الذاكرة المغيبة في اتحاد الكتاب العرب...

أنور بدر ـ دمشق،القدس العربي

في أيلول/ سبتمبر من عام 2004 احتفى اتحاد الكتاب العرب في سورية بالذكري الـ (50) لتأسيسه، وفي شباط/ فبراير من هذا العام 2007 احتفي الاتحاد ذاته بالذكري الـ (38) لتأسيسه، ومابين الاحتفاليتين سنوات ضائعة وذاكرة مُغيبة، لصالح أيديولوجيا تلغي التاريخ.
في احتفالية عام 2004 اعتبر السيد علي عقلة عرسان الرئيس السابق للاتحاد، أن التأسيس بدأ عام 1954 في الاجتماع الشهير ضمن فندق بلودان الكبير، بينما السيد حسين جمعة الرئيس الحالي للاتحاد لا يعترف بالتأسيس الا مع المرسوم التشريعي 72 لعام 1969 الذي شرع وجود الاتحاد. لكن دعونا نعترف أن هذا الاتحاد كان موجوداً كفعالية ونشاط قبل المرسوم وقبل اجتماع بلودان الشهير أيضاً. ولا أدري لماذا تكرس مؤسساتنا الثقافية والسياسية مبدأ الجاهلية في الاسلام، حيث يَجبُ كل تأسيس ما قبله، دون أن يتأسس عليه، وكأن السماء تمطر من خواء لا من غيم.
لن نذهب في تقصي البدايات الي الجمعيات الأدبية والثقافية التي نشأت في كنف الدولة العثمانية للتأكيد علي مبدأ العروبة وضرورة الاستقلال عن الأستانة، ولا تلك الجمعيات التي حضرت مؤتمر الصلح في باريس، ولكننا نشير مع الدكتور عمر الدقاق الي الروابط والمنتديات الثقافية التي استمرت أو تزامنت مع الاستقلال، كندوة المأمون، والنادي العربي وأصدقاء القلم، ومنتدي سكينة، والمجمع الأدبي والتي كانت تتوزع ما بين دمشق وحلب. وقد يستغرب البعض أن النادي العربي لا يزال مستمراً في مدينة دمشق منذ تأسيسه عام 1918 وحتي الآن، وفي ذات المقر الذي شهد أحداثاً سياسية وثقافية هامة في تاريخ سورية.
غير أن الخطوة الأهم باتجاه تنظيم الحراك الأدبي والثقافي جاءت مع انتشار عصبة الساخرين سنة 1948 علي خلفية الصراع الذي شهدته دمشق بين المجمع الأدبي وبين ندوة المأمون ، وكبديل عنهما كما أشار بيان تأسيس العصبة، الذي ابتعد قدر الامكان عن التخويض في عالم السياسية والصراعات الفكرية لتلك الفترة.
وفي ضوء الصراعات السياسية التي كانت تجتاح سورية في بداية الحرب الباردة، ظهر أول تجمع للكتاب اليساريين في سورية من ماركسيين ويسار البعث، وبعض المستقلين، عام 1951 باسم رابطة الكتاب السوريين نذكر منهم سعيد حورانية، شوقي بغدادي، مواهب الكيالي وآخرين، أعلنوا في بيانهم التأسيسي الذي تأخر حتي أيار/ مايو 1952 عن صفتهم كتاباً تقدميين، كما ألح البيان علي مسؤولية الكتاب والتزامهم بقضايا أمتهم كجزء من قضايا العالم التي أصبحت واحدة.
يُذكر بهذا الصدد أن عصبة الساخرين تلاشت بسرعة، فيما اشتد عضد رابطة الكتاب السوريين بانضمام كوكبة من الكتاب العرب من ذوي التوجهات الماركسية كحسين مروة ورضوان الشهال وأحمد السويد من لبنان، ويوسف ادريس وعبد الرحمن الشرقاوي من مصر وآخرين.
كل هذا الرهط ذي الطابع اليساري اجتمع في أيلول/ سبتمبر من عام 1954 في فندق بلودان الكبير ليؤسسوا رابطة الكتاب العرب ، حيث تم انتخاب الشاعر شوقي بغدادي كأول رئيس منتخب لهذه الرابطة، والتي حُلت في مطلع عام 1959، ابان الوحدة بين مصر وسورية، لسيطرة الاتجاهات الماركسية عليها، وفي اطار محاربة نظام عبد الناصر أو عدائه للشيوعية والشيوعيين العرب.
