سّيار الجميل



لأسباب أميركية غامضة ومتعددة ومنها اقتراب الانتخابات اندفعت الولايات المتحدة الآن إلى إثارة موضوع السلام في الشرق الأوسط، ولما كانت تعشق دوما أن تحل قضايا العالم على أراضيها، فقد اختارت هذه المرة مدينة أنابوليس التاريخية الساحرة عاصمة ولاية ميريلاند كي تكون مقرا لمفاوضات سلام الشرق الأوسط في نوفمبر القادم، لتنضاف أسماء جديدة على القضية المركزية مثل كامب ديفيد وواي ريفر.

ولكن أنابوليس الواقعة 50 كم شرقي واشنطن دي سي لها تاريخ حافل يعود إلى عهد الاستعمار لأكثر من ثلاثة قرون مضت، وفيها انعقد المؤتمر القاري في مبنى دار الحكومة عام 1784 للتصديق على معاهدة باريس التي أنهت حرب الثورة الأميركية.

ولم يزل دار الحكومة يعمل حتى يومنا هذا، وبالرغم من صغر المدينة الا انها تعتبر من لواحق واشنطن . وتشتهر بأكاديميتها البحرية وبموقعها الاستراتيجي البحري.

اذا كانت السيدة الين موير رئيسة بلدية انا بوليس سعيدة جدا بتصريحها للواشنطن بوست بمؤتمر السلام ويشرفها ان تدخل مدينتها التاريخ من جديد كي ينبثق فجر السلام في الشرق الأوسط، فان يهود اولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي غير سعيد البتة عندما قال وهو يقوم بدور تهدئة احزاب اليمين المتشدد التي تشاركه في ائتلافه الحكومي خوفا من منح تنازلات للفلسطينيين، وخصوصا ما اصطلح على تسميته بـ laquo; قضايا الحل النهائي raquo;، قال: laquo; ان أنابوليس ليست المكان المناسب لإعلان السلام raquo; .

وشكك في عقد الاجتماع تهربا من عجزه السياسي الذي رافقه منذ يوليو 2006، فهو غير قادر على الموافقة لانبثاق اتفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين، خصوصا وانه ملزم بتنازلات أساسية يقدمّها، ومنها ما يتعلق بالحدود والقدس واللاجئين والمياه والمستوطنات .

ان اولمرت اليوم هو نقطة ضعف اسرائيل، واذا كان اغلب رؤساء الأحزاب والزعماء الإسرائيليين يريدون منه التنحي كي يسقط، فانه يناور إزاء الضغوط الأميركية كي يذهب إلى أنابوليس التي يريدها الرئيس الأميركي بوش ليعزز الموقف الأميركي ويترجم فيها ما طرح من وعود سابقة.

ولكنه سيذهب إلى أنابوليس كي يكون ايجابيا مع الرئيس بوش والموقف الأميركي، ثم يكسب التأييد من الدول العربية خصوصا وان المواجهة ضد إيران ساخنة، ولعل الأهم ان مفاوضات أنابوليس ستمنع أو تؤجل انهيار حكومته المترنحة.

ومن يقرأ ويتابع الأحداث على الساحة سيجد ان اولمرت قد استنفر بسياسته كل إسرائيل وكأنه في حالة حرب وليس كمن يذهب لمؤتمر سلام بدليل عمليات المطاردة والاعتقال والقتل والقصف والحصار ومصادرة الأرض والحواجز والتقطيع وإدماج المستوطنات وإنشاء طرق للفصل في الضفة الغربية.

ان إسرائيل لم تفتح اي صفحة جديدة يمكنها ان تشعل ضوءا اخضر لإطفاء الحريق الذي استمر طويلا، انها لا تحسبها لا بالطريقة التي تعتقد بها الولايات المتحدة، ولا بالطريقة التي يؤمن بها العرب ولا بالطرائق التي يتصارع من اجلها الفلسطينيون فهي تعتقد ان الولايات المتحدة لم تعد تصنف مشكلتها في الصراع مع الفلسطينيين هي الأولى في الشرق الاوسط، لقد ازدحم هذا الاخير بمشكلاته.

ولكن الولايات المتحدة لم يعد باستطاعتها تهميش الدور العربي المطالب بحل جذري للفلسطينيين إلى ما لا نهاية. وعليه، فان إسرائيل تدرك إدراكا عميقا ان مؤتمر أنابوليس مجرد استعراض سياسي وإعلامي يصفق له العرب وسيخرجون منه كما دخلوه لأول مرة، بل سيكون خروجهم مدعاة لتقديم شكرهم للولايات المتحدة وستخرج إسرائيل كما خرجت آخر مرة ! فهي ليست اليوم في وضع تقدم فيه اي تنازلات على عكس الوضع الفلسطيني الذي ازداد انقساما وتفسخا ويا للأسف الشديد .

وتبقى المشكلة اسرائيلية دوما، فهي تصر على تقديم أفكار غامضة وتحول دوما والاتفاق على جدول مبادئ يحدد بجدول زمني لحلحلة كل القضايا العالقة، وعرقلة نشوء الدولة الفلسطينية واعادة القدس الشرقية وحل قضايا اللاجئين والمعتقلين، كلها مسائل محددة ومباشرة وعليه، فإنها تصر على وثيقة مبادئ عامة ومبهمة مع شطب نزق على القدس واللاجئين.

وهذا ما جعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعلن موقفه بصراحة بعدم ذهابه للمؤتمر بأي ثمن وإصراره على تحديد وثيقة المبادئ وبتواريخ محددة، مما جعل كوندوليزا رايس تطرح بأن المحادثات في المؤتمر ستكون مجدية ومنتجة وهنا طالب الموقف المصري تأجيل عقد المؤتمر شهرا كاملا حتى تحدد وثيقة المبادئ المحددة.

وأخيرا: ما الذي يمكنني قوله؟

لا أحد يدرك ما بجعبة الولايات المتحدة من مفاجآت إقليمية في الشرق الأوسط، وما تكون قد خططت له نحو العام 2008، ولكن علينا ان نقرأ ما يكمن وراء الخطط والمشروعات الأميركية، وخصوصا ماذا يكمن وراء أنابوليس؟ ما الذي تريد الولايات المتحدة الحصول عليه طبقا لما تتطلبه بقية مشكلات الشرق الاوسط، ومن أبرزها مشكلة إيران دوليا واقليميا ومحليا، ومشكلة تركيا اقليميا ومحليا، ومشكلة سوريا محليا، ان انابوليس جزء من المشكلة وليس كلها، وهي حلقة وسيطة بين حلقات .

وللعلم اقول، انه في حالة فشل انابوليس، ستزداد شراسة اسرائيل محليا واقليميا وستندفع بأعمال تشغل فيها الرأي العام العربي والإسلامي، وربما سيتطور الموقف إلى مؤتمر قمة عربي.

في حين تتفرغ الولايات المتحدة من خلال العراق لمعالجة ما تكون قد خططت له ضد إيران بشكل خاص من دون سوريا، واعتقد ان التحرك التركي المتمثّل بالتهديدات ضد الأكراد في العراق جزء من الصفقة الجديدة، اذ علينا ان نسأل دوما: أين تكمن مصلحة الولايات المتحدة الأميركية من أي تحرك تقوده أو أي حدث خطير تتغاضى عنه في الشرق الأوسط؟