الأثنين 19 فبراير 2007
أراد تشرشل تسريع الأسطول فأصبح العراق مهما للغاية
لواءان من الهند احتلا الفاو والبصرة حتى الناصرية
تأليف: جورجينا هاويل
تعريب وإعداد: محمد حسن ومحمد أمين
تركز الجزء الاساسي من عمل غيرترود على العراق او منطقة ما بين النهرين التي باتت تحتل اهمية كبرى مع نشوب الحرب الاولى.
فمنذ بداية الحضارة ظلت هذه المنطقة التي تقع بين نهري دجلة والفرات توفر منطقة خصيبة في شمال الصحاري العربية، كما انها تقع في الطريق الى المحيط الهندي، عبر مياه الخليج.
بدأت 'حملة العراق' في عام 1914 بقرار صدر عام 1911 عن الادميرال البحري جون فيشر وونستون تشرشل بتطوير سرعة الاسطول البريطاني عن طريق تحويل سفنه من استخدام الفحم الى النفط.
وقد اصبحت مسألة ضمان مصدر للنفط الخام تسيطر عليه بريطانيا تحتل الاولوية.
النفط في زاغروس
حتى عام 1908 كانت اميركا وروسيا اكبر موردين للنفط غير ان انتاج اذربيجان بدأ ينضب كما انه لم يكن تحت سيطرة البريطانيين، وفي ذلك العام تم اكتشاف النفط من قبل شركة نفط بورما البريطانية في سفوح جبال زاغروس في الحدود فيما بين العراق وايران. وكانت الشركة تزود شركة النفط الانكلو- فارسية الجديدة بزيت الوقود الذي ينقل مسافة 138 ميلا الى الجنوب حتى عبادان حيث توجد مصفاة جديدة للنفط في الضفة الشرقية لشط العرب.
ووفرت الحكومة البريطانية مبلغ 2.2 مليون جنيه وامتلكت نسبة 51 في المائة من اسهم الشركة، وذلك بالاضافة الى عقد مدته عشرين عاما لتزويد الاسطول بالوقود.
حرب على العراق
وقد توافرت الآن اسباب جديدة تدعو البريطانيين للدخول في حرب مع الاتراك في العراق وذلك لتأمين النفط وانابيبه ولحماية الطريق الى الهند والتزود بالقمح من وادي الفرات، ومنع الاتراك من استخدام خط سكة الحديد الذي يربط بغداد والبصرة لنقل الجنود، وتقديم المساندة لمسرح العمليات الحربية.
وبينما تم ضبط تحركات الجيش المصري كانت الحكومة البريطانية مشغولة باوروبا، فان افضل ما كانت تستطيع حكومة بريطانيا القيام به هو ارسال الاوامر الى الهند من اجل الحفاظ على المصالح البريطانية في الشرق الاوسط. وبسبب توقعها لتحركات عدوانية تركية كانت الهند قد ارسلت مسبقا لواء عسكريا الى منطقة الخليج حيث تمكنت في وقت لاحق من السيطرة على القلعة التركية في الفاو ومحطة الاتصالات البرقية الواقعة في مصب نهر البصرة حيث تم دفع العدو باتجاه نهر دجلة وبعدها تمكنت فرقتان من التوغل اكثر داخل العراق تحت قيادة الجنرال نيكسون حتى تمت السيطرة على الناصرية.
بوادر الثورة
والحكومة البريطانية في الهند كانت لديها اسبابها الخاصة للغضب من ويستمنستر او الحكومة البريطانية. ففي مذكراته (سنواتي في الهند) كتب المندوب السامي حينها لورد هاردينغ عن قناعاته بأن الحرب ستحسم في مقاطعة الغلاندرز، وانه كان على بريطانيا تركيز جهودها هناك وانهاء الحرب، كما يصف المطالب المستمرة من حكومة بلاده الى حكومة الهند لإرسال الجنود، وعتاد الحرب الى فرنسا، وشرق افريقيا والدردنيل، وسالونيكا وغيرها. وفي احتسابه للجهد الذي بذلته الهند لمواجهة مطالب وزارة الحربية اشار الى تجنيد 300 الف جندي هندي وتوفير 70 مليون طلقة من ذخائر الاسلحة الخفيفة، و60 الف بندقية و550 مسدسا، بالاضافة الى الخيام والاحذية العسكرية والملابس وسروج الخيل، وبحلول الوقت الذي وصلت فيه الحرب ذروتها كانت الهند، حسب وصفه قد 'استنزفت تماما'، ولم يعد لديها ما يمكن ان تقدمه. وزادت التلميحات الى إمكان اندلاع الثورة العربية من ارتفاع الضغط لديهم لأن ذلك قد يجلب الدمار الى الهند، فهو لن يدعم طموحات شريف مكة لأن بروزه سوف يجلب العديد من المشاكل مع المسلمين الشيعة وامارات منطقة الخليج.
