د. أحمد نظيف: الانتهاء من التعديلات الدستورية لا يعني انتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة جديدة

رئيس الحكومة المصرية في حوار مع laquo;الشرق الأوسطraquo;:

حظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني مسألة مبدأ * الإخوان فازوا في الانتخابات الأخيرة بسبب ضعف الأحزاب الأخرى * التعديلات الدستورية تستهدف في الأساس نقل بعض أعباء الرئيس إلى الحكومة * تمكين البرلمان من إسقاط الحكومة من دون العودة إلى الشعب يشكل تقدما هائلا * لدينا 22 حزبا ولسنا بحاجة إلى أحزاب جديدة ولجنة الأحزاب ليست ضرورية * أنهينا مشكلات المستثمرين مع تخصيص الأراضي ولجنة بمجلس الوزراء لحل مشاكلهم * لا يمكن اختيار موقع محطة نووية بناءً على دراسة تمت من 30 سنة * هناك مخطط واضح لـlaquo;تسليكraquo; القاهرة، لأنها مختنقة، وأحد عناصره الخط الثالث لمترو الأنفاق

عبدالمنعم مصطفى

أكد رئيس الحكومة المصرية الدكتور أحمد نظيف أن التعديلات الدستورية التى قدمها الرئيس حسني مبارك مؤخرا إلى البرلمان لإقرارها تتجه إلى تحقيق العدالة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة بحيث تتمكن هذه الأحزاب من عرض برامجها على الشعب واكتساب مؤيدين لها لتنافس الحزب الوطني الحاكم، وأوضح أن صلاحياته الجديدة المنصوص عليها في التعديلات الدستورية تستهدف في الأساس نقل بعض أعباء الرئيس إلى الحكومة كي تشاركه في حمل المسؤولية الثقيلة على عاتقه.

وشدد نظيف في حوار مع laquo;الشرق الأوسطraquo; على أن هناك مبادئ عامة تحكم تلك التعديلات في مقدمتها laquo;منع تكوين أحزاب على أساس دينيraquo;، وقال إن تعديل الدستور لا يفرض من الناحية القانونية laquo;إجراء انتخابات جديدةraquo;، كما لا يترتب عليه استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة. وركز الدكتور أحمد نظيف على أن حكومته تولى تشجيع الاستثمار أهمية كبرى وتحاول فتح باب المستقبل واسعا أمام الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية. وفيما يلي نص الحوار الذي جرى في مكتب الدكتور أحمد نظيف:

* بعض المتحمسين في الحزب الوطني يتهمون أحزابا أخرى بالقول (دول عايزين يحكموا البلد) ألا تتفق معي أنه من المفترض مساءلة أي حزب سياسي لا يتطلع إلى أن يحكم البلد باعتبار أنه حزب laquo;للبيزنسraquo; وليس حزبا سياسيا ينبغي أن يمتلك برنامجا يسعى لحشد الرأي العام حوله ويتطلع إلى الحكم بموجبه ؟

ـ نعم هذا صحيح .. الدولة كدولة يجب أن تتعامل مع هذا الموضوع بشكل عادل، وأنا أعتقد أن التعديلات الدستورية المطروحة تتجه في هذا الاتجاه، نحن (الحكومة) أشارت إلى هذا العيب، وبدأت تتعامل معه وكان ممكن الرئيس يتعامل بنظام الاستفتاء في الانتخابات الماضية، لماذا جعل هناك انتخابات، من الذي أخذ المبادرة، في ظل ما يتم من إصلاح سياسي، كل شيء يجب أن يسير بشكل مرتب وبشكل يسمح باستيعاب هذه الأحزاب تدريجيا داخل المجتمع.

* بالنسبة للتعديلات الدستورية بصفة خاصة صلاحيات رئيس الوزراء، هل مثلت صلاحياتك الحالية عائقا يحول دون أن تقوم بعملك كرئيس وزراء على الوجه الأكمل ؟

ـ ليست مسألة صلاحيات بل مسألة مشاركة في المسؤولية، وأنا أعتقد أن هذا هو الأساس في إعطاء بعض التوازن لهذه العلاقة، لماذا نحمل رئيس الجمهورية بمفرده كل هذه الأعباء، وهذا ما يطرحه الرئيس بنفسه، لكن أنا سأقول لك أن رئيس الجمهورية يفوض رئيس الوزراء في كثير من أعبائه الآن، إذن هي ليست مسألة صلاحيات، ليست عندي مشكلة في ممارسة عملي ولكن أعتقد إننا لا يجب ان نلقي بالحمل كله على رئيس الجمهورية، عملية المشاركة في المسؤولية مطلوبة جدا، وأعتقد إننا نعطي حماية للرئيس نفسه قبل كل شيء.

