غازي العريضي

وحتى الساعات الأخيرة حيث صدرت مواقف إيرانية متناقضة عن كبار المسؤولين في الجمهورية الاسلامية تراوحت بين التشدّد وترقب إعلان مفاجآت من قبل الرئيس أحمدي نجاد في ذكرى الثورة ثم أجّل ذلك الى 9نيسان المقبل، وتهديد بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي ووقف التعاون مع وكالة الطاقة الذرية الدولية، وبين إبداء المرونة والاستعداد للبحث في كل الأمور، وتسريب معلومات عن مقترحات سبق أن تقدمت بها إيران كأساس للحوار مع أميركا بشكل خاص ومع المجتمع الدولي عموماً. وبين هذه المواقف وتلك هدد المرشد العام للثورة الاسلامية الإمام الخامنئي بضرب المصالح الأميركية في العالم إذا ما هوجمت بلاده، ورفع الرئيس نجاد وتيرة خطابه وتهديده باستخدام أوراق إيران الكثيرة في المنطقة والعالم في حال وقعت المواجهة أيضاً. ويرافق ذلك تحرك كبير في الداخل الإيراني ونقاش واسع ينطلق من حق إيران السيادي في امتلاك السلاح النووي، في ظل ما يشهده العالم، وتتداخل عناصر النقاش فيما بينها، لتبرز قضية المحرقة بحق اليهود ومواقف نجاد منها التي أحرجت دولاً تناهض السياسة الأميركية وعلى رأسها روسيا ولم تتمكن من قبولها، بل وانتقدتها بقوة، وكذك مواقف نجاد من اسرائيل والدعوة الى إزالتها والحديث عن زوال أميركا، وصولاً الى مد أيدي وألسنة بعض المسؤولين الايرانيين الى ساحات وقضايا عديدة في العالم لاسيما في منطقتنا من ايران الى العراق، والخليج عموماً، الى سوريا وفلسطين ولبنان!!

وبغض النظر عمّا يمكن أن تحمله هذه النقاشات من نتائج، فإن الأيام المقبلة ستحدد اتجاهات التعامل الدولي مع ايران. وكذلك اتجاهات تعامل ايران مع كل هذه المسائل وسيكون لذلك انعكاسات كبيرة على المستوى الإقليمي والدولي، الذي يمكن تلخيص الوقائع المحيطة فيه بالأزمة الايرانية - الدولية والاحتمالات المرتقبة على النحو التالي :

- تشدد أميركي في تطبيق القرارات الدولية والزام ايران بتعليق العمل في منشآتها النووية ووقف طموحاتها في هذا المجال. وقيادة حملة دولية كبيرة لتحقيق إجماع ضد ايران إذا رفضت التجاوب مع المجتمع الدولي، وثمة من يتحدث أيضاً عن استعدادات أميركية لضرب ايران، حتى من دون إجماع في حال عدم تمكن المجتمع الدولي من إقناعها بالحل المبني على القرارات الدولية ذات الصلة. وبطبيعة الحال سيكون لذلك تداعيات دراماتيكية خطيرة في ظل الأخطاء الأميركية الهائلة والغطرسة الأميركية التي ميزت سياسة إدارة الرئيس بوش. ولا أدري إذا كانت تعلمت شيئاً حتى الآن لتدير الأمور بطريقة أخرى.

