د. حسن مدن

يساعد الخطاب الذي ألقاه الأمير تركي الفيصل أمام المؤتمر السنوي لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي، منذ أيام قليلة، في فهم بعض نتائج المباحثات الإيرانية السعودية، خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للرياض ومباحثاته مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز. فقد حرص الأمير السعودي الذي يتمتع بخلفية دبلوماسية اكتسبها من عمله الطويل كسفير لبلاده في بريطانيا وفي الولايات المتحدة، قبل أن يستقيل من منصبه منذ بضعة شهور، على أن يرسل عدة رسائل تطمين للمحيط الإقليمي، العربي منه وغير العربي، عن اتجاهات السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في الوقت الراهن وفي الأفق المستقبلي المنظور، حيث تحرص المملكة على تمييز موقفها وسط بحر هائج من العواصف التي تجتاح أكثر من بلد في المنطقة. فهناك نذر المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، التي عبرت الرياض عن سعيها ورغبتها في تفاديها، لأنها ستكون مصدر أذى للمنطقة كلها، على نحو ما صرح به وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل منذ فترة قريبة.

وهناك الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة والذي شارف حدود الحرب الأهلية بعد المجابهات الدامية بين مقاتلي فتح وحماس، والذي كان للسعودية دور حاسم في تطويقه من خلال دعوتها قادة الفصيلين الفلسطينيين الأكبر الى مكة المكرمة ورعايتها مفاوضات بينهما أدت إلى الاتفاق على وقف القتال وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وأخيرا، هناك الوضع المأزوم في لبنان، والذي حرصت الرياض على أن يكون بنداً رئيسياً في المباحثات مع الرئيس الإيراني، بالنظر للعلاقة الخاصة المعروفة بين طهران وحزب الله، وقد ظهرت بوادر انفراج ملموسة في الوضع اللبناني في ضوء التفاهم الإيراني السعودي.

وفي خطابه أمام مؤتمر أبوظبي الأسبوع الماضي حرص الأمير تركي الفيصل على إرسال رسالة ايجابية لسوريا أيضا، بصفتها طرفا في المسألة اللبنانية، حين قال في عبارة صريحة: ldquo;دعوني أقولها بملء فمي، عوضا عن الحلم بهلال شيعي أو التخوف منه، يمكن أن نعمل معا لبناء هلال خصيب يمتد من العراق حتى لبنان، تكون لسوريا صدارة فيه وللأردن حصة فيه ولفلسطين زاوية فيهrdquo;.

والأمير تركي، الدبلوماسي، تحدث بوضوح وصراحة عن القضايا التي تشكل مفاصل التوتر الناشئ في المنطقة، مسميا الأمور بأسمائها، بما في ذلك الخلافات المذهبية التي طغت على السطح في الآونة الأخيرة، جراء التطورات في العراق وإلى حد ما لبنان، على خلفية تزايد الدور الإيراني في المنطقة إجمالا ومساعي التسعير الطائفي التي تعمل عليها جهات خارجية وداخلية مختلفة. لذلك دعا الفيصل إلى النظر الى إيران بوصفها دولة جارة وصديقة تربطنا بها روابط تاريخية ومصالح اقتصادية، وتفادي أن يؤدي الخلاف المذهبي إلى أي نوع من العداء والكراهية، وحث على تعزيز العلاقة بين ضفتي الخليج عبر الاستثمارات الاقتصادية المتبادلة معربا عن رغبته باستثمار سعودي في مشهد أو شيراز يقابله استثمار إيراني في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية أو في الجبيل.

في الإجمال، يمكن رصد مؤشرات بارزة على دبلوماسية خارجية نشطة في المنطقة آخذة في التنامي في الفترة الأخيرة، من شأنها أن تسهم بدور مهم في المساعدة على احتواء بعض بؤر التوتر، والدفع في الوجهة التي تؤمن للمنطقة وضعا أكثر أمنا واستقرارا.