* الصلاحيات الجديدة ماذا تضيف لك؟

ـ كلها مطروحة للمناقشة، لم يقر أي شيء في هذا الموضوع، لكن أتصور إنها متعلقة بمشاريع القوانين، إعداد القوانين، اختيار الحكومة، كلها تؤدي إلى زيادة العمل المشترك الذي يمكن أن يتم بين الرئيس ورئيس الحكومة.

* فيما يخص مسؤولية رئيس الحكومة أمام البرلمان هل زيادة الصلاحيات تزيد من مسؤوليته برأيك ؟

ـ بالطبع.. وهذا أيضا مطروح في التعديلات أن تكون هناك مسؤولية أكبر للحكومة، ومن حق البرلمان أن يسحب الثقة من الحكومة من دون العودة إلى الاستفتاء، وهذا وحده من أكثر القرارات تقدما، ولكن ليس لدي تفاصيل، الفكرة أنه لكي يُسقط البرلمان الحكومة لابد أن يعود للشعب، laquo;انهاردةraquo; هذا لا يحدث أعتقد أن كلها خطوات إيجابية.

يجب أن ننظر لأية عملية إصلاح بالخطوة التي كنا فيها، والخطوة التي نحن فيها الآن، ونتساءل هل نحن أفضل حاليا.

* الدستور يوضع لأجيال أخرى مقبلة .. هل تعتقد في ضوء ذلك أن الاصلاح الدستوري هو أيضا يجب أن يكون تدريجياً؟

ـ ليس تدريجيا.. فتعديل الدستور يفتح الباب للمستقبل، أما فيما يتعلق بتعديل قوانين الانتخابات، ممارسة الحياة السياسية، الأحزاب..من الممكن تعديلها أكثر من مرة، أما ما هو مطروح بالنسبة لتعديل الدستور فهو ليس إصلاحا دستوريا متدرجا، فمثلا الاقتراح بألا تكون هناك أحزاب على أساس ديني لا يمكن تغييره، فهذا مبدأ عام، كذلك مبدأ المواطنة، فهل نريد أن نكون مصريين أم لا، أم هل نريد أن يكون هناك مسلم مصري ومسيحي مصري .. هذا مبدأ عام، هذا حق للشعب أيضا فيما يتعلق بإعطاء فرص للمرأة في البرلمان، فرص للأحزاب، هذه مواد في الدستور لا يمكن تغييرها، ولكن الدستور لا يتدخل في تفاصيل مثل لجنة الأحزاب، وللعلم الدستور ليست فيه لجنة أحزاب، وأنا أعدل الدستور نتيجة تجاربي الماضية، الدستور لا يضع نظاما اقتصاديا معينا، بدليل انه يوجد عندك حزب شيوعي وآخر رأسمالي.

* لماذا ونحن نخطط للمستقبل ببيع القطاع العام وتبني منهج الاقتصاد الحر نصر على الإبقاء على نسبة 50% عمال وفلاحين بالمجالس النيابية؟

ـ لأنها ارتبطت في وجدان الشعب المصري منذ ثورة يوليو بالعدالة الاجتماعية، السؤال هل هو فعلا ارتباط حقيقي أو معنوي، هذا متروك للشعب، وإن كان ليس مضرا.

* ولماذا لا نطرحها للاستفتاء؟

ـ هذا يعود للشعب، ليس مضرا، ويمكن أن نقوم بتعديله في زمن لاحق، فالدساتير تعدل لا توجد مشكلة، ولكن أنا لا أعدل في نفس المادة مرتين، ليست هناك حاجة ملحة اليوم وقد تنتظر لأوقات أخرى.

* بعد انتهاء التعديلات، هل ستكون هناك انتخابات للبرلمان؟

ـ لا يوجد سبب دستوري ولا قانوني لهذا.

* ولكن البرلمان القائم ربما يكون مخالفا لنصوص دستورية جري تعديلها ؟

ـ تعديل الدستور ليست له علاقة بالقوانين التي انتخب المجلس بموجبها، وإذا تمت التعديلات بشكل معين جعل المجلس غير دستوري فهذا شيء آخر.