مناورة بريطانيا
وكان المندوب السامي في الهند يحكم اكبر عدد من المسلمين في العالم والمطالب التي تفرضها عليه وزارة الحربية تثير العديد من المشاكل. فالجيش التركي مسلم بالكامل تقريبا، وهو مكون من اتراك وعرب تم تجنيدهم من الصحراء وارسال جنود هنود، العديد منهم من المسلمين لمحاربة الاتراك في العراق انما يعني ان البريطانيين يقودون الجندي المسلم لمقاتله الجندي المسلم، وقد فاقم هذا الامر الولاء الذي يكنه المسلمون الهنود للخليفة العثماني في تركيا.
وبالنسبة للمندوب السامي فإنه لم يكن يفهم ان تثير بريطانيا المزيد من التمرد في اوساط المسلمين عن طريق تشجيع العرب على الثورة ضد الحكم التركي المسلم، فالمؤسسات الاسلامية البارزة في الهند مثل خدام الكعبة واللجنة المركزية لعموم مسلمي الهند كانت مؤيدة لتركيا، وكان مكتب المستعمرات في ذلك الوقت يتفق مع المندوب السامي بأن الانتفاضة العربية لن تؤدي الى فائدة كما كانت لندن ونيودلهي مقتنعتين على كل حال بأن الثورة لن تقع، وانها ان حدثت فإن مصيرها سيكون الفشل.
لورنس يتأهب
ومع ذلك، وبحلول ربيع عام ،1915 كان لورنس يتوق الى ترك عمله في رسم الخرائط والعودة الى حلبة العمل والنشاط. وكان قد اعد خطة تقود الى الاسراع في احتلال دمشق واسقاط آمال الفرنسيين في سوريا، غير ان شعور غيرترود كان مختلفا فقد كانت متأثرة بموت الرجل الذي احبته. وقد ادى شعورها بالاكتئاب اخيرا وضغوط العمل الى معاناتها من اعياء جسدي لفترة قصيرة. وقد ساعدها على التغلب على ذلك ركوبها للخيل في ساعات الصباح الاولى للترويح، كما ساعدها العمل في التغلب على مشاعرها وقد يكون لورنس، أو ربما مع هوغارت و وولي، قد ساعدها في زيارتها لقبر دوني - وايلي. وعلى كل حال فقد بدأت غيرترود تقدر بعض الجوانب الإيجابية وكذلك جوانب النقص في زميلها غير العادي. وأصبح الاثنان أصدقاء وقد كان من الواضح انهما سيصحبان أشهر من عمل في 'المكتب العربي' حيث تمكنا من العمل على تحقيق أحلامهما رغم كل العقبات. وسيكون لورنس أول من حقق حلمه بأن يتحول إلى أسطورة وهي عندما سمعت بمغامراته بدأت تتوقف إلى العمل بحرية مرة أخرى.
وكان هدف المكتب الذي يعد هيئة تابعة للحكومة البريطانية هو الانتصار في الحرب، وكانوا يدركون ان اندلاع التمرد ضد الأتراك أملهم الوحيد، كما كانوا يدركون ان هنالك احتمالا بحدوث هذا الأمر، وبحلول عام 1914 شاع الاستياء في أوساط رعايا الإمبراطورية العثمانية العرب. وقد لاحظت غيرترود خلال أحاديثهما مع الدروز منذ وقت مبكر يعود إلى عام 1905 بداية حركة تهدف إلى الاستقلال. وكان سكان النجف وكربلاء قد انقلبوا ضد الأتراك في العراق. كما بدأت الحركة الاستقلالية العربية في البصرة وكان وراءها السيد طالب النقيب وفي الوقت ذاته كان المكتب يدرك تماما أن تحقيق الحركة العربية الموحدة للاستقلال أمر مستحيل، إذ من الصعب توحيد ولاءات العشائر كافة في الشرق الأوسط بل كان من الصعب جمع اثنين من الشيوخ للجلوس معا.
وظلت هنالك حقيقة تقول إن الاغراء الوحيد الذي يجذب العشائر للتوحد في وجه الأتراك، ومواجهة الدعوة إلى الجهاد ضد البريطانيين، كان فكرة وعد العرب بالاستقلال والحرية وقد كان هنالك مسبقا شبه وعد صرح به كيتشنر وفي الإمكان التراجع عنه.
