وليد شقير
هل هي صدفة ان يسبق قادة الأكثرية في لبنان، وسط التأزم السياسي المتصاعد بينهم وبين المعارضة، قادة laquo;حزب اللهraquo; الى تلقف ما قاله الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه لمناسبة ذكرى عاشوراء الثلثاء الماضي، عن ان الحل في لبنان لا يمكن ان يكون إلا سياسياً، وليس بالعنف، مؤكداً رفضه الانجرار الى الفتنة المذهبية والحرب الأهلية؟
وهل ان ملاقاة قادة الأكثرية لنصرالله بخطاب مماثل يرفض الحرب الأهلية مثلما قال زعيم تيار laquo;المستقبلraquo; النائب سعد الحريري انه يفضل الموت على قرار الانزلاق إليها، وترحيب laquo;القوات اللبنانيةraquo; بإيجابية نصرالله ثم دعوة رئيس laquo;اللقاء النيابي الديموقراطيraquo; وليد جنبلاط الى تجديد الحوار؟ هل ان هذه الملاقاة صعبة الى هذا الحد على قياديين آخرين في laquo;حزب اللهraquo;، انبروا على المنابر إلى إطلاق المواقف التي تهدد بالويل والثبور والتي تخوّن بعض قادة الأكثرية وتدعو الى قتلهم، وتهين وزراء في الحكومة لأنهم رفضوا الاستقالة بناء لطلب المعارضة؟
وهل ان تسجيل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بأن ما أعلنه نصرالله باسم المعارضة ككل، هو تأكيد مشكور لنبذ استخدام السلاح، يعني ان ما قاله الأمين العام للحزب بلغ مسامع السنيورة ولم يبلغ مسامع بعض معاونيه وقادة حزبه أو أنهم تأخروا في استيعاب مغزاه فواصلوا تصعيدهم الكلامي والتعبئة السياسية التي توقظ حساسيات الفريق الآخر كأن نصرالله لم يقل ما قاله؟
تجربة الأيام الماضية، حيث تناقض أداء بعض مسؤولي الحزب ووسائل الإعلام التابعة له، مع توجهات نصرالله في الخطبتين الأخيرتين اللتين ألقاهما وقبلهما في ندائه الى المناصرين للخروج من الشارع بعد صدامات يوم الخميس الدامي بين هؤلاء وبين بعض مناصري قوى الأكثرية، هي التي توجب طرح هذه الأسئلة.
وبصرف النظر عما اذا كانت المواقف العلنية المعتدلة اللهجة بعد مواجهات يومي الثلثاء والخميس الماضيين التي اخذت طابعاً خطيراً، ستؤدي الى حل جذري للأزمة السياسية القائمة ام لا، أليس علامة سلبية ان يرفض بعض قادة الحزب، وبعض حلفائه من قادة المعارضة ان ينسجموا معها، ولو بهدف التهدئة، في انتظار ما سيكون وإلى ان تظهر نتائج الاتصالات الخارجية الجارية على قدم وساق خصوصاً الاتصالات الإيرانية - السعودية، لا سيما ان نصرالله امتدح مساعي طهران والرياض لمساعدة اللبنانيين على التوصل الى الحلول؟
ولئن كان بعض التفسيرات حول تناقض أداء بعض قادة الحزب مع خطاب الأمين العام يذهب الى حد التحدث عن عدم قدرة الحزب على الملاءمة بين حاجة الحليف الإيراني الى بعض الاستراحة، وسط تداخل عوامل عدة تفرضها المصلحة العليا على الصعيد الإقليمي بعدما صدر قرار مجلس الأمن الرقم 1737 على طهران في شأن فرض عقوبات ضدها، وبين حاجة الحليف السوري الى إبقاء جذوة التصعيد قائمة مهما كانت الظروف الإقليمية، فإن تفسير هذا التناقض يحتاج الى التعمق أكثر في ما ستذهب إليه الاستراتيجية الإيرانية، التي سترتسم خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة. ففي 23 الشهر الجاري تنتهي مهلة الـ60 يوماً التي حددها القرار 1737. فإذا كانت طهران تهتم لخفض الاندفاعة الدولية الضاغطة عليها بصدور هذا القرار بالإجماع، فإن خط الاتصالات الذي فتحته مع الرياض بعد صدوره سيندرج ضمن سياق تلك الاستراتيجية التي يفترض ان تحسم ما اذا كانت طهران ستواصل التصعيد عبر أوراقها الإقليمية كلها، بما فيها لبنان، ام انها ستسعى الى التهدئة، بدءاً بالتوافق مع المملكة العربية السعودية، في العديد من الميادين وفي طليعتها لبنان؟
ثمة تفسير اقل تعقيداً، لهذا التناقض بين اداء قادة في الحزب وإعلامه مع خطاب السيد نصرالله، فإذا كان الأخير اشتم في سرعة الحاجة الى خفض منسوب التوتر المذهبي لأنه يوقع الحزب في المحظور المدمر، فإن بعض قادة الحزب لم يستطع التكيف مع الأمر. لقد اضطر هؤلاء الى تضخيم مطالبهم بالمشاركة في السلطة وإعطائها ابعاداً مصيرية، وأوقعوا انفسهم في اختراع اتهامات الخيانة والعمالة لخصومهم، ورفعوا شعار إسقاط الفريق الحاكم، وذلك للتغطية على المطلب الضمني الذي من اجله قاموا بكل هذه الحركة الاحتجاجية، أي تجميد قيام المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الحريري. لقد كان الشعار العلني لهذه الحركة الاحتجاجية هو قيام حكومة الوحدة الوطنية تجنباً للحساسية المذهبية التي يسببها مطلب تجميد المحكمة. فإذا بالأحداث تقود laquo;حزب اللهraquo; الى الفتنة المذهبية على رغم ذلك، فضلاً عن ان المفاوضات الجارية في الكواليس اخذت تخرج المحكمة الى صدارة البحث... هل هذا ما يصعّب على بعض قادة الحزب الانسجام مع خطاب التهدئة؟ ربما هذا ما يتطلب المراجعة.
التعليقات