* هل هناك ارتباط بين التعديلات الدستورية الجديدة وبين تشكيل حكومة جديدة بعدها ؟

ـ لا يوجد ارتباط بين التعديلات الدستورية وإعادة انتخاب مجلس الشعب أو تشكيل حكومة جديدة.

* قلت لرويترز في حوار مع جوناثان رايت عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة إن (الإخوان المسلمين تنظيم سري داخل مجلس الشعب) ؟

ـ لا لم أقل هذا، أنا قلت إنه لا يوجد تكوين حزبي للإخوان المسلمين لأننا لا ننشئ أحزابا على أسس دينية، وجرى تأويل كلامي خطأ، وقلت لنفس المصدر إنه من حق أي مواطن مصري أن يرشح نفسه في مجلس الشعب.

* في رأيك ما سبب اختيار الشعب المصري لـ88 نائبا من الإخوان المسلمين؟ ـ لأنهم يمثلون مرشحين موجودين كبدائل للمرشحين الموجودين من الأحزاب الأخرى.

* بعض التقديرات اعتبرت أنه تصويت احتجاجي ضد نواب الحزب الوطني لأنهم لم يفعلوا شيئا للشعب؟

ـ في كل العالم لا يمكن لحزب واحد أن يأخذ نسبة أكثر من التي أخذها الحزب الوطني.

* لماذا إذن انتخبوا الإخوان؟

ـ لأنهم لم يجدوا على التذاكر المتاحة غير نواب ينتمون للحزب الحاكم بشكل مباشر أو غير مباشر، أو نواب التصقوا بالإخوان المسلمين بشكل غير مباشر، غياب الأحزاب الأخرى هو السبب الرئيسي في هذا، لذلك إذا قرأت المبادرة التي قام بها الرئيس في تعديل الدستور، ستجدها تتكلم في الأساس عن ضرورة توليد مناخ يسمح لأحزاب المعارضة أنها تقوى في مصر، وتمثيلها في البرلمان يكون أفضل.

* في تقديرك، ما العناصر المطلوب توفيرها لكي تنتعش الأحزاب الاخرى، هل هناك ضرورة لوجود لجنة أحزاب يهيمن عليها الحزب الوطني تمنح شهادات ميلاد لأحزاب تعارض الحزب الوطني؟

ـ نحن لا نحتاج أحزابا جديدة عندنا 22 حزبا وهذا يكفي، نريد من الأحزاب الأخرى أن تقوى.

* ما هى برأيك العوامل التي تجعل الأحزاب الأخرى قوية؟

ـ أن تكون عندها برامج حقيقية تستطيع إقناع الناس بها، وأنا لا أرى في هذه الأحزاب هذا البديل.

* هل تعتقد أن مناخ الحريات المتاحة يسمح لهذه الأحزاب أن تطرح خياراتها وبدائلها بوضوح ؟

ـ الحزب الواحد من بين تلك الأحزاب عنده عدد يتراوح من جريدة لعشر جرائد.

* لماذا برأيك تحولت مثل هذه الأحزاب إلى laquo;بيزنسraquo;؟

ـ لأنها لم تتجه إلى أن تكون لديها برامج واضحة يقتنع بها الشعب المصري.

* لكن هناك أحزابا لم يسمح لها بالظهور حتى الآن وكانت لديها برامج؟

ـ تُسْأل في هذا لجنة الأحزاب، لكن في الآخر قول إن عندنا عددا كبيرا من الأحزاب في مصر لم يثبت أي حزب منها أنه قادر على استقطاب الشارع المصري ولو جزئيا، وهذا واقع يجب أن ننظر فيه.

* وهل الحزب الوطني قادر برأيك على استقطاب الشارع المصري؟

ـ بالطبع أن لديه الآن 320 مقعدا بالبرلمان.

* هل يعبر هذا العدد من المقاعد عن نسبة استقطاب حقيقي؟

ـ نعم، لا يوجد مقياس آخر، هل عندك مقياس آخر..؟

* نعم عندي.. أنا لست معارضا ولا أنتمي لحزب ما، وقد شاهدت ومعي كثيرون من المراقبين كيف قيل للناس اذهبوا لصناديق الانتخاب لكي تمارسوا حريتكم وعندما ذهبوا لم يتم تمكينهم من الوصول إليها والإدلاء بأصواتهم؟

ـ حدث هذا بسبب إصرارنا على وضع قاض على كل صندوق، احسب حجم عدد الدوائر، هل تستطيع إدخال 1500 شخص من الثامنة صباحا حتى الثامنة ليلا؟! . لقد حاولنا إتباع أساليب أخرى لضمان الشفافية مثل الصناديق الزجاجية مثلا، والحبر الفسفوري.. كلها حاجات جديدة.

