مرسي عطا الله

rlm;لا أظن أن أحدا في العالم كله ـ وبالذات منطقة الشرق الأوسط ـ يستطيع أن يتجاهل إشارات واضحة بأن التعامل الأمريكي مع الملف النووي الإيراني علي مدي الأسابيع الأخيرة يكاد يكون صورة بالكربون من مشاهد التحضير للذهاب إلي الحرب ضد العراق عامrlm;2003rlm; باسم ملف أسلحة الدمار الشاملrlm;,rlm; التي اتضح فيما بعد أنها كانت قصة مفبركة من الألف إلي الياءrlm;.rlm;

وربما يرفع من درجة غليان الأحداث هذه الأيام أن حجم المعارضة الدولية لاحتمالات ضرب إيران أقل كثيرا مما كان عليه الحال عشية غزو العراقrlm;,rlm; وأن هناك حدا أدني من توافق القوي الدولية الكبري برز في اجتماع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمنrlm;,rlm; ومعهم ألمانياrlm;,rlm; تحت مسمي لقاء الست الكبار في لندن الأسبوع الماضي باتجاه مزيد من الضغط علي إيرانrlm;,rlm; في الوقت الذي كان نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني يجوب الدول الآسيوية لحشد مواقف التأييد وإطلاق تصريحات الوعيد كان أهمها وأخطرها ما قاله في استرالياrlm;:rlm; إن استخدام القوة مع إيران أشد هونا من السماح لها بامتلاك السلاح النوويrlm;!.rlm;

وفضلا عن كل ما تحدثت عنه في هذه المقدمة التمهيديةrlm;,rlm; فإن الأخطر والأهم هو ذلك الذي نشهده بأعيننا علي الأرضrlm;,rlm; وفي الجوrlm;,rlm; وفي البحرrlm;,rlm; حيث تجري بالتوازي مع الهجوم الدبلوماسي المكثف في المؤسسات الدولية تحضيرات وتجهيزات تؤشر لقرب الانتقال بالملف الإيراني من دوائر الحوار الدبلوماسي في القاعات المغلقةrlm;,rlm; إلي دوائر الحوار بالدم والنار من خلال الطائراتrlm;,rlm; والبوارج الحربيةrlm;,rlm; والصواريخ الذكيةrlm;!rlm;

إن أمام أعيننا ـ بالفعل ـ مشهدا مخيفا من مشاهد الرعب المحتمل بالقرب من شواطئنا عند البحر الأبيض المتوسطrlm;,rlm; وفي المجال الحيوي لأمننا القومي علي امتداد الخليج العربيrlm;,rlm; حيث تتحرك الأساطيل علي سطح الماءrlm;,rlm; وتتمركز إلي جوارها أضخم حاملات الطائراتrlm;,rlm; بينما تحت الماء وفي العمق حركة دؤوبة لا تهدأ للغواصات التي تتنصت علي كل شيء في المنطقةrlm;,rlm; وليس علي إيران وحدهاrlm;!rlm;

والأغرب والأشد إثارة أن إسرائيل ظهرت في الصورة بوجه مكشوفrlm;,rlm; وبدأت تسرب أنباء مقصودة عن طلبها السماح لطائراتها باختراق الأجواء العراقيةrlm;,rlm; وكذلك المجال الجوي لعدد من دول الخليج لتمكينها من ضرب إيرانrlm;.rlm;

وأظن أن كل هذه المشاهد مجتمعة تجعل من الصعب التعامي عن ضرورات التحسب المبكر لهذه الاحتمالات المحملة بكل نذر الرعب والخطرrlm;!rlm;

وليس معني ذلك أنه بمقدوري ـ أو بمقدور أحد غيري ـ أن يجزم بأن الضربة العسكرية ضد إيران آتية لاريب فيهاrlm;,rlm; ولكنني هنا أتحدث عن إشارات يصعب أن تخطئها أي عين سياسية بصيرةrlm;,rlm; أو حتي أن تضعها في كفة ميزان متساوية مع أصوات الرفض والمعارضة التي تتصاعد حدتها داخل الكونجرسrlm;,rlm; لأننا جميعا نعلم أن قرارات الحرب والسلم في النظام السياسي الأمريكي حق مطلق للرئيس وحدهrlm;,rlm; وفق رؤيته واستنادا لحساباتهrlm;.rlm;

