الثلاثاء 20 فبراير 2007

خيرالله خيرالله


ليس سرّاً أن الاكثرية النيابية التي أنبثقت منها الحكومة اللبنانية، حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، صعّدت في وجه النظام السوري. صعّدت ألى درجة أنها قطعت الجسور معه بشكل نهائي. استغلّت الأكثرية التي تعرف تحت تسمية الرابع عشر من آذار(مارس) التظاهرة التي جرت يوم الرابع عشر من فبراير- شباط الجاري في الذكرى الثانية لأغتيال الرئيس رفيق الحريري كي يشن عدد من قيادييها هجوماً مباشراً على الرئيس بشّار الأسد الذي سبق له أن وصف المنضوين تحت تسمية الرابع عشر من آذار بأنّهم quot;منتج أسرائيليquot;.
دخلت الأزمة الداخلية في لبنان مرحلة جديدة أبتداء من أول ديسمبر- كانون الأول الماضي عندما قرر quot;حزب اللهquot; النزول ألى الشارع من اجل أسقاط الحكومة تحت شعار أنّه يسعى ألى quot;أعادة تشكيل السلطةquot; في لبنان. يريد الحزب أستخدام الشارع للقيام بأنقلاب سياسي شامل بدل اللجوء ألى اللعبة الديموقراطية التي تدور عادة في مجلس النوّاب حيث تسقط الحكومات أو تحوز على ثقة ممثلي الشعب. سبق النزول ألى الشارع أغتيال الوزير والنائب الشاب الشيخ بيار أمين الجميّل وأستقالة الوزراء الشيعة من الحكومة. كان لا بدّ لquot;حزب اللهquot; من النزول ألى الشارع جارّاً معه أدواته المستأجرة من النائب ميشال عون ألى الوزير السابق وئام وهّاب مروراً بشخصيّات من نوع الوزير السابق سليمان فرنجية وزميله في الحكومات السابقة الأمير طلال أرسلان وغيرهما. لكنّ الحكومة صمدت. وأدّى صمودها، الذي فاجأ زعيم quot;حزب اللهquot; السيّد حسن نصرالله، ألى تغيير المعطيات على الأرض. ما الذي ساعد الحكومة في الصمود على الرغم من الهجمة الشرسة التي تتعرض لها؟ ما الذي يجعل هذا العدد الكبير من اللبنانيين ينزل ألى الشارع في الرابع عشر من فبراير لتحدّي quot;حزب اللهquot; وكلّ مراكز القوى التي يتحكّم بها بدءاً من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النوّاب وذلك بعد أربع وعشرين ساعة من تفجير باصين في منطقة المتن الشمالي وسقوط قتلى مدنيين في رسالة واضحة ألى اللبنانيين بأنّ عليهم أن يلزموا بيوتهم والأمتناع عن المشاركة في أحياء ذكرى أغتيال رفيق الحريري؟
تغيّرت أمور كثيرة في لبنان في الأشهر الأخيرة جعلت الحكومة تشعربأنّها قادرة على أستعادة المبادرة. على الصعيد الدولي، تبيّن ان العالم لا يعترف سوى بالحكومة اللبنانية بدليل أنعقاد مؤتمر باريس -3 في أواخر الشهر الماضي. أنعقد مؤتمر باريس-3 في وقت كانت عناصر quot;حزب اللهquot; تغلق شوارع بيروت بالحواجز الترابية وفي وقت خصصت رواتب لآلاف العناصر المقاتلة من أجل متابعة الأعتصام في جزء من الوسط التجاري لبيروت والبقاء فيه منذ ما يزيد على ثمانين يوماً. يفعل هؤلاء ذلك بحجة السعي ألى أسقاط الحكومة، لكنّ هدفهم الحقيقي تعطيل الحياة في بيروت وضرب مشروع الأنماء والأعمار. ما يريدون قوله بكل بساطة من خلال الأعتداء على الأملاك العامة والخاصة في وسط بيروت وأقامة مخيّم للبؤس والبائسين فيه أن لبنان ليس مكاناً آمناً للمستثمر العربي والأجنبي. ولكن على الرغم من ذلك، بقيت الأسرة الدولية متمسّكة بالحكومة اللبنانية وأضطر حسن نصرالله ألى الأعتراف بذلك في الخطاب الذي ألقاه يوم الجمعة الماضي. قال في لك الخطاب ما معناه أن العم الدولي كان وراء عدم سقوط الحكومة اللبنانية!
