الجمعة 16 فبراير 2007

د. إبراهيم البحراوي

تعلقت عيون المراقبين في نهاية الأسبوع الماضي بمكة المكرمة حيث انعقد مؤتمر الوفاق الوطني الفلسطيني، وبالقدس حيث شرعت الحكومة الإسرائيلية في عمليات حفر استفزازية عند بوابة المغاربة في المسجد الأقصى بالتزامن مع مؤتمر مكة.
السؤال الذي راح يحلِّق هو: ترى هل تمثل عمليات الحفر كميناً إسرائيلياً مبكراً يجهز لإجهاض الهدف الرئيسي الذي من أجله انعقد مؤتمر مكة؟ السؤال وارد وصحيح خاصة أننا نعلم أن تركيز العرب والفلسطينيين اليوم منصب على كسر الجمود الذي فرضته السياسات الأميركية والإسرائيلية على عملية السلام من خلال الحصار الذي ضُرب أولاً على ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني المعتدل، الذي دشن عملية السلام مع إسرائيل.. ثم ضرب ثانياً على الشعب الفلسطيني بحجة صعود quot;حماسquot; إلى الحكم.
المشكلة الحقيقية التي تواجه إسرائيل اليوم هي، أن ينجح الفلسطينيون فعلاً في كسر هذا الجمود الموافق للأهداف التوسعية الإسرائيلية، من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية بين وريث ياسر عرفات في رئاسة الدولة محمود عباس وبين حركة quot;حماسquot; الإسلامية، على قاعدة الاعتراف الضمني والصريح بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل طبقاً لأحد الشروط التي تفرضها الرباعية الدولية، من أجل رفع الحصار الاقتصادي واستئناف عملية السلام.
في إطار هذه المشكلة التي تواجه إسرائيل وتقضي على مخططات الحل المنفرد والانطواء، التي توافقت عليها قوى الحكومة الحالية، كان لابد أن يستعاد المخطط القائم على كمين المسجد الأقصى. الإسرائيليون يعرفون المشاعر العربية والإسلامية تجاه المسجد وسبق لهم أن سمحوا لشارون عام 2003، وهو أحد قادة المعارضة يومها، باقتحام ساحته ليستفز مشاعر الفلسطينيين ويدفعهم إلى الانفجار والانتفاضة، بهدف استخدام حالة الصراع الجديدة ومشاهدها الدامية لدفن عملية السلام التي كانت قد انطلقت بالثلاثي كلينتون -باراك- عرفات، في quot;كامب ديفيد الثانيةquot;، وتواصلت بعد ذلك في طابا.
من هنا يبدو السؤال المطروح الذي يربط بين مؤتمر مكة وحفريات القدس، سؤالاً صحيحاً وفي مكانه. وبما أنه -من وجهة نظري- صحيح، فإن المطلوب من العرب أن ينتبهوا رغم كل انحيازهم لقضية المسجد الأقصى، من طبيعة الكمين المنصوب لهم. إن المطلوب هنا نوع من الإدارة السياسية المركبة والحازمة لردم الكمين الإسرائيلي بالضغوط الدولية والعربية والإسلامية، مع الحفاظ على الحد الأدنى من أشكال الاحتجاج السلمي الفلسطيني الداخلي الذي لا يسمح للإسرائيليين باستخدامه للقول إن الساحة الفلسطينية- الإسرائيلية قد اشتعلت بما لا يوفر البيئة اللازمة لاستئناف عملية السلام.
إن ردود الفعل الدولية التي رحبت باتفاق مكة، ما زالت مقرونة بالحذر والترقب لما ستفرزه اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، من مواقف تلبي طلبات الرباعية الدولية الثلاثة، وهي نبذ العنف، والاعتراف بإسرائيل، والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة معها. يبدو هذا واضحاً في قول المتحدثة باسم خافيير سولانا مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، بأن الاتحاد الأوروبي يدرس الاتفاقية بطريقة إيجابية لكن حذرة، وأن الاتحاد سيبحث عن قرب في كيفية امتثال الحكومة الفلسطينية الجديدة للمبادئ التي وضعتها الأسرة الدولية لاستئناف المساعدات والعلاقات مع الفلسطينيين. إن رد فعل اللجنة الرباعية الذي صدر يوم السبت بعد مشاورات هاتفية بين أعضاء اللجنة، يحمل نفس الطابع المرحب في حذر وترقب.
معنى هذا، أن اتفاق مكة ما زال محل اختبار من جانب القوى الدولية، وهو ما يفتح الباب للإسرائيليين لمحاولة إفشال الطرف الفلسطيني في هذا الاختبار سواء من خلال كمين القدس أو من خلال الجهود الدبلوماسية مثلما فعلت وزيرة الخارجية الإسرائيلية في ميونيخ، عندما طالبت المجتمع الدولي بالانتباه إلى خطورة الاعتراف بحكومة تقودها quot;حماسquot; التي ما تزال ترفض الاعتراف بإسرائيل. ولعل تعليق وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان يشير إلى جهود إسرائيل المؤكدة لإجهاض مؤتمر مكة ونتائجه الإيجابية المتوقعة. فقد قال ليبرمان إنه يخشى أن تحظى الحكومة الفلسطينية الجديدة باعتراف دولي دون أن تتخلى quot;حماسquot; عن برنامجها.
إن الفرصة التي فتحتها دول الخليج ومصر والأردن، عندما طالبت -في تقديري- مقابل تأييد خطة بوش الجديدة في العراق، بضرورة اختزال quot;خريطة الطريقquot; وكسر الجمود وفتح أفق التسوية النهائية، قد عززها مؤتمر مكة، ولاشك ستعززها قدرة السعودية أيضاً بتسويق الاتفاق دولياً.. وهنا علينا أن ننتبه إلى أن هذه الفرصة ليست موضع ارتياح أو ترحيب إسرائيليين بكل نتائجها، ومن الطبيعي أن ينصب لها الإسرائيليون الأكمنة المختلفة بهدف إثناء واشنطن عن المضي فيها بجدية، والاكتفاء بتحركات صورية.
المطلوب إذن ألا يقع العرب في أي كمين بدءاً من كمين الحفريات بالقدس، وانتهاءً بكمين العلاقات العامة في واشنطن.