لعلي أكون أكثر وضوحا وأقولrlm;:rlm; إن حركة الدبلوماسية الأمريكية في الساحة الدولية التي تتزامن مع حشد عسكري غير مسبوق قرب الحدود الإيرانية يصعب وضعها في كفة موازية لتحذير يطلقه جون بايدن رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي حول مخاطر الدخول في حرب مع إيرانrlm;,rlm; أو لمبادرة يطلقها المرشح الرئاسي الديمقراطي بيل ريتشاردسون لفتح حوار مباشر مع إيران علي غرار ما حدث مع كوريا الشماليةrlm;.rlm;

ثم لماذا يغيب عنا أن إشارات اتجاه الأزمة نحو طريق مسدود ليست صادرة عن التشدد الأمريكي فقطrlm;,rlm; وإنما علي الجانب الآخر هناك إصرار من جانب إيران علي مواصلة تخصيب اليورانيوم بالمخالفة لقرار مجلس الأمن رقمrlm;1737rlm; الذي يطالبها بتجميد أنشطة تخصيب اليورانيومrlm;!rlm;
rlm;
***rlm;
وإذن ماذا؟
إن الذي يهمنا هو حماية مصالحنا القومية في المقام الأول بعيدا عن لعبة الصراع وتصادم المصالح الراهنة بين الاستراتيجية الأمريكية ـ الإسرائيلية من ناحيةrlm;,rlm; والاستراتيجية الإيرانية من ناحية أخريrlm;...,rlm; وليس يغيب عن ذاكرتنا أن هذه الاستراتيجيات المتصادمة الآن توافقت ـ برغم كل التناقضات ـ علي أن تكون ـ ولو بشكل مؤقت ـ خلال غزو العراق استراتيجيات حليفة ومتعاونةrlm;.rlm;

ومن يراجع سجل منطقة الخليج العربي علي مدي ربع قرن يجد أن المنطقة دفعت فواتير باهظة لثلاث حروب لم تكن لها فيها ناقة أو جملrlm;,rlm; فكلها كانت حروب صراعات إرادات إقليمية ودوليةrlm;,rlm; بدءا من الحرب العراقية ـ الإيرانيةrlm;,rlm; ومرورا بحرب تحرير الكويت من الغزو العراقيrlm;,rlm; ووصولا إلي حرب غزو العراق التي لم تنته بعدrlm;.rlm;

وأظن أن المنطقة لا تحتمل استحقاقات حرب جديدة علي خلفية الملف النووي الإيرانيrlm;,rlm; خصوصا أن إشارات عديدة ترجح أن هذه الحرب ـ لو نشبت لا قدر الله ـ فإنها ستكون في المقام الأول استجابة لإسرائيل واللوبي المساند لها في واشنطنrlm;,rlm; والذي يهمس علي مدي الأشهر الأخيرة في أذن الرئيس بوش وكبار مساعديه بأن السبيل الوحيد لتعويض الفشل في العراق يكمن في السعي نحو حرب ضد إيران والانتصار فيها لاستعادة السمعة والهيبة الأمريكية المفقودة علي أرض العراقrlm;!rlm;

ومعني ذلك أنه إذا وقعت الحرب فإنه مهما تكن نتائجها فإن العالم العربي سوف يكون الغارم الأكبر فيها ليس بالحسابات المادية فقطrlm;,rlm; وإنما لأن المنطقة سوف تفقد التوازن الذي يصون استقلالهاrlm;,rlm; وسوف تقع ـ برضاها أو رغما عنها ـ تحت سيف الهيمنة الإقليمية أو الدولية أو الاثنين معاrlm;.rlm;

