رسالة أنقرةrlm;:rlm; أسامة عبدالعزيز


يبدو أن الإدارة التركية بجناحيها العسكري والمدني باتت اليوم علي قناعة تامة بتطبيق مبدأ أو سيناريو لا صداقة دائمة أو عداوة دائمة المتعارف عليه في أدبيات السياسة الدولية بغية تحقيق مصالحها في ملف العراق الشائكrlm;..rlm; خاصة مدينة كركوك وعناصر حزب العمال الكردستانيrlm;..rlm;

فبعد تخطيط دام لفترة طويلة لحسمه عسكريا والتحالف مع قوي أخري اضطرت وبشكل مفاجئ إلي توجيه البوصلة طواعية إلي اعتماد مبدأ الحوار مع زعماء الأكرادrlm;,rlm; ربما لإدراكها أن ظروف العسكرة لن تخدمها في الوقت الراهنrlm;,rlm; خاصة أن صانع القرار التركي في الفترة الأخيرة يعلم أن المرونة تمكنه من تحقيق مصالح بلاده مادام امتلك قواعد اللعبة جيداrlm;.rlm;

بدأ فصل التحول غير المتوقع عندما طرح رجب طيب أردوغان بالونة اختبار للفصائل السياسية والعسكرية في تركيا بتصريحه الشهير يومrlm;18rlm; فبراير الماضي بأنه مستعد لإجراء حوار مع أكراد العراق وأن أنقرة ترغب في إقامة علاقات مع حكومة الإقليم الكردي الذي يحظي بالحكم الذاتي في شمال العراقrlm;,rlm; وعلي الفور قابله رئيس هيئة الأركان بانتقادات شديدة رافضا مبدأ إجراء حوار مع من يقدمون الدعم لحزب العمال الكردستاني وهو ما استغلته أحزاب المعارضة في شن الهجوم علي الحزب الحاكم مما دعا عبدالله جول وزير الخارجية إلي توجيه اللوم للمعارضين وإجراء حوار بقولهrlm;:rlm; إنه يجب علي الحكومة إجراء مباحثات مع كل الجماعات في شمال العراق للمساعدة في ضمان اتخاذهم القرارات السليمةrlm;,rlm; بل استطرد قائلاrlm;:rlm; إن الجنود يتحدثون بالأسلحة ولأجل عدم الوصول إلي هذه المرحلة يتعين علي الساسة القيام بعملهمrlm;,rlm; الأمر الذي أشاع جوا من بوادر انشقاق في جناحي الإدارة جعلهما في النهاية يحتكمان إلي مجلس الأمن القومي انتهت في جلسته يومrlm;23rlm; من فبرايرالماضي إلي اعتماد منطق الحوارrlm;.rlm;

وذهبت طموحات الإدارة في تركيا إلي السعي لعقد قمة علي مستوي زعماء دول الجوار باسطنبول بحضور ممثلي دول مجلس الأمن الخمس دائمة العضوية ومجموعة الدول الثماني الكبريrlm;,rlm; في الوقت الذي يقاطع فيه الرئيس التركي رئيس العراق الكردي جلال طالباني والتصريحات المدوية التي أطلقها مسعود البرازاني رئيس إقليم كردستان لفضائية تركية من أن كركوك مدينة كردية ويجب علي تركيا أن تتعود علي هذه الحقيقةrlm;.rlm;

وبطبيعة الحال طرح التحول في الموقف التركي عدة أسئلة شملتrlm;..rlm; لماذا الاتجاه إلي الحوار بدلا من العسكرة؟rlm;..rlm; وما هي الأهداف المرجوة منه؟rlm;..rlm; ولماذا اختارت هذا التوقيت بالذات وهي مقبلة علي انتخابات رئاسية وأخري برلمانية؟

الأمر المؤكد أن الإجابة علي جميع الأسئلة المطروحة لدي المتابع للشأن العام التركي تحتاج إلي النظر في تحليل مشكلات البيئة الداخلية والخارجية لعملية صنع القرار بتركيا للكشف عن أوجه الاستمرارية والتغيير في قرارات السياسة التركيةrlm;,rlm; كما يشير الدكتور جلال معوض في كتابهrlm;:rlm; صناعة القرار بتركياrlm;..rlm; من الطبيعي أن تتغير أولويات المصالح التركية طبقا لعدة مؤثرات أبرزها في حالة ملف شمال العراق التغيرات الإقليمية وتداعياتها ومواقف القوي الدولية المؤثرة كالولايات المتحدة الأمريكية حيال مطالب تركيا في شأن هذا الملف تحديداrlm;.rlm;

ومن ثم يسهل رصد أسباب التحول إذ باتت تركيا أكثر قناعة اليوم عن ذي قبل بأن الفوضي التي يشهدها العراق لغياب الإدارة المركزية نتيجة فشل قوات الاحتلال قدم العراق كثمرة ناضجة في أفواه قوة إقليمية بعينها إيران خدمتها كل الظروف في تحريك الأحداث اعتمادا علي الطبيعة الديموجرافية للعراق التي تتمتع بأغلبية شيعية ظلت مقهورة لعقود طويلة وهو ما يزعج جميع القوي الإقليمية الأخري بمنطقة الشرق الأوسط وإن كان انزعاج تركيا بات مزدوجا لاعتبارات تدرك أنها ستؤثر سلبا عليها في المستقبل القريب خشية قيام دولة كردية عراقية في نهايةrlm;2007rlm; وفقا لآليات المادةrlm;140rlm; من الدستور العراقي وهو ما سيشجع النزعة الانفصالية لدي أكراد تركيا بطبيعة الحالrlm;.rlm;

الأمر الآخر للتحول يكمن رصده من خلال اكتشاف تركيا لموقف الولايات المتحدة الأمريكية التي تتفق مع أنقرة في اعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وأنها ترغب في مساعدة تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي إلا أن قواتها مثقلة بالتزامات التصدي للتمرد في أجزاء أخري من العراقrlm;..rlm; كما أن زيارة عبدالله جول الأخيرة لواشنطن علي ما يبدو أسفرت عن نتائج غير متوقعة ولا ترقي إلي تلبية الحد الأدني لمطالب الأتراك في حسم ملف شمال العراقrlm;..rlm; فما كان من تركيا إلا اللجوء مضطرة إلي الانغماس في حل مشكلاتها الراهنة والمستقبلية بنفسها دون الاعتماد علي الآخر وهو ما يكشف عن توقيت إعلانها الاتجاه إلي الطرق بقوة علي أبواب الدبلوماسية لأن الطريق الآخر بات مغلقا لإدراكها أن اللجوء للعمل العسكري بات محفوفا بالمخاطر وسيرفض دولياrlm;.rlm;