على الصعيد الداخلي، حصل تحوّل كبير على الأرض. يتمثّل التحول في أن المناطق التي فيها أكثرية مسيحية في لبنان بات تقف كلها تقريباً مع الحكومة. ولذلك لم يستطع النائب عون أنجاح الأضراب الذي دعا أليه يوم الثلاثاء في الثالث والعشرين من الشهر الماضي على الرغم من الوسائل والأمكانات الكبيرة المستخدمة. تبيّن بكل بساطة أن المواطنين يريدون الحياة، يريدون الأنصراف ألى أعمالهم لا أكثر ويرفضون أغلاق الطرقات وثقافة الأطارات المحروقة التي هي في النهاية ثقافة الموت ليس ألاّ. وكان ملفتاً في التجمع الذي أقيم الأربعاء الماضي في مناسبة ذكرى الرابع عشر من فبراير الوجود المسيحي الكبير الذي كان في حجم الوجود الأسلامي السنّي والدرزي... والشيعي بدرجة أقلّ. وهذا يعني من وجهة النظر اللبنانية أن الحكومة تحظى بدعم واضح وكبير من الفئتين الأساسيتين في لبنان، أي من المسيحيين والمسلمين، في حين أن المعارضة مذهبية لا أكثر ولا أقلّ وأن مجرّد خروج quot;حزب اللهquot; الشيعي منها يعني أنهيارها.
ما قد يكون أهمّ من ذلك كلّه أن هناك وعياً على الصعيد الأقليمي لضرورة تفادي أنفلات الأوضاع في لبنان نظراً ألى المخاطر التي يمكن أن تترتّب على فتنة شيعية- سنية في البلد الصغير. حتى النظام الأيراني وهو نظام شيعي في الدرجة الأولى، بموجب الدستور المعمل به في quot;الجمهورية الأسلاميةquot; الذي ينص على أعتماد المذهب الجعفري، بدأ يتحسس النتائج الخطيرة على صعيد المنطقة كلّها في حال خروج الأوضاع اللبنانية من تحت السيطرة.
هناك واقع جديد في لبنان. هناك مناطق مسيحية ستبقى خارج الفتنة، في حال حصولها لا سمح الله، بعدما تمكّن المواطنون فيها من ضبط التيار العوني، فيما هناك مناطق أخرى مرشحة لمواجهات ذات طابع مذهبي على غرار ما حصل في محيط الجامعة العربية في بيروت يوم الخميس في الخامس والعشرين من الشهر الماضي. كان لا بد في ذلك اليومّ من تعليمات أيرانية واضحة، شبيهة بتلك التي أعطيت قبل ذلك بثمان وأربعين ساعة لوقف الأضراب وفتح طريق المطار، لتفادي مواجهة مكشوفة بين الأحياء السنّية والشيعية في العاصمة بما يذكّر بالوضع القائم في بغداد وحتى في غيرها من المدن العراقية.