وإذا قيل ـ والقول في ظاهره صحيح ـ إن العالم العربي لا يملك بين يديه الآن أوراق ضغط مؤثرة تجاه إيران أو الولايات المتحدة الأمريكيةrlm;,rlm; فإن ذلك لا يعني أن نحبس موقفنا داخل صدورناrlm;,rlm; وإنما يتحتم علي القمة العربية المقبلة أن تقول رأيها وأن تعلن كلمتهاrlm;,rlm; وأن تصارح شعوبها بأنه ليس في طاقاتنا ما هو أكثر من إبداء عدم الرضاrlm;!rlm;
rlm;
***rlm;
وربما يقال ـ والقول يبدو مفهوما ـ إن كل المؤشرات ترجح استبعاد الغزو الأمريكي لإيران علي غرار ما حدث للعراقrlm;,rlm; وبالتالي فإن الحديث عن مخاوف من أضرار سوف تلحق بالعالم العربي عامة ودول الخليج خاصة أمر مبالغ فيهrlm;.rlm;

وفي رأيي أن ذلك كلام ظاهره الحق وباطنه كل الباطلrlm;,rlm; لأن المسألة ليست متعلقة بشكل الحربrlm;,rlm; وإنما بما سوف يترتب عليهاrlm;!rlm;

ولعلي أتفق مع الذين يقولون إن الضربة العسكرية الأمريكية ضد إيران سوف تكون ـ علي الأرجح ـ مجرد غارات جوية وقصفات بالصواريخ لتدمير منشآت البرنامج النوويrlm;..,rlm; ولكن هل ذلك يقي المنطقة أخطارا وأضرارا توازي ما يجري في العراق؟

إن المشكلة هي أن هذه العمليات العسكرية الأمريكية عن بعد لن تحل المشكلةrlm;,rlm; وأقصي ما ستحققه من نجاح أنها ستعطل البرنامج النووي الإيراني عدة سنواتrlm;,rlm; بينما لم يشر أحد إلي احتمالات الرد الإيراني علي هذه الضربةrlm;,rlm; وإلي أين سوف يتجه الرد الإيراني الذي يرجح أن يستهدف المصالح الأمريكية علي أرض المنطقة؟ وكيف سيكون شكل العلاقات العربية ـ الإيرانية مستقبلا؟

ثم إن الأهم والأخطر من ذلك كله أن الفرصة الزمنية لتنفيذ ضغط عسكري مؤثر ضد إيران آخذة في التناقضrlm;,rlm; فالكل يعلم أنه مع دخول العام المقبل ـ وهو عام انتخابات الرئاسة الأمريكية ـ سوف يكون من الصعب علي أي إدارة أمريكية أن تغامر عسكريا بهذا الشكل المفتوح علي جبهة واسعة ومفتوحة مثل الجبهة الإيرانيةrlm;..,rlm; فضلا عن أن اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية سوف يؤدي تلقائيا إلي تراجع شعبية الرئيس بوش بسبب تركيز الديمقراطيين علي فتح ملفات الأخطاء الفادحة للسياسة الخارجية الأمريكية خلال فترتي رئاسته التي نجم عنها ازدياد حجم الكراهية الدولية لأمريكاrlm;,rlm; خصوصا في العالم العربيrlm;.rlm;

وقد يغيب عن الحمقي في مطبخ صناعة القرار الأمريكي أن قدرة إيران علي امتصاص الضربة العسكرية الأمريكية سوف تجعل منها الدولة الممانعة للهيمنة الأمريكيةrlm;,rlm; ويفتح شهيتها أكثر لأوهام القدرة علي ابتزاز دول المنطقة مستقبلا ليصبح العرب وقتها تحت رحمة قوتي ابتزاز إقليميتين هماrlm;:rlm; إيران وإسرائيلrlm;!rlm;

والمصيبة أن سبب كل المصائب هو جهل السياسة الأمريكية بشئون المنطقةrlm;,rlm; وعدم القدرة علي فهم نفسية شعوبهاrlm;!rlm;