طلال سلمان


لم يعد بإمكان أحد، في لبنان، أن يدعي امتلاكه مفاتيح الحل، في مفارقة مفجعة مع التكاثر الفائض عن الحد في رفع شعارات السيادة والاستقلال والقرار الوطني الحر.
من أصغر فلاح في آخر قرية حدودية إلى قادة الأحزاب والتيارات والجبهات فإلى الوجاهات السياسية التي تتزاحم على الشاشات، يبدأ الحديث بالعنتريات اللبنانية المألوفة وهي أقرب إلى الزجل، ثم يتدرّج نزولاً في اتجاه التسليم بأننا لا نملك من أمرنا شيئاً، وأن مسألتنا لم تعد مسألتنا، وبأن القرار فيها ليس في أيدينا.

تتزاحم القضايا التي تسد طريق الاهتمام بمسألتنا، وتُبدل عناوينها لتزوير حقائقها، وعلى سبيل المثال وليس الحصر:

يتراجع الحديث عن الكارثة العربية التي حلت بالعراق نتيجة الاحتلال الأميركي فمزقت كيانه السياسي وشرّدت الملايين من شعبه وتسبّبت في laquo;تصفيةraquo; أو laquo;اغتيالraquo; أو laquo;قتلraquo; مئات الآلاف من رجاله ونسائه وأطفاله، ليتم التركيز على laquo;الملف النوويraquo; الإيراني.

الاحتلال في أزمة، والإدارة الأميركية تواجه محاسبة تتصاعد حدتها سواء في الكونغرس أو في الشارع حيث ازدحم في التظاهرات الأخيرة عشرات الآلاف من المواطنين الغاضبين المطالبين بضرورة وقف المذبحة والانسحاب من العراق المدمّر الآن والذي يكاد شعبه يغرق في الفتنة التي نظمها الاحتلال وما زال يشرف عليها بل ويحاول تعميمها بالتواطؤ مع أصوليات تعميها أحقادها ونقص ثقافتها فتتوجه برصاصها إلى شركاء المصير بدل أن تتكاتف جميعاً فتثبت إيمانها بدينها ووطنها (وديار الإسلام) عبر مقاومة المحتل وتحرير الأرض والإرادة..
ولأن الاحتلال في أزمة تشتد خطورتها بما يستدعي استقدام المزيد من الجند وأسلحة الدمار والقتل والترويع، فلا بد من تعظيم شأن الفتنة الداخلية من جهة، ولا بد أيضاً من النفخ في بالون الخطر الإيراني على عروبة المنطقة والتركيز على laquo;مذهبيةraquo; هذه الدولة لإخراجها من الإسلام، فكيف إذا ما غدت نووية؟!

وبين الفتنة الداخلية والخطر النووي المستجد تمكن غواية الدول العربية التي كانت على الدوام خارجة على العروبة، بل وتعتبرها بدعة أو حتى دسيسة أجنبية، لاستعدائها ضد إيران التي باتت مصدر الخطرين: المذهب المخالف للأكثرية والنووي المخيف لهذه الأكثرية..
بالمقابل تتبدى إدارة الاحتلال الأميركي للعراق، والتي باتت لها قواعد عسكرية هائلة في مختلف أرجاء المنطقة العربية المحيطة بإيران، وكأنها مصدر الأمان، وحامية ديار الإسلام والمسلمين من الخطرين المتلازمين: المذهبي والنووي.

ولزيادة التعقيد والتعمية على الواقع وحقائقه laquo;تُعيَّنraquo; إيران طرفاً داخلياً في المسألة اللبنانية، ويُطلب منها أن تحل تعقيداتها التي تحمل جميعاً بصمات الإدارة الأميركية... وبالتالي يصبح سهلاً اتهام طهران بأنها تسهم في تحويل الخلاف السياسي في لبنان إلى فتنة مذهبية، ومع ذلك يتم التركيز عليها بأنها هي العقبة في وجه الحلول المقترحة، وهي الحلول التي لم تتورّع الإدارة الأميركية، بلسان سفيرها في بيروت ووزيرتها الآمرة الناهية على العرب، عن رفضها واعتبارها مناقضة بل ونافية لشروط السيادة والاستقلال والقرار الوطني الحر..

وهكذا يستقر في يقين أي مواطن أن الحل بعيد بمصدره وبزمنه... وأن علينا انتظار أن يجد الاحتلال الأميركي للعراق مخرجاً من مأزقه، فتدمير هذه الدولة العربية القوية لم يقرّب هذا المخرج، والفتنة التي يُساق إليها شعبها تؤذي العراقيين في حياتهم وفي مستقبلهم فوق أرضهم ولكنها لا توفر المخرج للاحتلال، بل هي ستزيد من مخاوف جيران العراق، وبينهم ـ بل على رأسهم ـ إيران التي تُضاف إلى خطاياها أو جرائمها أو مطامعها أنها تمضي في إنتاج السلاح النووي خصيصاً لإرهاب أهل الخليج المستضعفين والذين لا تكفيهم حماية الأساطيل الأميركية بل لا بد لاستيلاد الطمأنينة من أن تدمّر laquo;دولة ولاية الفقيهraquo;.

إذن علينا انتظار بعض الانجازات الأميركية البسيطة ومنها: إسقاط النظام الإيراني، بعد تدمير منشآته النووية، والتمزيق الكامل للعراق، والاطمئنان إلى انتشار الفتنة بين المسلمين على امتداد أقطارهم، مع تخصيص لبنان بحصة منها..

بعد ذلك يمكن الحسم في مسألة حكومة الوحدة الوطنية والحل السياسي للأزمة في لبنان.

ولأن الوقت عند العرب بلا قيمة فإن بإمكان اللبنانيين أن يصبروا وينتظروا العثور على مفتاح الفرج.
ومن صبر ظفر، ومن لج كفر... وإن الله مع الصابرين!