* هل تعتقد أن وجود لجنة للأحزاب ضرورة؟

ـ لا أعرف إن كانت ضرورة أم لا، أنا أعرف أنه لابد أن يكون هناك نظام لتأسيس الأحزاب في كل العالم، ليست مشكلتنا الآن في تأسيس الأحزاب، المشكلة أن الأحزاب الموجودة لم تستطع أن تحقق وجودا حقيقيا على أرض الواقع رغم إعطاء فرص كثيرة لها.

* ماذا وراء موضوع المحطات النووية بالضبعة ؟.. لقد شعر الناس ببعض رد الاعتبار laquo;نفسياraquo; في الموضوع النووي عندما أشار السيد جمال مبارك إليه في مؤتمر الحزب الوطني قبل شهور، لكنهم فوجئوا بعد ذلك بإشارات تراجع تحت دعوى أن الضبعة ربما كانت بها آثار، وهناك تصريح نسب إليك أنه لا يوجد مانع من نقل المشروع النووي إلى مكان آخر على الرغم من أن بعض العلماء قالوا إن الضبعة هي المكان الأنسب في مصر لإقامة هذا المشروع ؟

ـ أولا برنامج الطاقة المصري لا يعتمد على محطة ضبعة او محطة مصر الموضوع أكبر من هذا بكثير، هذه الحكومة أحيت المجلس الأعلى للطاقة وجعلته بقرار جمهوري من الرئيس، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، لأننا شعرنا أن موضوع الطاقة أصبح موضوعا هاما جدا، وما طرحناه في المؤتمر الماضي للحزب، ليس فقط البديل النووي، وأنا أعتقد أن مشروع الزعفرانة ومشروع الطاقة الهوائية أفضل بكثير، لكن كما قلت الجانب النووي فيه نوع من الاعتزاز الوطني في فكرة أن نملك برنامجا وطنيا للطاقة النووية، ونحن قلنا إننا نسعى لأن يكون لنا برنامج نووي للاستخدامات السلمية للطاقة كجزء من الطاقة، لكننا مازلنا في مرحلة بحث البدائل على اساس اقتصادي، بصرف النظر عن الجانب القومي، لكننا نملك هيئة طاقة ذرية وعلماء وقدرات وهنا لن يصبح القرار نعمل أو لا نعمل، لكن القرار متى ننفذ.

* اذن الخيار النووي متاح؟

ـ الخيار متاح كبديل، وتكلفة المحطة النووية الآن تقترب من تكلفة المحطة الحرارية، يعني البديل أصبح أكثر إغراءً وهناك بعض الدراسات عرضت علينا، لكن المسألة مسألة دراسة، بمعنى إنه علينا ان ندرس متى وكيف، المجلس الأعلى للطاقة وضع بالفعل دراسة بدائل الطاقة المصرية، الدراسة ستأخذ وقتا، وسنعلن نتائجها خلال سنة، وعندما نعلن نتائج هذه الدراسة سنستطيع تحديد الطاقة النووية أين ومتى، موضوع موقع الضبعة هذا أحد المواقع، إذ أنه حتى إذا قررنا إنشاء محطة فهل تنشىء محطة واحدة؟!، لقد اطلعت على الدراسات وأستطيع أن أقول لم تكن الضبعة أول موقع اخترناه فقد كانت سيدي كرير هي الموقع المرشح أولا للمشروع، إذن كان هناك بديل أفضل، وهذه الدراسات تمت في السبعينات أي منذ 30 عاما، وهكذا فالقرار الذي اتخذته هو إعادة الدراسة لأنه قد يكون القرار مناسبا وقتها.. ربما نحتاج إلى قرار آخر، إذن وارد جدا أن دراسة جديدة قد تؤدي الى مكان أفضل ووارد جدا أن الدراسة تتمسك بموقع الضبعة، لكن القرار الصحيح هو إعادة الدراسة لأنه لا يمكن أن أختار موقع محطة نووية بناءً على دراسة تمت من 30 سنة، يجب إعادة الدراسة من خلال خطة التنمية التي تنفذ في مصر.