بمعنى آخر الضربة الأميركية لايران لا تحقق ربحاً للأميركيين بالتأكيد، لكنها ستلحق بايران خسارة كبرى، وستعيدها سنوات الى الوراء، وأعتقد أنها في غنى عنها، وهي دولة أثبتت حضورها وقوتها وفعاليتها ولها تأثيرها في العراق، وفي الخليج، وفي فلسطين ولبنان وسوريا فلماذا تغامر وتضحي بكل شيء ؟؟ هكذا يقول المنطق، وعلى أساسه تكون الممارسة، ويمكن في نهاية المطاف تجنب الحرب، والدخول في عملية تحفظ مصالح ايران، لكن يجب أن تحفظ بالتأكيد مصالح الآخرين، خارج إيران، خصوصاً الدول التي تحاول ايران التدخل في شؤونها الداخلية والتعاطي معها كأوراق في يدها أو تريد تصدير ثقافتها وثورتها وعاداتها وتقاليدها وأفكارها اليها في وقت لم يعد مقبولاً فيه هذا الشيء، ولا يمكن أن يساهم في خلق تعاون حقيقي بينها وبين دول لا تريد حروباً في المنطقة. والذي يرفض quot;الاستكبار العالميquot;، وquot;الهيمنة الأميركيةquot;، لا يمكن أن يبني علاقة مع دول أخرى، تشعر معها هذه الدول، أن هذا الطرف يريد هيمنة ويتصرف باستكبار معها ويريد التدخل في كل شيء عندها!!

- النجاح الدبلوماسي في كوريا الشمالية، وفتح آفاق للتعاون الدولي - والأميركي خصوصاً - معها. وتوجيه رسالة الى ايران بإمكانية تحقيق الشيء ذاته معها إذا أرادت. مع التذكير بحل quot;لوكربيquot; مع ليبيا!! واستعداد عدد من الدول للدخول في اتصالات مكثفة وحثيثة لإنقاذ الموقف وتلعب المملكة العربية السعودية حديثاً دوراً مهماً في هذا المجال نظراً لانفتاح إيران عليها وإبداء الرغبة في علاقات طيبة معها.

- إعلان أوروبا خشيتها من العجز الدولي عن وقف برنامج إيران النووي، والتحذير من خطر المشروع الإيراني.

- إعلان وكالة الطاقة الذرية الدولية فشل المفاوضات مع إيران.

- هجوم روسي بلسان الرئيس بوتين على السياسة الأميركية أطلق من ألمانيا في مؤتمر شاركت فيه إيران. وكانت الأضواء مسلطة على علي لاريجاني المفاوض الإيراني حول الملف النووي، فخطفها الرئيس بوتين باعلانه مواقف حادة تجاه السياسة الأميركية داعياً الى نظام متعدد الأقطاب (وأنا شخصياً مع هذا التوجه) وساعياً الى تعزيز الدور الروسي في العالم وخصوصاً في منطقتنا، وذلك قبل أن ينتقل الى المملكة العربية السعودية في زيارة تاريخية كان الملف النووي الإيراني حاضراً فيها بقوة. هل يعني ذلك ان بوتين يريد حماية ايران ؟؟ وسيتخلى عن القرارات الدولية ؟؟ ولا يريد التعاون الدولي ؟؟ بالتأكيد لا. إنه يريد مصالح روسيا التي ترعى بناء المفاعل النووي في ايران لأغراض سلمية وقدمت مقترحات لإنتاج مشترك على أرض روسيا تزود منه ايران. ولا مصلحة لروسيا في ايران نووية على حدودها. كما لا مصلحة لها في أميركا ممتددة الى دول على حدود روسيا وكانت في فلكها سابقاً!! وهذه هي قواعد اللعبة. لعبة مصالح الدول. لقد سقطت أميركا في أفغانستان والعراق. وتجاهلت روسيا. تقدمت الى حدودها وتجاهلت مصالحها. وتواجه مشكلة في ايران وهي على حدودها. وروسيا لها مصلحة في المنطقة العربية، وتعود فاعلة فيها. إذاً لا بد من شراكة. لا بد من اتفاق. لا بد من صفقة والعالم كله والتاريخ أيضاً قائمان على هذا الأساس. حيث تتم الصفقات تنتهي الأزمات. وحيث لا صفقات تكون صفعات وأحياناً تتم الصفقات في مكان وتكون الصفعات في مكان آخر.

ولذلك، وهو يهاجم أميركا وسياستها أعلن الرئيس بوتين استعداده للتعاون، وخرجت مصادر روسية تتحدث عن استعدادات لتعاون استخباراتي ولوجستي مع الأميركيين في أفغانستان وهذا عرض مهم جداً. إذاً يد مرفوعة من فوق فيها تهديد ويد أخرى مبسوطة على الطاولة لاتفاق أو عقد جديد !!.