صار هناك بكلّ بساطة تمايز، لا يمكن بكلّ تأكيد وصفه بأنّه أفتراق، بين الموقفين السوري والأيراني من الأوضاع في لبنان. هناك نظام سوري مستعدّ للذهاب بعيداً في تخريب الوضع في لبنان وتعطيل الحياة في بيروت بهدف أسقاط الحكومة الشرعية من جهة وهناك نظام أيراني يعتقد أن عليه وضع يده على البلد بهدوء وعلى مراحل من منطلق أنّ الوقت يعمل لمصلحته من جهة أخرى. يشعر النظام السوري بالحاجة ألى العجلة بسبب المحكمة ذات الطابع الدولي التي يتوقّع أن تنظر في قضيّة أغتيال الحريري والجرائم الأخرى التي شهدها لبنان أبتداء من أوّل أكتوبر- تشرين الأوّل 2004 تاريخ تعرّض الوزير مروان حماده لمحاولة أغتيال. هذه المحكمة التي لا يستطيع النظام السوري السماع بأسمها ستقوم هذه السنة. وأن دلّت تصرّفاته في الفترة الأخيرة على شيء، فأنّها تدل على أستعداده للذهاب بعيداً كي لا يكون هناك مرجع شرعي لبناني للمحكمة ذات الطابع الدولي التي يعترض عليها حلفاؤه في لبنان والتي كانت وراء خروج الوزراء الشيعة من الحكومة في نوفمبر- تشرين الثاني الماضي. هذه المحكمة كانت أيضاً وراء عدم قدرة الأمين العام لجامعة الدول العربية السيّد عمرو موسى على متابعة وساطته اللبنانية، فلم يزر بيروت بعد دمشق حيث التقى الرئيس السوري. وقد سمع عمرو موسى من بشّار الأسد كلاماً يؤكد أن دمشق لا يمكن أن تقبل بأقل من حكومة لبنانية فيها ما يُسمّى الثلث المعطّل أو الثلث الضامن. وهذا يعني أن النظام السوري سيكون قادراً على أسقاط الحكومة متى يشاء وعلى خلق فراغ سياسي على كلّ المستويات في لبنان حين يجد أن ذلك يخدم مصالحه، على رأسها عدم وجود غطاء شرعي لبناني للمحكمة ذات الطابع الدولي.
في ظلّ هذه الأجواء، لم يكن أمام الموالين للحكومة اللبنانية سوى التصعيد مع تركيز خاص على النظام السوري وعلى شخص رئيسه تحديداً. لقد ألتقت ظروف داخلية واقليمية ودولية وصبّت في أتجاه دعم موقف الأكثرية. أنها الأكثرية الساحقة للسنّة، الطائفة الأكبر في لبنان والأوسع أنتشاراً فيه، والأكثرية الساحقة للدروز، الطائفة الأكثر صلابة وتماسكاً في البلد، على الرغم من صغر حجمها، وأكثرية المسيحيين. نعم أكثرية المسيحيين بعدما أظهر الواقع أن الشعبية التي تمتّع بها ميشال عون وتياره في مرحلة ما تبخّرت بعد تحول الرجل أداة في لعبة لا يستسيغها الموارنة. لم تبق سوى الطائفة الشيعية التي خطفها quot;حزب اللهquot; بأموال أيرانية لكنه لم ينجح في أسكات أصوات الأحرار والمستنيرين فيها. أولئك، الذين كانوا دائما في طليعة الداعين ألى الأستقلال والتحرر والعلم والحضارة في لبنان، أولئك الذين كانوا دائماً في قلب حركة التغيير نحو الأفضل في لبنان، لا بدّ أن يستعيدوا المبادرة عاجلاً أم آجلاً.
عكس الخطاب الأخير للأمين العام لquot;حزب اللهquot; وضعاً في غاية الخطورة نظراً ألى أنّه خيّر اللبنانيين بين الحرب الأهلية وبين حكومة تتحكّم بها دمشق عبره. صحيح أنّه ألقى مسؤولية الحرب الأهلية على خصومه سلفاً، ألاّ أن الصحيح أيضاً أنّه أكتشف أن لا أمل في الوقوف في وجه تيّار الأكثرية الداعم للحكومة من دون تصعيد على الأرض يعرف أنّه الطريق الأقرب ألى الفتنة السنّية- الشيعية. هل تسمح له طهران بذلك؟ّ