي للثالوث (الولايات المتحدة أوروبا اليابان)، الذي يلغي استقلال بلدان الجنوب، من جهة، ويقلص بشدة نفوذ شركاء واشنطن في هذا الثالوث، من جهة أخرى.

المرحلة الحالية تتسم في العمق، إذاً، بتنفيذ مشروع أمريكي شمالي للهيمنة على الصعيد العالمي. ويحتل هذا المشروع وحده اليوم المسرح بأكمله. فلا توجد خطة مضادة له، كما كان الحال في فترة الثنائية القطبية (1945-1990). المشروع الأوروبي دخل مرحلة التلاشي؛ وبلدان الجنوب (مجموعة ال،57 ودول عدم الانحياز) التي كانت تطمح أثناء فترة باندونغ (1955-1975) لأن تواجه الغرب في جبهة مشتركة، تخلت عن مشروعها. والصين نفسها، التي تعد فارساً وحيداً، ليس لها أي طموح سوى حماية مشروعها القومي (وهو نفسه ملتبس من جهة أخرى) ولا تطرح نفسها شريكاً في صياغة العالم. ldquo;الإمبريالية الجماعيةrdquo; للثالوث (وفق تعبير سمير أمين)، هو نتاج تطور واقعي للنظام الإنتاجي للمراكز الرأسمالية التي لم تنتج رأسمال ldquo;عابراً للقومياتrdquo; (كما يزعم الخطاب السائد الذي يتبناه الباحثان اليساريان هاردت ونيغري) بل أنتجت تضامناً بين احتكارات الأقليات القومية لمراكز النظام، والذين يعبَرون عن همهم في أن ldquo;يديروا معاًrdquo; ولفائدتهم، العالم بأسره.

لكن إذا كان ldquo;الاقتصادrdquo; يقرّب بين الثالوث، فإن السياسة تفرّق بينهم. واحتمال اندلاع الصراعات الاجتماعية يمكنه حينئذ أن يطيح بالدور الذي تؤديه الدولة في الاقتصار على خدمة رأس المال الكبير وخصوصاً في أوروبا. وفي إطار هذه الفرضية، ربما نرى نشأة تعددية مراكز من جديد تمنح أوروبا هامشاً من الاستقلال.

لكن يبقى أن تنفيذ ldquo;المشروع الأوروبيrdquo; كما هو الآن لا يمضي في هذا الاتجاه الضروري لرد واشنطن إلى العقل. ففي حقيقة الأمر هذا المشروع ليس إلا ldquo;الشطر الأوروبي من المشروع الأمريكيrdquo;. وعلى سبيل المثال، ldquo;الدستورrdquo; الاوروبي هو مشروع أوروبا التي تستقر على اختيارها المزدوج الليبرالي الجديد والأطلسي.

روسيا والصين والهند هم الخصوم الاستراتيجيون لمشروع واشنطن. لكن يبدو أن قادة هذه الدول يعتقدون أن بإمكانهم المناورة بدون الاصطدام بأمريكا. لا بل هم يسعون للاستفادة من صداقة الولايات المتحدة في الصراعات الناشبة بين بعضهم البعض. ldquo;الجبهة المشتركة ضد الإرهابrdquo; التي يبدو أنهم يندرجون تحتها تخلط الأوراق. ولعبة واشنطن المزدوجة هنا هي: مساندة الشيشان وسكان التبت (كما تساند بعض الحركات الإسلامية في الجزائر ومصر وغيرها)، من جهة، والتلويح براية ldquo;الإرهاب الإسلاميrdquo; لجذب موسكو ودلهي وبكين إليها، من جهة أخرى. هذه اللعبة المزدوجة، في ما يبدو، تعمل بكفاءة حتى اليوم على الأقل.

والحصيلة؟

إنها واضحة: الهيمنة الأمريكية ستستمر طالما لم يتم التحالف، أو على الأقل التقارب، بين العمالقة الأوروبيين والآسيويين (أوروبا، روسيا، الصين، الهند)، وطالما لم يجذب هذا التحالف إليه بقية دول آسيا وإفريقيا إليه ليعزل أمريكا. هل هذا التحليل في محله؟