الجمعة 2 مارس 2007

لين شو وجون يو

قبيل انتخابات نوفمبر النصفية الماضية، شدد الكثير من المرشحين quot;الديمقراطيينquot; والأكاديميين القانونيين، على عدم شرعية الحرب على العراق، زاعمين أن الكونجرس وحده -وليس الرئيس الأميركي- هو القادر على لجمها وإدارتها شرعياً ودستورياً. غير أن الذي يثير الاهتمام الآن، أن quot;الديمقراطيينquot; هم الذين يسيطرون على الكونجرس بمجلسيه، وأنهم شرعوا في القول إن قطع التمويل عن الجهود الحربية الجارية، أو خفض عدد قواتنا هناك، ربما لا يكون إجراءً دستورياً. وها هم الآن وقد بدأوا الاعتراف للتو، بأنه ربما كان من الأفضل للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وللسلطة التنفيذية في البلاد، أن يعملا بعيداً عن تدخل الكونجرس الإداري، في نهاية الأمر. وبالطبع لم يصمت quot;الديمقراطيونquot; من أعضاء الكونجرس، عن الحرب. فقد شهد الأسبوع الماضي، عروض سيرك تشريعية في كلا المجلسين، قدمت خلالها مسودات تشريعية، هدفت جميعها إلى غل يد الرئيس، والحد من سلطاته الرئاسية التنفيذية. غير أن القاسم المشترك بين تلك العروض والمسودات جميعاً، هو أنها لا تعدو كونها مواقف رمزية، لا حول لها ولا قوة. ونستثني من هذا الحكم بالطبع مشروع قرارين، أحدهما قدمه quot;راسل فاينجولدquot;، الذي دعا إلى خفض التمويل المخصص للحرب، إضافة إلى مشروع قرار مماثل، تقدم به السيناتور quot;باراك أوباماquot;، دعا فيه إلى خفض عدد قواتنا في العراق. إلا أن كليهما لم يكن مصيره سوى التجاهل من قبل القيادة quot;الديمقراطيةquot;.
أما الحقيقة العارية فهي أن بيد الكونجرس كل الصلاحيات والسلطات التي تخوله وضع حد للحرب. وإن شاء الكونجرس فعلاً، فإن بجيبه محفظة المال اللازم للحرب. وهناك سوابق تشريعية عديدة في هذا الخصوص. ففي عام 1973، أصدر الكونجرس تشريعاً قضى بموجبه بوقف تمويل حرب فيتنام. وبموجب quot;تعديلات بولاندquot; التي أجيزت في عام 1982، قطع الكونجرس التمويل المخصص لمنظمة quot;الكونتراquot; في نيكاراغوا. ولا تقتصر صلاحيات الكونجرس على قطع تمويل الحرب فحسب، وإنما في وسعه أيضاً، المطالبة بتحديد جدول زمني لانسحاب قواتنا من العراق، أو تقليص الوحدات، إلى جانب صلاحيته الخاصة بتجميد إرسال الأسلحة والتعزيزات العسكرية. وللكونجرس كامل الصلاحية في نقض أو تعديل أي من التشريعات الخاصة باستخدام القوة، التي كان قد أجازها في عام 2002.
أما على صعيد الممارسة التشريعية، فإنه لا يقدر للدعوة للانسحاب، أن تحظى بأي قدر من النجاح. والسبب هو أن نقض quot;الفيتوquot; الرئاسي، يتطلب الحصول على أغلبية ثلثي الأعضاء، وهي ما يتعذر تحقيقه. غير أنه لا تقف أي عقبة على اعتراض الكونجرس على قرار الرئيس بوش الأخير، القاضي بإرسال المزيد من القوات إلى العراق. ذلك أن كل الذي يطالب بالقيام به، هو التزام الأعضاء بالجلوس في مقاعدهم، وعدم التصويت لصالح زيادة الإنفاق المالي الإضافي اللازم لضمان استمرار الحرب. وللكونجرس رصيد ومواقف مشهودة في التهديد بإجراء كهذا، على نحو ما فعل مع الرئيس الأسبق جيمس كي. بولك، في الحرب المكسيكية-الأميركية، وكذلك مع الرئيس رونالد ريجان، عقب تفجير الثكنات العسكرية لجنودنا في لبنان، عام 1983.