* عندما تحدثنا مع مسؤولين سابقين وخبراء بالطاقة النووية بدا لنا كأن هناك مؤامرة على الضبعة؟

ـ الذي يأخذ هذا القرار ليس فقط خبير الطاقة النووية لأنه صاحب مصلحة، ومن حقه، أنا اسمع من كل الجهات، لكني أرى كل الاعتبارات وأنا أبحث عن صالح مصر وقلت في مرات عديدة إنه لو الأرض إذا بعتها للاستثمار السياحي وجابت ثمن المحطة النووية هذا أفضل.

* رداً على هذا الكلام قال خبراء إن هذا الأمر سيكلف كثيرا ؟

ـ لم نحدد منطقة بعد، هل تعلم أن منطقة الضبعة من أعلى المناطق على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بمعنى أنني سأضطر لرفع المياه إلى المحطة، هذا مثلا، أنا متأكد أنه لو انتهت الدراسات إلى أن الضبعة أفضل مكان سننشئها في هذا المكان.

* أتيح لي قبل دقائق من لقائي معكم أن أشهد هنا في مقر رئاسة مجلس الوزراء حفل توقيع اتفاق بين البنك الأهلي المصري وبين مجموعة الطيار السعودية يتم بموجبه تمويل استثمارات عقارية ضخمة للمجموعة في مصر تقدر بحوالي خمسة مليارات جنيه، الأمر الذي يفرض نفسه على سؤالي الأول ، ماذا حدث في مصر لجذب الاستثمار وما الذي يمكن أن تقدمه الحكومة لرجال أعمال يريدون الاستثمار في مصر بدون معوقات؟

ـ كان من أهدافنا دائما وما يزال تسهيل الاستثمار في مصر، ولقد بدأنا بالجوانب الأسرع تأثيرا وهي مناخ الاستثمار نفسه، أردنا أن نعطي أولاً رسالة واضحة وجدية على اننا جادون في مساعدة المستثمر، وتم هذا من خلال إصدار قوانين جديدة خفضنا بها الجمارك والضرائب وخفضنا بها الحمل على الاستثمار لأننا في حالة منافسة مع الآخرين، لكن لا شك أنه عندما تكون نسبة الضريبة في مصر على الاستثمار 20% بدلا من 40 %، وعندما تبسط الجمارك إجراءات دخول البضائع فتقوم بتخفيضها من 15% الى 9% وأخيرا قبل أسبوع اصبحت 7% كل هذا يعتبر جيدا جدا، وهذا محور رئيسي، ويأتي بعد ذلك أيضا وجود هيئة استثمار تعاون المستثمرين ولا تكون رقيبا عليهم، وهذا تغيير شعر به الناس، ففي أية زيارة لمستثمر حاليا لمقر هيئة الاستثمار يرى فرقا كبيرا في التعامل، وأصبح يستطيع تأسيس شركته الخاصة في وقت أقصر بكثير، هذا جانب مهم جدا، وكما قلت فان تغيير مناخ الاستثمار هو الجانب الأسرع تأثيرا ويمكن ان يكون الأسهل في التطبيق، لكن الموضوع لا ينتهي عند هذا الحد، وجدنا أن الارض تمثل أحد العوائق الرئيسية، فجعلنا هناك شفافية عالية في عملية طرح الأراضي، فمثلا في المجتمعات العمرانية الجديدة تطرح الأراضي بشفافية عالية، هيئة التنمية السياحية نفس الشيء، وكذلك هيئة التنمية الصناعية التي تقوم بتأهيل المواقع بحيث تكون جاهزة للاستثمار، وكل مستثمر له متطلبات مختلفة، والتحدي الحقيقي هو إننا نسهل عليه حصوله على الأرض، وأخذنا خطوات جيدة في هذا الاتجاه، وأنا أعتقد انه خلال هذا العام سيشهد المستثمر سواء المصري أو العربي أو الاجنبي تطورا ملحوظا في كيفية التعامل مع الأراضي، وهو أحد العناصر التى تعوق أي مستثمر، ولقد طلبت من هيئة الاستثمار إعطاء موافقات مسبقة بحيث تسهل الموضوع عليه، إلا اذا كانت هناك موافقة خاصة من حيث نوع المشروع، واعتقد ان هذا تطور جيد جدا، وهذا الشق الثاني من تهيئة مناخ الاستثمار وأنا أعد أن يتم هذا خلال العام الجاري، ولقد بدأنا خطوات تنفيذية كثيرة، أما المرحلة الثالثة، فخاصة بالتمويل الذي كان يمثل مشكلة، ولكن حاليا بعد التطور في القطاع المصرفي، أعتقد ان البنوك المصرية سواء العامة أو الخاصة أصبحت عندها مساحة حرية أكبر، وقد شهدت قبل دقائق حفل توقيع اتفاق تمويل بين مجموعة سعودية للاستثمار وبين البنك الأهلي المصري لم يكن ممكنا لولا ما شهده القطاع المصرفي عندنا من تطور، إذ لم يكن ممكنا أن نفعل ذلك في السابق جراء تعرض عدة بنوك في السنوات الأخيرة لهزات، ولكن الآن استرد القطاع المصرفي عافيته، وسيصبح له باع كبير في هذا الاتجاه، وهكذا اذا تم حل قضيتي الأرض والتمويل سيتبقى موضوع فض المنازعات ولكنه ليس له تأثير مباشر، فيشكو الكثير من المستثمرين في مصر من طول اجراءات التحكيم او المحاكم، وللتعامل العاجل مع هذا قمنا بوضع حل قد يكون مؤقتا لكنه مؤثر، هو لجنة لفض المنازعات تتبع مباشرة لمجلس الوزراء، أي أن المستثمر من حقه اللجوء لهذه اللجنة والشكوى من أية جهة حكومية، وإذا كان له حق، سيصبح حكم اللجنة ملزما لهذه الجهة الحكومية، أما بالنسبة للمستثمر فمن حقه الطعن في قرارات هذه اللجنة أمام المحاكم إذا ارتأى أنها تتعارض مع مصالحه، وأعتقد أن هذه أيضا خطوة جيدة، وأهم شيء هو استعادة الثقة، وأنا أدعي أن هذا حدث بدرجة كبيرة، والأيام ستثبت أن الاستثمار في مصر هو القرار الصحيح الآن.

