طلال سلمان
لا مبالغة في اعتبار التلاقي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران بداية لمرحلة جديدة في العلاقة بين العرب والإيرانيين المتجاورين في التاريخ والجغرافيا إلى حد تشابك الحدود وتداخلها، بل كذلك في العلاقات بين المسلمين عموماً، سنة وشيعة، الذين لم يمنع توحّدهم في الدين من الاختلاف إلى حد laquo;التكارهraquo; والتنابذ بالألقاب في المذاهب..
التوقيت مهم بذاته.. إذ يتم التلاقي بينما الإدارة الأميركية تسعى، للتخفيف من وطأة جنايتها باحتلال العراق، إلى تفجير حرب مذهبية بين المسلمين، سنة وشيعة.
ولا يحتاج الأمر إلى إعمال الذهن للتكهّن حول الغاية من هذه الحرب التي ستكون بالضرورة laquo;قذرةraquo;... إذ من الواضح أن هذه الحرب ستصيب الدين الإسلامي ذاته بجراح يصعب أن يبرأ منها بسهولة، ثم أنها ستعيد المسلمين بنتائجها المفجعة حكماً قروناً إلى الخلف، فتدمّر اقتصادياتهم وهياكل دولهم التي بالكاد عادت لأهلها، وتنسف أحلامهم على الجانبين بالتقدم وإثبات الجدارة والأهلية بأن يكونوا من laquo;أهل العصرraquo;، عقولهم الأقوى من غرائزهم مشغولة بالمستقبل لا بموروثات الماضي حيث تختلط الوقائع بالخرافات والمدسوس بالصحيح والمنقول بالأصل السوي، وحيث تمكّن المتعصبون والجهلة من إقفال النوافذ والأبواب على الدين الحنيف بحيث بات سهلاً على الاستعمار الغربي (قديمه والجديد) أن يوظف الإسلام لمصلحته وضد المسلمين، بسنتهم وشيعتهم على حد سواء.
لقد تأخر هذا التلاقي أكثر مما يجب، في السياسة وفي المصالح، وكذلك في ما يخدم الإسلام والمسلمين... بل أن التأخير فيه، وبمعزل عن المتسبّب، قد استعمل لتغطية laquo;الحرب الظالمةraquo; التي أعطيت زوراً وبهتاناً اسم laquo;قادسية صدامraquo;، وما هي من laquo;القادسيةraquo; في شيء بل هي نقيضها. فلقد موّه صدام حسين حربه على الثورة الإسلامية في إيران بالشعار القومي، في حين أنها كانت حرباً أميركية ـ إسرائيلية على طرفيها: العرب بمجموعهم، وكذلك شعب إيران الذي كان يتطلع إلى أخوته في الدين، وفي الجغرافيا، آملاً ترحيبهم بعودته إليهم بعد إسقاط الشاه الذي كان عداؤه للإسلام ظاهراً ومعلناً في حين لم يكن يخفي احتقاره واستعلاءه عليهم ملوكاً وسلاطين ورؤساء فكيف بالأمراء والمشايخ.
... وها هي الإدارة الأميركية تبدّل في أسلوبها، في محاولة للتخفيف من مأزق احتلالها المدمّر للعراق، فتسعى إلى تعميم الكارثة بتحريض المسلمين على المسلمين، متخذة لنفسها موقع المرجع الصالح للحسم في المسائل موضع الخلاف من شؤون أتباع الدين الحنيف.
ومع الأخذ بالاعتبار المخاوف، سواء أكان يمكن إدراجها في خانة تهيّب laquo;الصغيرraquo; من جاره الكبير وlaquo;أطماعهraquo; التي قد لا تكون معلنة، فإن laquo;إنجازاتraquo; الإدارة الأميركية في العراق تتخذ الآن بُعدها الأخطر باستعداء السنة على الشيعة، متظاهرة بالتعاطف مع laquo;مطمحraquo; الشيعة إلى السلطة لاستفزاز السنة، ليس فقط داخل البلد الذبيح، بل في المحيط السني جميعاً، والذي يضم إضافة إلى العرب بعض الدول واضحة الارتباط بالإدارة الأميركية، من باكستان إلى أندونيسيا، ومن تركيا إلى ماليزيا، فضلاً عن الأردن الذي كان مليكه أول من أطلق شعار الفتنة الذي يحمل البصمات الأميركية ـ الإسرائيلية، تحت عنوان laquo;الهلال الشيعيraquo;.
إن شرط نجاح هذا التلاقي الذي ينظر إليه العرب والإيرانيون بكثير من الأمل، ومعهم الغالبية العظمى من المسلمين، هو: المصارحة الكاملة، وطرح الهواجس والمخاوف بقصد تبديدها تماماً، وبصدق، ليمكن من ثم فتح الباب للتفاهم على المستقبل، وأساسها المصالح المشتركة وأخطرها laquo;الأمنraquo;...
وlaquo;الأمنraquo; هو السلاح الأخطر الذي يستخدمه الاحتلال الأميركي ليس فقط لتبرير وجوده العسكري وإدامة هذا الوجود، بل أساساً لتحريك نار الفتنة تحت ذريعة خوف الصغير من الكبير، أو استعادة وقائع مبتورة من التاريخ لتغذية الأحقاد من نوع الترويج مجدداً لمقولة إن laquo;البدو من العرب قد دمّروا الإمبراطورية الفارسية بسلاح الإسلامraquo;، وأنه آن الأوان لأن يستعيد الفرس أمجادهم باستخدام شيعيتهم لضرب الإسلام!
إن الدرس العراقي واضح بحيث لا يحتاج إلى شرح تفصيلي..
وهذه بعض آثاره تتجلى ناطقة ومخيفة في لبنان المهدد في هذه اللحظة بوحدته التي هي شرط وجوده.
من هنا فإن اللبنانيين قد يكونون أكثر العرب (والمسلمين) تلهفاً لتلقي أخبار طيبة عن هذا اللقاء الذي يمكن أن يكون مقدمة لطي صفحة سوداء في العلاقات بين الأخوة في الدين على اختلاف قومياتهم.
وأولى نتائج هذا اللقاء الذي يتمناه اللبنانيون ناجحاً ستتجلى في تفريج كربة الوطن الصغير المهدد بنار الفتنة والتي يحس بألسنة نيرانها في شوارع عاصمته.
- آخر تحديث :
التعليقات