ومشكلة الدستور أنه لا يقرر الفائزين والغانمين، وإنما يترك ذلك للسلطات الثلاث، كي تستخدم كل واحدة منها نفوذها وصلاحياتها، لفرض هيمنتها وترجيح كفتها على الأخرى. ولنذكر في هذا الصدد، تمكن quot;جيمس ماديسونquot;، القوة الفكرية الدافعة للدستور، من إلحاق هزيمة ماحقة، بالهجوم الشرس الذي شنه quot;باتريك هنريquot;، على السلطات التنفيذية الخاصة بالحرب، في اجتماع المصادقة على الدستور في فرجينيا، وذلك بتذكيره إياه بأن في وسع الكونجرس لجم أي رئيس متمرد للبلاد، بتجفيف الموارد المالية عنه. ولنذكر أيضاً أن المسؤولية تستصحب السلطة والنفوذ. والحقيقة التي لابد من تقريرها هنا، أن الكونجرس الحالي، يجهل ما يجب فعله إزاء العراق. وفي تردده الحالي، ما يعكس تردد بلادنا كلها وتصدعاتها وانقساماتها الداخلية. وهذه لحظة يطغى عليها المزاج العام المعادي للحرب، وتتردد فيها أصداء الإحباط الشعبي العام إزاءها، والأخبار السيئة الواردة يومياً من بغداد.
وعلى أية حال، فإن مما لا ريب فيه أن نوابنا وممثلينا في الكونجرس، يدركون جيداً أن السياسات والاستراتيجيات لا تصنع بواسطة استطلاع الرأي العام. كما يدرك معظمهم في الوقت ذاته، أن ترك العراق لقمة سائغة للصراع الطائفي الوحشي الدائر حول السلطة، سيهزم عزمنا وكلمتنا أمام الأسرة الدولية كلها، وأنه لن يفضي إلا إلى المزيد من المجازر الطائفية وحمامات الدماء. والأخطر من ذلك، فإن سيطرة دولة فاشلة في العراق، لن تسفر إلا عن المزيد من الإرهاب، لكونها توفر قاعدة جديدة لتدريب المتشددين والإرهابيين، ومنطلقاً آمناً لهم. وغني عن القول إن غالبية أعضاء الكونجرس الحالي، لا تريد تكرار تجربة فيتنام المريرة. وحتى هذه اللحظة، فإن الخسائر البشرية الأميركية في هذه الحرب، لا تزال أقل بكثير مما كانت عليه خسائرنا في فيتنام. وفيما لو انسحبنا الآن، فإن ذلك لا يقرأ إلا بكونه هزيمة ماحقة منينا بها، بينما يعزز شوكة الإرهابيين، ويزيد من عزمهم وهجماتهم على جنودنا هناك. ولطالما يؤدي موقف مهين كهذا، إلى تجديد العالم لشكوكه مرة أخرى في منعة أميركا وقوتها. وعندها سنخسر مصداقيتنا في لعب دور دبلوماسي يليق بالقوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم، بينما نكون قد ألَّبنا الإرهابيين والمتشددين على بلادنا، وحرضناهم على شن المزيد من الهجمات علينا، أينما كنا في الداخل والخارج معاً.
لكن وعلى رغم فهمنا لكافة هذه الاعتبارات، فإن الحقيقة الماثلة أمام ناظرينا الآن، هي أن quot;الديمقراطيينquot; في الكونجرس، أضحوا أكثر ميلاً للجلوس والفرجة، تاركين الحبل على الغارب للرئيس، كي يصعِّد حربه كما يشاء، دون أن يحركوا ساكناً. وبذلك فإنهم يخططون لانتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما يبدو، بأصابع الاتهام وتوجيه اللوم لخصومهم، وتقاذف كرة نظرية المؤامرة لا أكثر. ولكن هل في ذلك ما ينقذ أميركا من مأزقها الحالي؟

لين شو
محامٍ بمدينة نيويورك
جون يو
أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا وباحث زائر بمعهد quot;أميركان إنتربرايزquot;