* بعض المستثمرين يشكون من الانعكاسات السلبية للاختناقات المرورية على استثماراتهم ، حتى أن أحدهم وصف القاهرة بأنها laquo;جراج كبيرraquo; في إشارة إلى حالة الشلل المروري الذي يسرق الزمن ويستنزف الطاقة ويفاقم من تلوث البيئة ؟

ـ التنمية لا تتجزأ.. نحن لا نقول إن المستثمر سيقوم بكل شيء، الدولة أيضا لها دور ونحن نقوم به، وهناك مخطط واضح لـlaquo;تسليكraquo; القاهرة، لأنها مختنقة، أحد عناصر هذا المخطط هو مشروع الخط الثالث لمترو الأنفاق، والذي تم توقيعه وأعتقد انه سيكون له تأثير كبير على الشوارع، لأن هذا الخط وعلى عكس الخطين الأول والثاني يربط القاهرة عرضيا وليس طوليا، وبالتالي سيكون تأثيره ممتازا، صحيح أن تنفيذه سيستغرق سنوات، ولكن البداية جيدة في هذا الاتجاه، هناك أيضا مجموعة من المشروعات لفتح محاور جديدة للطرق في القاهرة، ولكن أحب ان أوضح ايضا أن الاستثمارات كثيرة ولا تتركز في القاهرة، استثماراتنا معظمها خارج القاهرة، ونحن لا نشجع الاستثمار في القاهرة، فأنا أفضل الاستثمار السياحي مثلا على الشواطئ سواء البحر الأحمر أو المتوسط، اليوم نفتح فيه مجالا جديدا، فتوجد شواطئ رائعة ليس بها أي تلوث، ويوجد طريق جيد للساحل الشمالي نعمل على تطويره، كذلك فان الاستثمار في قطاع النقل مهم جدا، هناك استثمارات، الموانئ، المطارات، الطرق، السكك الحديدية، أعلنا لأول مرة عن خطة استثمارية في السكة الحديد تتكلف 8.5 مليار جنيه سنطورها تطويرا كاملا، ونحن ندعو القطاع الخاص للمشاركة في هذا الموضوع، وأعتقد أن على من يعتقدون اليوم أن الاستثمار في مصر غير جيد فهم يتحدثون عن صورة ذهنية قديمة تحتاج إلى التحديث، ولذلك أنا أشجع هيئة الاستثمار ووزارة الاستثمار أن يظهروا هذه الأمور بشكل أفضل، ولقد ذهبنا إلى بعض الدول العربية وسنكمل الجولة في الدول الخليجية في المرحلة القادمة، وأنا أخطط لزيارة السعودية قريبا وتتلوها زيارات أخرى للخليج واحتمالا إلى أوروبا أيضا.