حلم الوحدة
لم تكن غيرترود ولورنس الوحيدين الراغبين في إعطاء العرب حق الحكم الذاتي المدعوم بمستشارين بريطانيين لتحقيق الاستقرار. وبينما كان المكتب العربي، الذي كان بمنزلة مركز للدراسات والتوصيات، يرى بإجماع أفراده ان تعدد الأعراق والعشائر، والمعتقدات يجعل من المستحيل خلق أمة واحدة متناغمة لديها مؤسسات سياسية ذات كفاءة. وقد كانوا يتسمون بالبراغماتية وبالتالي فقد عارضوا كل المحاولات التي تبذل لضم العراق إلى الهند. إذ بينما كان البريطانيون في الهند قد تمكنوا من فرض سيطرتهم عليها عن طريق نظام يقوم على حكم المهراجات ولم يكن في الشرق الأوسط نظام مشابه لذلك. فالنظام العربي يقوم على أساس شخصيات دينية بارزة بعضها يدعي النسب الى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأسر دينية مرموقة. وهي تمتلك مصادر للثروة تكفيها لتقديم العون للزعامات الأقل منها وللعشائر لكسب ولائها.
ان فهم غيرترود لهذا الوضع وما تتميز به من كفاءة سياسية واسلوبها في الاقناع في طرح القضايا الشديدة التعقيد كانت تشكل مزايا اضافية ذات قيمة لجهود المكتب الساعي لايجاد سبل لتحقيق التقدم.
وكان التفكير السليم الواضح حينها بعيد المنال. فقد كانت هناك حوالي عشرين ادارة حكومية وعسكرية مختلفة تشارك في اي وقت من الاوقات في صياغة السياسة البريطانية تجاه الشرق الاوسط خلال الحرب العالمية الاولى وهناك مجلس الحرب، وقيادة الاسطول، والوزارة الحربية، والجهاز الإداري في الهند، ومصر والسودان التي كان لديها ما تقوله في هذه المسألة. وكانت هنالك ثلاث قوات استكشاف كبرى متمركزة في العراق، والاسماعيلية والاسكندرية ،كما ان هنالك مؤسسات سياسية واخرى تابعة للاسطول في اربع مناطق رئيسية وبالتالي لم يكن من المستغرب وجود تضارب في الاتصالات، وان تكون الوعود التي قدمت للعرب مختلفة من حيث المحتوى والمقصود منه. وفي واقع الأمر فان التفاهم الانغلو - عربي كان يعاني من سوء الفهم الناتج اساسا عن الاتصالات الاولى، فيما بين ماكمان والشريف حسين، والاتفاقية الانغلو - فرنسية التي صاغها سايكس والفرنسي جورج بيكو في مايو 1916 والتي لم تبلغ بها غيرثرود او رئيسها حينها الا بعد مرور عامين.
أجندة سرية
وكان الشعور السائد في المكتب العربي بان هناك اجندة سرية وقد اتفق العاملون على القيام بخطوة. وكتب لورنس عن نواياهم بالتسلل الى اروقة السلطة لدعم خطة 'العالم العربي الجديد' وكان اول من جندوه المندوب السامي نفسه سير هنري ماكمان الكفؤ الموالي. وقد تمسكت مجموعة العاملين في المكتب بآرائها حول تقرير المصير الخاص بالعرب في وجه معارضه دلهي. وكانوا بالكاد قادرين على التحرك الى الامام بخطتهم لشن تمرد عربي من دون ان يجد دعما من الهند. فقد كان المندوب السامي وحكومته في الهند يعتقدان بشدة انه يجب فرض الحكم البريطاني على جميع العرب وان ذلك الامر سينجح كنجاح الحكم البريطاني في الهند الذي تمكن من إدارة الهند باستخدام 50 ألف جندي بريطاني فقط.
وانخرطت غيرترود في النقاش الطويل والحاد الذي كان يدور حينها حول إمكانية هزيمة الأتراك بأساليب حربية أخرى 'غير بريطانية' أي عن طريق تحويل التمرد، وقطع خطوط السكك الحديدية وخطف الإمدادات، وتشجيع العمليات الإرهابية وقيادة حرب العصابات، وكانت مشاركة غيرثرود ومعرفتها بالأساليب والعادات العربية قد ساعدتهم في صياغة تلك الأفكار، فقد كانت ربما الوحيدة بينهم التي كانت قد شاركت في حملات غزو.
وقد ظلت الحكومة الهندية مصرة على مد سيطرتها إلى المنطقة العربية وضم العراق. وقد عبر المندوب السامي عن مشاعره بوضوح في خطاب بعثه إلى وزارة الخارجية. وبعدها ظل يعزز معارضة المكتب العربي من لندن أيضا.
وكانت غيرترود حينها فرغت من صياغة تقريرها الأولي حول العشائر الذي تلقته الحكومة باحترام كبير لشموله واهتمامه بالتفاصيل. وكانت غيرترود مشغولة بحل الخلاف فيما بين الحكومة في الهند والمكتب العربي، وقد كتبت في 20 فبراير 1910 خطابا الى كابتن هول مدير الاستخبارات البحرية في لندن تقول فيه: إنه من المهم أن يظل هناك اتصال وثيق فيما بين الهند ومصر بما انهما يتعاملان مع جانبين من المشكلة ذاتها.
التعليقات