- إعلان إغلاق الحدود العراقية مع كل من ايران وسوريا مع ما سبق ورافق ذلك من تصريحات تنتقد دور الدولتين في تأجيج العنف في العراق وتهديد الاستقرار فيها.

- إعلان اتفاق مكة بين الأخوة الفلسطينيين من المملكة العربية السعودية. أيده الروس، والأوروبيون، ولم يفعل ذلك الأميركيون. وكان حذر في ايران وسوريا. إيران التي استقبلت الأمين العام للجهاد الاسلامي رمضان شلح أثناء انعقاد لقاء مكة. والجهاد نفذت عملية ضد الاسرائيليين في تلك الأثناء أيضاً، ثم أعلنت موافقتها ولكنها قالت : لا قيمة لأي اتفاق بدون المقاومة!! لا ايران ولا سوريا تريدان من القلب أن تكون المملكة صاحبة القرار في هذا الشأن. ويبقى للأيام المقبلة ان تثبت صدق النوايا، لأن حديثاً بدأ يتسرب عن تعقيدات تواجه الاتفاق وتنفيذه ولا شك في أن الموضوع الفلسطيني مهم للجميع للكبار في العالم كما للاعبين في المنطقة!!.

- صدور مواقف من اسرائيل تتحدث عن استعدادات اسرائيلية لضرب ايران.

أما الوقائع والمحطات في منطقتنا، فيمكن تلخيصها وتحديد الاستحقاقات التي تنتظرها وينتظرها الجميع على الشكل التالي:

1- زيارة الرئيس بوتين الى الرياض (حصلت واشرنا الى موقعها).

2- مناقشة الملف النووي الايراني في مجلس الأمن خلال الأيام المقبلة (وهذا موضوعنا اليوم).

3- مناقشة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لآخر خطوات تطبيق القرار 1559المتعلق بلبنان الشهر المقبل.

4- مناقشة تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتز في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهر المقبل.

5- انعقاد القمة العربية في الرياض نهاية الشهر المقبل.

6- احتدام الصراع في لبنان حول المحكمة الدولية للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت وأبرزها اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وترافق ذلك مع موقف سوري سلبي من إمكانية عقد اتفاق بين اللبنانيين وممارسة ضغوطات كبيرة عليهم، واستمرار مسلسل الارهاب في الداخل، وتهديدات في الجنوب لليونيفيل واختراقات اسرائيلية وانتهاكات متكررة للقرار الدولي

1701.وثمة من يقول، بأنه إذا ما تعرضت ايران لضربة سوف يرد حزب الله في لبنان. وهذا خطر كبير بالتأكيد وسيجر ويلات كثيرة علينا، لكنه سيكرس نظرة عند كثيرين في العالم مفادها أن حزب الله يدافع عن المشروع الايراني والمصالح الايرانية ويلتزم توجهات القيادة الإيرانية.

في كل الحالات ما يمكن قوله اننا أمام أسابيع قد تحمل صفقات أو صفعات أو الاثنين معاً كما قلت : صفقة هنا وصفعة هناك.

نحن لا نريد إلا الخير لكل الدول في المنطقة. ولا نريد إلا السلام والاستقرار والحل للقضية الفلسطينية على قاعدة القرارات الدولية واحترام حقوق الفلسطينيين في أرضهم وإقامة دولتهم عليها وقد دفعنا ثمناً كبيراً لذلك وحدنا في وقت كان غيرنا يستثمر جهادنا ونضال مقاومتنا ودماء شهدائها على طاولة التفاوض مع اسرائيل تحت عنوان الصراع العربي الاسرائيلي. ونحن ملتزمون في هذا الإطار بالمبادرة العربية التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ولا تزال القاعدة الصالحة للحل.

فلا نريد حلاً لمصلحة هذا وتعطيلاً لمصلحة ذاك على أرضنا. لذلك لا نريد الصفقة على حسابنا ولا نريد بالتأكيد الصفعة لنا !!.