* هل هناك خطط معينة بالنسبة للسعودية، مشروعات، استثمار؟

ـ بالتأكيد هيئة الاستثمار تجهز دائما مجموعة من الفرص الاستثمارية بعضها يتوجه للسعودية في الاستثمار العقاري، السياحي، البتروكيماويات، وكذلك في مجال النقل والسكك الحديدية، ونحن نفضل الشراكة العربية على سواها بشكل عام.

* يشكو مستثمرون ورجال أعمال من أن تدني مخرجات التعليم في مصر لا يوفر قوى عاملة على مستوى مهاري عالي، فيما يجدون ذلك متاحا في كوريا والصين والفلبين وتايلاند واندونيسيا حيث المستوى المهاري أفضل والانتاجية أعلى والتكلفة أقل؟

ـ هذا الكلام فيه بعض الصحة، لكن هناك أيضا حقيقة لا تغفلها، نحن نملك اكبر قاعدة عمالية في منطقة الشرق الاوسط، من نفس الثقافة، ونفس اللغة، وإن انطبق هذا القول على بعض العمال فانه لا ينطبق على الجميع، فأنت تختار من وعاء كبير تجد فيه الصالح وغير الصالح، ونحن كدولة ننمي المهارات، ولقد بدأنا في المرحلة الاخيرة برامج طموحة، فموازنة هذا العام بقيمة 500 مليون جنيه لتنمية المهارات في القدرات الصناعية تحديدا، لأننا نرى أن الصناعة مستقبلها كبير جدا، وقد كان لي عندما كنت وزيرا للاتصالات تجربة ممتازة حيث أخذنا الشباب حديث التخرج من الجامعات المصرية وأعددنا نظاما اسميناه (التدريب المحترف) لتخريج متخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وهذا مجال واعد جدا لمصر، ونجحنا في تأهيل حوالي 20 ألف شخص في هذا الاتجاه.

* سمع الناس عن الحكومة الالكترونية وأظنك الأب الروحي لها، لكنهم لا يثقون في إمكانية التعامل المأمون من خلالها .. ويقول بعضهم ومعه كل الحق كيف يمكن أن تكون هناك حكومة إلكترونية بدون محاربة الفساد الإداري بشكل مواز مشيرين إلى أن الكومبيوتر لا يفتح الدرج لتلقي الهبات ولا يعرف كيف laquo;يفتح مخهraquo;؟

ـ كلما زاد استخدام الحكومة الالكترونية والنظم الآلية في التعامل مع الجمهور، كلما قلت فرص الفساد الإداري، لذلك نحن نشجع الاثنين، لكننا نحتاج ان نعمل على شقين أيضا، الأول زيادة وعي الناس وثقتهم في التعامل مع الكومبيوتر، وسيأخذ وقتا وستجد الأجيال الجديدة أكثر تقبلا لهذا، الشق الثاني يتعلق بالموظف فيجب تدريبه على هذه الأمور، والآن أصبحت هناك زيادة تدريجية في الدخول على هذه النظم، واستخدام الشعب المصري لها، فمصر بها الآن خمسة ملايين مستخدم للإنترنت وهو معدل جيد جدا، وقد انتشر استخدام الكومبيوتر بدرجة كبيرة.

* نعم.. ولكن ماذا عن مكافحة الفساد الاداري باعتباره جهاز المناعة المقاوم للحكومة الالكترونية؟

ـ لا نريد المبالغة في موضوع الفساد الإداري، والأدلة التي نملكها تقول إن نوع الفساد الإداري الذي نشتكي منه في مصر، هو نوع يرتبط بحق المواطن في أخذ الخدمة بالسرعة المطلوبة، فنجد أن المواطن يضطر لدفع شيء ليأخذ حقه، وليس النوع الآخر الأكثر ضررا أي أن تدفع لكي تأخذ شيئا ليس من حقك، هذا موجود أيضا، لكن بنسبة توازي مثيلاتها في أية دولة متقدمة، ستكون هناك دائما نسبة، ومع ذلك نتعامل معها، هناك هيئة رقابة إدارية ونحن لا نتهاون في تحويل أي موظف يثبت أن له دخلا في فساد إداري إلى التحقيق، وأخذ إجراءات ضده مهما كان هذا الموظف.