في عام 1967 وبُعيد النكسة، حاول السيد عبد الكريم الجندي مسؤول الدعاية والاعلام في القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم اعادة احياء رابطة الكتاب العرب ، لكن بصيغة جديدة، فتم استدعاء لفيف من بقايا الرابطة مع مجموعة كبيرة من الكتاب البعثيين في مكتب الجندي من القيادة القطرية، حيث أعيدت الرابطة الي الوجود باسم اتحاد الكتاب العرب هذه المرة، وتحت هيمنة السلطة السياسية التي منحت الكتاب البعثيين الأكثرية في الاجتماع التأسيسي، كما ذكر شوقي بغدادي في احدي لقاءاته مع صحيفة القدس العربي .
هكذا تحول اتحاد الكتاب العرب من منظمة ديمقراطية مستقلة، ذات طابع نقابي برؤية سياسية، الي مؤسسة رسمية تتبع الحزب الحاكم وتتبني السياسية الرسمية للدولة، وأصبح الاتحاد مؤسسة هجينة كباقي الاتحادات النقابية والحرفية التي ظهرت في سورية، وتكرست هذه البُنية في المرسوم التشريعي رقم 72 لعام 1969 الذي اعتبره السيد حسين جمعة تاريخاً لتأسيس الاتحاد، مُتجاهلاً كل التواريخ التي قبله، وجابا لكل التأسيسات السابقة عليه، والتي سعت لبلورة دور الاتحاد كمكون ضمن مؤسسات المجتمع المدني يهدف الي الدفاع عن حرية الكتاب ومصالحهم حتي لو جاءت بالتعارض مع السلطة السياسية وقرارات الحكومة أو توجهاتها.
مسألة أخري مُلفتة للانتباه، أن السيد علي عقلة عرسان حاول في احتفال 2004 أن يؤكد علي الطابع العربي للاتحاد حيث جري الاحتفال برعاية الرئيسين بشار الأسد واميل لحود معاً.
وتم تكريم عشرين اسماً يَنتمون الي سورية ولبنان ومصــر وتونس والأردن والكويت وفلسطين والجزائر والمغرب وليبيا والبحرين والعراق وصولاً الي دبي واليمن، رغم أن قائمة المكرمين خلت من أسماء المؤسسين الأوائل اليساريين،
فيما الاحتفال الأخير الذي قاده الدكتور حسين جمعة جاء برعاية الدكتور هيثم سطايحي عضو القيادة القطرية رئيس مكتب الثقافة والاعداد والاعلام، وغاب الوجود العربي عن قوائم المكرمين الذين توزعوا ما بين مؤسسين وأدباء متقاعدين، تم اختيارهم بطريقة ملفتة للانتباه أيضاً، إذ ضمت قائمة المؤسسين كلاً من الكتاب أحمد حيدر، حنا مينة، حيدر حيدر، زكريا تامر، سليمان العيسي، علي الجندي، علي الخش، علي كنعان، عمر الدقاق، فؤاد نعيسة، فاضل السباعي، قمر كيلاني، ممدوح سكاف، يوسف الخطيب، محمد أديب اللجمي، ويبدو أن اختيار بعض الأسماء ضمن هذه القائمة محاولة للمصالحة مع بعض المشاغبين، بغض النظر عن خلفيتهم التنظيمية أو العقائدية، أكثر منه مصالحة سياسية، بدليل ورود اسم الكاتب اليساري ميشيل كيلو، ضمن قائمة التكريم للأدباء المتقاعدين، علماً بأن السيد كيلو لا زال في السجن بقرار اتهام جديد، بعدما كان القاضي العام قد وافق علي اطلاق سبيله بسند كفالة منذ اشهر، وقد دفعت تلك الكفالة، مما شجع البعض علي التفكير بأن ورود اسم كيلو في قائمة التكريم ربما يكون مناسبة اطلاق سراحه، الا أن آخرين يؤكدون بأن السيد حسين جمعة ربما لم يعرف بكل قضية ميشيل كيلو، والا لكان الاتحاد معنياً بالدفاع عنه بالمعني النقابي، وبمعني حرية الرأي، خاصة وأن المؤتمر الأخير لاتحاد الكتاب العرب كان قبل أسبوع واحد من حفل التكريم المشار اليه.
لكن الملاحظة الثانية أن من حضر من المكرمين في هذا الحفل كان أقل من النصف، فاذا تعذر حضور ميشيل كيلو حفل التكريم بسبب السجن، فلماذا تغيب الآخرون؟! وقد علق أحد الصحافيين: ربما تأخرت بطاقات الدعوة في الوصول اليهم، كما تأخرت دعوة الاعلاميين الي مؤتمر الاتحاد كعادته كل عام!!