الأثنين 26 فبراير 2007

خيري منصور


ما من مرة شاهدت فيها غلاف ldquo;النيوزويكrdquo; وقد تحول الى ما يشبه الزنزانة أو التابوت لرئيس غير مرغوب فيه أمريكياً، إلا وتذكرت على الفور ذلك العدد من المجلة الذي صدر بعد إعلان صدام الشهير عن امتلاك سلاح كيماوي يكفي لتدمير نصف الدولة العبرية، قرأت العدد في مطار موسكو، وفي السوق الحرة لأن البيروسترويكا كانت في فصلها الأول، أما الغلاف فهو صورة الرئيس العراقي السابق. وقد كتب فوقها ldquo;الليالي العراقية السوداء القادمةrdquo;.

وقبل شهر تقريبا كان ضيف غلاف ldquo;النيوزويكrdquo; مقتدى الصدر، أما الصورة فهي لقطة نادرة، لرجل مجعد الوجه رغم أنه ليس طاعناً في السن، وله عينان ضيقتان تنظران بحذر الى القارئ.

أما العنوان، فهو ldquo;أخطر رجل في العراقrdquo; وحين غضب الأمريكيون على أحمد الجلبي قبل بضعة أعوام، وبالتحديد بعيد احتلال العراق، كان غلاف ldquo;النيوزويكrdquo;.. فهو ldquo;الرجل الخطأrdquo;، رغم أن الخطأ الجذري كان الاحتلال ذاته.

وآخر أعداد المجلة غلاف يتقاسمه الرئيس بوش والرئيس الإيراني نجاد أو العنوان هو ldquo;الحرب المحتملةrdquo;.

وليس معنى هذا أن مجلة أمريكية من هذا الطراز لا تصدر عن الهوى، وتتنبأ دائماً بما سيحدث حتماً، فقد سبق لها أن أنذرت بالموت، من ضاعف الفرزدق من أعمارهم على طريقة..

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً

أبشر بطول سلامة يا مربع

ذلك لأن الاستراتيجية الأمريكية في حقبة ما بعد الحداثة وما بعد السيادة في المجتمع الدولي، قد تظهر غير ما تبطن، وما يدار وراء الكواليس غير ما يدور على خشبة المسرح، واللبيب المقصود بالإشارة أصابه الدوار وأحياناً الخمول لفرط ما تطن الأصوات في أذنيه، بحيث يصاب بعمى سمعي.

إن مرحلة إسقاط النظم غير المرغوب فيها أمريكياً، سواء حملت اسم محور الشر أو الدول المتطرفة مقابل دول أخرى معتدلة، بدأت عملياً في نهاية السبعينات، وقد يكون وولفويتس، هو المايسترو الذي ضبط العزف والإيقاعات، سواء كانت على طبول الحرب أو على أطلال المدن. لهذا كوفئ بما كوفئ به من قبل ماكنمارا، الذي اقترن اسمه بالحرب الفيتنامية، ومهر البنتاجون ببصمة حمراء.

إننا نعيش حقبة تاريخية من طراز قد يكون مسبوقاً من حيث الخطوط العريضة والعناوين الكبرى، لكنها جديدة وطازجة بمقياس آخر هي باختصار حقبة الحروب البديلة، أو التي تحدث بالنيابة لا بالأصالة، وهي أيضاً حروب ساسة وجنرالات يرفعون شعارات تصل حد التقديس لكنها مدنسة حتى النخاع، لأنها تنتمي الى حروب النهب، وتطبق فلسفة السطو المسلح بكامل التفاصيل.

وهناك من يرون أن سياسات الولايات المتحدة في حروبها الجديدة، هي في الصميم من لعبة عض الأصابع والقدرة على الاحتمال، وكانت واشنطن تراهن على أن الإسقاط السريع لبغداد سيتيح لها ترويع العديد من الدول غير المرغوب في نظمها السياسية، لكن العواصف العراقية هبت بما لا يشتهي الأسطول، واعترف الرئيس بوش نفسه بأن هناك قواسم مشتركة بين الحرب على العراق والحرب على فيتنام.

إن أغلفة ldquo;النيوزويكrdquo; عيّنة نموذجية من ميديا تستثمر علم النفس السياسي، وأحياناً تستثمر منجزات الانثروبولوجيا، خصوصاً ما يتعلق منها بشعوب هذه المنطقة.

والغلاف سواء كان لمجلة أو لرسالة يصلح تابوتاً أو زنزانة.. أو خندقاً.