* الناس تسوق قضية العبارة مثلا على شبهات الفساد الإداري وسواه؟

ـ لقد اتخذنا إجراءاتنا .. بمعنى أننا لم نتهاون في تحويل القضية للنيابة، والنيابة طلبت مالك العبارة لكنه هرب خارج البلاد، وهناك خيط رفيع بين المتهم والبريء، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولقد وصلت التحقيقات إلى وضع ما، وطلبت المتهم، ولم يأت وهذا ليس معناه أننا لم نحقق أو أنه غير متهم وغير مطلوب، هذا الموضوع تم من وجهة نظر الحكومة بأكبر قدر من الشفافية الممكنة ونحن طلبنا من منظمة الملاحة الدولية الاشتراك في التحقيق وتعاونا مع لجنة تقصي الحقائق في مجلس الشعب، وشرحنا لها الموضوع بمنتهى الوضوح، إنه حادث مؤسف بلا شك له مبرراته ولكن في النهاية التقرير أدان طاقم العبارة وليس صاحبها ولا الحكومة.

* الطاقم قاد السفينة على ذمة تقارير أفادت بأنها سليمة؟

ـ العبارة كانت سليمة ومطابقة للمواصفات، الطاقم هو السبب، قائد السفينة لم يصدر أمرا بإنزال قوارب النجاة رغم أن عدد القوارب كان ضعف المطلوب، لم يصدر أمرا بإخلاء السفينة أو ارتداء (جاكت النجاة) وفي مثل هذه الحوادث السفينة تغرق فجأة، والأرجح أن من تم انقاذهم هم من كانوا على سطح العبارة، وهذه العبارة كانت أقرب للشواطئ السعودية من المصرية، كانت على بعد 100 كيلومتر خارج نطاق البحث والإنقاذ، والغرق كان في الثانية عشرة بعد منتصف الليل.

* إذا كان مالك العبارة بريئاً والقبطان هو المسؤول الوحيد لماذا إذن لا يعود ممدوح اسماعيل ليمثل أمام القضاء وينعم بالبراءة؟

ـ اعتقد أن عليه أن يعود ليمثل أمام جهات التحقيق وأجهزة الدولة لا تأل جهدا لإعادته.

* يقول خبراء إن إصابات إنفلونزا الطيور في مصر أظهرت أنه لا توجد بها صناعة دواجن بالمعنى المتعارف عليه عالميا ؟

ـ هذا صحيح، لذلك اتخذت قرارا بإعادة هيكلة صناعة الدواجن، رغم أننا تعرضنا للهجوم، وأنا ذهبت إلى مجلس الشعب وقلت إننا جادون في هذا، لأن صحة المواطن المصري فوق أي اعتبار، عندما لا يوجد تهديد لا توجد مشكلة، لكن اليوم يوجد خطر من الطيور الحية، فنأخذ احتياطاتنا من المزارع، الرياشات (ماكينات نزع الريش بعد الذبح)، المجازر والتوزيع، ويجب أن ننتقل بهذه الصناعة، لكن هذا الانتقال لا يمكن أن يتم في يوم وليلة سيأخذ سنوات لكننا بدأنا وأنا أتابعه، وهناك اجتماعات دورية تعقد لهذا الموضوع حتى نستطيع أن نصل إلى صناعة عصرية في هذا الاتجاه.

* نأتي الى قضية الدم الملوث؟

ـ لا يوجد دم ملوث في مصر، وأكياس الدم لا تسبب تلوث الدم، والأزمة أن هناك بعض الأكياس غير مطابقة للمواصفات المصرية تسمى أكياس معيبة، وحتى العيب فيها هو عيب يتعلق بالمقاسات والأبعاد، وهو عيب لا يؤدي إلى التلوث والذي يقول غير ذلك شخص غير مسؤول لأن ما قاله أدى إلى أن حملات التبرع بالدم تأثرت، وأنا أشكر كل من ساهم في الحملات الاخيرة من أول وزير الصحة لأنها أعادت رصيد الدم إلى وضعه الطبيعي في مصر، فيجب أن نتوخى المسؤولية عندما نتعرض لقضية حساسة مثل تلك.

* في الأزمات الثلاث التي أشرنا إليها (العبارة ـ إنفلونزا الطيور ـ أكياس الدم المعيبة) هناك قاسم مشترك ربما كشف عن وجود أزمة مصداقية بين الحكومة والناس.. هل تعتقد أن الحكومة قصرت في شرح سياستها؟

ـ إطلاقا هناك انفتاح كبير على وسائل الإعلام، وهذا يضع مسؤولية على الجميع، ويضع مسؤولية أكبر على الحكومة في شرح أية أزمة تحدث، فأنا أطلب من المسؤولين ان يشرحوا للناس، واليوم أية أزمة تحدث يظهر المسؤول في نشرة الأخبار لكي يشرح الموقف.